إن القرارات السياسية لأي قيادة بشكل عام وللدول العظمى بشكل خاص تنبع من مصلحتها المباشرة ومصلحة البلاد عسكريا واقتصاديا..
والمحاولة الدائمة لزيادة فرض النفوذ حتى ولو أنفقت ملايين الدولارات خارج أراضيها وإن كانت في الظاهر تدعم دولا أو أنظمة خارج حدودها ولكن ذلك وبكل تأكيد سيصب في مصلحتها..
ولكن شعوب هذه الدول والبعيدة عن الاستراتيجيات السياسية لقياداتها في الغالب لن تتفهم هذا الأمر وخاصة إن كانت هذه الشعوب بحاجة لزيادة الاهتمام من قبل دولتهم في مجال الخدمات والصحة وغيرها..
فمن أجل لفت اهتمام الحكومة في موسكو، قام مواطنون في قرية روسية صغيرة في سيبيريا بإطلاق مبادرة لتغيير اسمها من (بونغور) إلى «سوريا».
السبب في ذلك وفقا لهم هو أن الحكومة الروسية كانت قد أنفقت عشرات ملايين الدولارات في سوريا –الواقعة في الشرق الأوسط، لذا من المؤكد أنها لن تمانع إنفاق المزيد على ”سوريا“ أخرى قريبة من أرض وطنهم.
تعيش (بونغور) حالة من الخراب منذ مدة طويلة، والأمور تتجه نحو الأسوأ، فالطرقات مهترئة وفاسدة، والتيار الكهربائي دائم الانقطاع، وخدمات الرعاية الصحية منعدمة تماما.
لا يمكن اعتبار هذا النوع من الشكاوي أمرا غير اعتيادي بالنسبة لقرية روسية صغيرة ونائية؛ إلا أن طريقة هذه القرية بالذات في محاولة التعامل مع الأوضاع المزرية أثارت استغراب الكثيرين.
قرية (بونغور) – صورة من يوتيوب.
يقول (سيرجي زافرونكوف) أحد مواطني (بونغور) و واحد من الدعاة لمبادرة إعادة التسمية: ”نحن لا نمني نفسنا بأي توقعات“.
وأضاف: ”كل ما نريد القيام به هو تغيير اسم (بونغور) لتصبح سوريا، ثم سنقوم بتقديم طلب للفدرالية الروسية من أجل تلقي الإعانات الإنسانية“.
استطرد (زافرونكوف) قائلا: ”أنا لا أمزح، أنا جاد تماما، نحن نأمل أن يتغير اسم قريتنا من (بونغور) إلى الجمهورية العربية السورية.
سنقوم بدعوة بعض المواطنين العرب. إن الحكومة تقوم بمساعدة سوريا، والدمار هنا على نفس درجة سوء الدمار هناك، لكننا لا نحظى بأي اهتمام هنا“.
تأتي مساعي تغيير الاسم هذه من معاناة السكان المحليين الذين فشلوا في جعل المسؤولين يلتفتون إلى الأوضاع السيئة التي يعيشون فيها على مر عقود كاملة.
يقول أحد سكان (بونغور) المحليين: ”لقد عملت في قرية اشتراكية في زمن الاتحاد السوفييتي“، ويضيف: ”لقد كنا آنذاك نلتقي بمسؤول المجلس الجهوي وكبار الشخصيات الآخرين ثلاث مرات في السنة، حيث كانوا يزوروننا عند موسم الزراعة والغرس وموسم إنتاج التبن وموسم الحصاد، كان بإمكاننا أن نطلب منهم كل ما نريد.
الآن لا يوجد ولا نائب واحد في الإدارة المحلية ليمثل قرية (بونغور)“.
الطرقات المهترئة في قرية (بونغور) – الصورة من يوتيوب
من أجل إبراز مدى سوء الأوضاع في (بونغور)، يجب عليك عزيزي القارئ أن تعرف بأنها لا تملك حتى مدرسة، وبدل ذلك يستقل التلاميذ الحافلة ليذهبوا إلى مدارس أخرى في مراكز سكنية قريبة، وبسبب سوء وضع الطريق الوحيد والمهترئ الذي يربط القرية ببقية روسيا، يخشى السكان المحليون أن الحافلات ستتوقف في يوم من الأيام عن القدوم إليها.
يقول (سيرجي): ”لقد كانت توجد هنا مدرسة في السابق لكنها قاموا بـ’تكييفها‘“، ويضيف: ”كنا نملك مكتبة لكنها مغلقة الآن، كل ما تركوه لنا هو مجلس قرية وتمثال لتخليد ذكرى المشاركين في الحرب العالمية الثانية؛ لا يوجد شيء هنا عدا المقبرة“.
إن قصة هذه القرية التي يبلغ تعداد سكانها 600 نسمة هي قصة حزينة بحق، لأنه من الصعب جدا أن تذهب طي النسيان وأنت على قيد الحياة، خاصة أن تتجاهلك حكومتك المركزية والجهوية، وهي للأسف قصة تتشارك فيها العديد من الأمم والمجتمعات في العالم.
أحد مواطني قرية (بونغور) المستائين من الأوضاع المزرية – صورة من يوتيوب
يبقى الزمن كفيلا بأن يرينا ما إذا كانت مراهنة مواطني هذه القرية بتحويل اسمها إلى ”سوريا“ سينجح في تحويل اهتمام موسكو إليها، على أمل أن لا يجذب إليها ذلك النوع الخاطئ من الاهتمام، لأنه من المعلوم على القادة هناك أنهم لا يحبون أن تتم مناداتهم بهذا الشكل.
على كل حال لا يسعنا إلا أن نثني على هذا المجهود الإبداعي الذي ابتكره سكان (بونغور) من أجل إحداث تغيير إيجابي على الواقع المؤسف الذي يعيشونه.
المصدر: دخلك بتعرف