تلك الاكتشافات العلمية سهلت حياة البشر بشكل كبير ، لكن ماذا لو أخبرتك أن هناك الكثير من تلك الاكتشافات قد أتت بمحض صدفة لا أكثر؟! .
تعرف السرنديبية على أنها المفاجأة السعيدة ، أو الإنجاز وليد الصدفة . وتلك الكلمة من اللغة السنسكريتية وقد دخلت الإنجليزية عبر الفارسية ودخلت العربية عبر الإنجليزية .
سأتحدث في هذا المقال عن أهم خمسة عشر اكتشافا أتى بمحض سرنديبية . إلا أن تلك الصدفة قد غيرت البشرية للأبد! .
1 – الكتلة والكثافة – أول سرنديبية في التاريخ
هل سبق وأن ركبت سفينة يا عزيزي القارئ؟ . أو تساءلت لماذا تقوم تلك السفينة بالطوفان رغم أنها مصنوعة من الحديد؟
طلب الملك ذات مرة من صائغ أن يصنع له تاجا من الذهب الخالص . وحينما انتهى الصائغ من صنعه أثار شكوك الملك ، فقد كان بعض الصائغين باليونان يقومون بمزج النحاس والفضة والذهب لصناعة سبيكة مخلوطة ما بين الذهب والنحاس . إلا أنها تلمع كما يلمع الذهب .
وقد شك الملك أن الصائغ قد سرق بعضا من الذهب بهذه الطريقة ، لكنه لم يملك دليلا فأحضر أرخميدس وطلب منه فحص التاج ومعرفة إن زور الصائغ صنعه أم لا .
كانت مهمة سهلة ، فما كان على أرخميدس إلا أن يصهر التاج . حيث أن الذهب يحتاج لدرجة حرارة أعلى من الفضة والنحاس بالتالي فيمكن تحديد كمية الذهب بكل بساطة .إلا أن الملك غضب لأن التاج جميل للغاية ، فطلب من أرخميدس أن يقوم بمعرفة الإجابة دون أن يلحق خدشا واحدا بالتاج . وأعطاه مهلة يوم واحد وإلا فإنه سيعدمه .
تلك المهمة كانت مستحيلة بالنسبة لأرخميدس ، فقرر حينها الهرب خارج البلاد ، ولكنه رغب بأخذ حمام قبل ذلك وقد ذهب لإحدى الحمامات العامة . فملأ حوض الماء حتى النهاية ، وحينما جلس فيه وبهدوء شديد خرج الكثير من الماء خارج الحوض .
وجدتها .. وجدتها!
جلس أرخميدس يفكر للحظة ، إذا كان جسمي قد أزاح الماء ، فهذا يعني أن الماء الذي أزيح هو كتلة جسمي . فإن كان هناك رجل بدين مكاني لأزاح ماء أكثر .
فخرج حينها عاريا للشارع وهو يصيح : وجدتها! ، وجدتها! . ثم أتى إلى الملك وأخذ التاج ، ووضع نفس كمية الذهب التي أعطاها الملك الصائغ داخل حوض مليء بالماء ثم وضع التاج . فكانت كمية الماء التي أخرجها الذهب أكبر من كمية الماء التي أخرجها التاج ، مما يعني أن الصائغ قد غش الصناعة ، وقد اعترف الصائغ حينها بفعلته و أعدمه الملك .
يعد أرخميدس صاحب أول اكتشاف سرنديبي في التاريخ . وكان اكتشافه أشبه بأساس الفيزياء .
2 – الأوكسجين
إن اكتشاف الأوكسجين يعد واحدا من أهم الإكتشافات الطبية والصناعية ، وقد أتى بسرنديبية بحتة! .
اكتشف العالم السويدي كارل شيله و العالم الإنجليزي جوزيف بريستلي الأكسجين في وقت متقارب . إلا أن العالم الإنجليزي له الفضل الأكبر . فقد كان بريستلي يعيش بجانب معمل للبيرة ، وقد كان معجبا به فأراد صناعة مشروب فوار شبيه بالبيرة .
بدأ تجاربه على المعادن ، حيث اشترى عدسة مكبرة ضخمة قطرها 12 بوصة . وبدأ يستخدمها لتسخين المعادن ولوضع بخار المعدن في الماء أو البيرة ليرى تأثير بخار المعدن على السائل .
جرب تسخين أكسيد الزئبق الأحمر أيضا ، والذي ينتج عدة غازات من بينها الأكسجين . وقد وضع شمعة داخل زجاجة ليرى إذا ما كان الغاز الناتج يشتعل أم لا حفاظا على السلامة . حينما سخن الزئبق بالبداية كادت الشمعة أم تنطفأ ، لأن الغازات الناتجة بالبداية غازات خاملة . لكن وبعد فترة بسيطة بدأت الشمعة تشتعل بشدة وبدأ ضوئها يملأ الغرفة في وضح النهار! .
لقد كان هذا غاز الأوكسجين ، وسرعان ما جرب لاحقا الغاز على فأرين حيث حبس الأول في كأس زجاجي مغلق ، أما الثاني فقد حبسه في كأس زجاجي مع أنبوب من ذلك الغاز . وكانت النتيجة أن الفأر الذي استنشق الغاز عاش ضعف المدة مقارنة بالفأر الثاني الذي اختنق ومات .
جرب الغاز على نفسه وكانت تجربة أكثر من رائعة، حيث أنه شعر بالنشاط وشعر بالقوة . ولاحقا أطلق على هذا الغاز اسم الأوكسجين ، وهي كلمة لاتينية تعني “عامل تكوين الأحماض” . حيث أنه أعتقد أن جميع الأحماض تحوي الأوكسجين .
إن غاز الأوكسجين الذي صنع ثورة في علم الطب التنفسي ، وساهم بصناعة الثورة الصناعية . اُكتشف على يد رجل حاول صناعة بيرة جيدة وبمحض الصدفة فقط لا أكثر! .
3 – التفاحة – سرنديبية ولدت قوانين الجاذبية
هل سبق لك عزيزي القارئ أن ركبت الطائرة؟ ، هل تساءلت كيف يمكن موازنة طائرة وزنها عشرات الأطنان في الجو؟ .وهل فكرت يوما كيف تحسب المسافة بيننا وبين الكواكب التي تبعد مئات الملايين من الكيلومترات عن كوكبنا رغم أننا لم نزرها؟ .
ولد إسحاق نيوتن بالعام 1642 لعائلة متوسطة ، توفي أبوه قبل ولادته وتزوجت أمه حينما كان في الثالثة وأرسلته للدراسة . وفي عمر الرابعة عشر توفي زوج والدته وقام بالعودة إلى منزله .
لم يكن نيوتن متفوقاً في مدرسته مما جعل والدته تسحبه منها حتى يعمل بمزرعة العائلة . إلا أن عم نيوتن قد رأى أن الصبي ذكي للغاية ، لذلك أقنع أمه بأن عليها إعادته للمدرسة فوافقت .
وفي الجامعة برزت عبقرية نيوتن ، إلا أنه اضطر للعمل في الجامعة في سبيل أن يتحمل كلفة الجامعة . وبعد أن أنهى دراسته انتشر وباء الطاعون مجددا في أوروبا ، وسرعان ما تم إغلاق المدارس والجامعات وتم إعلان حظر تجوال . وقد قضى نيوتن وقته بالبحث في المسائل الرياضية .
تساءل نيوتن عن سبب سقوط التفاحة
أثناء جلوسه تحت ظلال شجرة التفاح سقطت تفاحة بجانبه ولم يعرها انتباهاً ، ثم سقطت تفاحة على رأسه فتوقف وتساءل في نفسه عن سبب سقوط التفاحة .
لقد سقطت التفاحة لأنها نضجت ولم تعد الشجرة قادرة على تحمل وزنها ، لكن لماذا سقطت التفاحة بشكل مركزي؟ . لماذا لم تسقط بجزء معين من الأرض؟ . ولماذا تسقط جميع الأجسام مهما كان وزنها بنفس السرعة؟ .
سرعان ما بدأت تكبر تلك الأسئلة بعقل نيوتن . ليبدأ حينها بالبحث عن سر الجاذبية الأرضية . ولماذا لا تسقط الكواكب على الأرض ولماذا تدور الأرض حول الشمس؟ . وبعد 20 عاما من البحوث المتواصلة تمكن نيوتن أخيرا من إصدار بحوثه عن الجاذبية . وبالطبع حيث أنه فهم الجاذبية فقد استطاع أيضا اكتشاف قوانين الفيزياء الديناميكية .
وكل هذا أتى بسبب تفاحة سقطت صدفة على رأسه! .
4 – اكتشاف العالم الجديد – سرنديبية أبادت شعبا
ولد الكشاف والرحالة الإسباني كريستوفر كولومبوس بالعام 1446 في مدينة جنوة باسبانيا . و قام بأول رحلاته بعمر 15 سنة فقط . وخلال تلك الفترة كانت الإمبراطوريتان الإسبانية والبرتغالية مسيطرتان على البحار . وتأخذ ثرواتها من التجارة ومن فرض الأتاوات على من يمر بطرقها البحرية .
كريستوف كولومبوس
وقد كان بينهما منافسة شديدة إلا أنهما بالطبع لم يتقاتلا . حيث أنهما بقتالهما لبعضهما سيكونان قد دُمرا . وسيسمحان لغيرهم بالسيطرة على البحار وسيخسران كل ما عملا لأجله . لذلك كانت منافستهما فقط بتطوير السفن وإيجاد طرق بحرية قصيرة .
لقد آمن كولومبوس بكروية الأرض . وكان يرغب بإيجاد طريق بحري يربط أوروبا والهند . حيث أن الهند كانت -ولا تزال- أكبر مصدر للبهارات بالعالم وكانت البهارات هي أكبر المحاصيل التجارية التي يمكن نقلها بالسفن حيث أنها لا تتعفن بسرعة .
لقد فكر كولومبوس حينها بإيجاد طريق تجاري يربط الهند وإسبانيا عبر المحيط الأطلسي . وحيث أن الأرض كروية فكان يستطيع السير بالمحيط الأطلسي حتى يصل لليابان ومنها للهند .
في العام 1491 بدأ كولومبوس بعرض مشروعه ورفض . حيث أن المحيط الأطلسي كان يعرف باسم “بحر الضياع” فلم تعبره سفينة وعادت مجددا . وحتى السفن التي عادت بعد رحلات شهور طويلة لم تستطع أن تجد شيئا سوى بحر لانهائي .
وبما أن الرحالة كان مقتنعا أن الأرض كروية ، وبالتالي فلا يوجد ما يسمى ببحر الضياع . واذا ما تقدم أكثر وأكثر فسيصل لليابان ، ومنها للهند . وسيكون اكتشف طريقا جديدا وستأخذه أسبانيا بالكامل لها .
رفض الملك الإسباني بالبداية . فعرض كولومبوس على الملك الانجليزي هنري السابع ورفض ، ولاحقا وافق الملك الاسباني فرينارد طلبه وأعلن تمويله بثلاث سفن لينطلق برحلته .
استمرت الرحلة شهرين ونصف . وقد نفذ طعامهم ومات بعض أفراد الطاقم نتيجة الجوع والمرض . فطلبوا منه مرارا وتكرارا أن يعودوا لإسبانيا لكنه رفض قائلا أن المسافة التي قطعوها أكثر من المتبقية .
وقد ظنوا أن كولومبوس فقد عقله تماما إلى أن رأوا اليابسة أخيرا وبعد عناء طويل . ليحط كولمبوس فيما سيعرف لاحقا باسم كوبا ، ولكنن اعتقد أنه وصل للهند وليس اليابان وأنه تاه عن طريقه بعض الشيء .
كان السكان الذين التقى بهم يشبهون الهنود ، إلا أنهم يملكون بشرة حمراء غريبة . ولذلك أطلق عليهم اسم “الهنود الحمر” . لقد كان كولومبوس ومن معه تائهين ، خائري القوى ومتعبين . فأخذه الهنود الحمر إلى خيمهم ومنحوه الطعام والدفء . وبعد عدة أسابيع رأى الرحالة أنواعا جديدة من الحيوانات والطيور والنباتات . فاستوعب أنه وطأ إلى مكان جديد في الأرض لم يسبق لأحد أن وصل إليه .
سرنديبية أبادت شعبا بأكمله
والأهم من كل ذلك أن أولئك السكان كانوا أثرياء ويملكون الكثير من الذهب . وكرد فعل لجمليهم بعد أن أنقذوا حياته من موت محتم استل كولومبوس سلاحه وبدأ بقتلهم . ثم سرق ذهبهم وأخذ بعض بذور الخضار والفواكه الجديدة وبعض الحيوانات . ومن ثم اختطف بعضهم وذهب بهم إلى أسبانيا وعرض ما وجده على الملك الإسباني .
فرح الملك الإسباني بالخبر ، وخاصة بكمية الذهب التي احضرها كولومبوس معه . وسرعان ما بدأت السفن الإسبانية تبحر إلى العالم الجديد وتبدأ عمليات السرقة والقتل والاحتلال .
بعد فترة قصيرة قد بدأت نباتات جديدة بالظهور بإسبانيا . كما وبدأت الدولة بتصدير بعض العبيد الذين يمتلكون بشرة مميزة لا يملكها أحد . ولم يعد العالم الجديد سرا واكتشفت أوروبا كلها بوجوده وبدأت السفن الأوروبية بغزو القارة الأمريكية .
إن غزو القارة الأمريكية هو ما خلق مفهوم الإستعمار . ولماذا لا تستعمر الدول الأوروبية القارة الأمريكية؟ ، فتلك القارة التي يعيش عليها شعب لا يزال يستخدم القوس والرمح للدفاع عن نفسه ضد شعب يملك المدافع! .
أبيد ما يصل إلى أكثر من مائتي مليون هندي أحمر ، و كان لإسبانيا والبرتغال النصيب الأكبر من المستعمرات . ثم فرنسا وبريطانيا ثم هولندا وروسيا وغيرها .
لقد غيرت سرنديبية اكتشاف القارة الأمريكية التاريخ . فظهرت 15 دولة جديدة لاحقا فيها . وعرفت البشرية الكثير من المحاصيل الزراعية المختلفة مثل الطماطم، التبغ، البطاطا وغيرها .
بل إنهم اعتقدوا أنه إذا كان هناك قارتين ظلتا مخفيتين لألوف السنين ، فهذا يعني أن هناك قارات أخرى . فبدأ الأوروبيون بالبحث عن مكان جديد . وحينما طافوا العالم بأسره بدأوا باستعمار القارات المعروفة مثل أفريقيا وآسيا .
كما أن الدول الأوروبية حققت فوائد لا تعد ولا تحصى . فقد بدأ مجرمو أوروبا يهاجرون للقارة الأمريكية ، وبدأت أوروبا بفرض ضرائب على مستعمراتها مما جعلها ثرية للغاية . وأصبحت أرقى وأكثر مكان تطورا في العالم . وقل عدد المجرمين فيها .
وكان كل الفضل لذلك لصدفة غير متوقعة ، لدرجة أن كولومبوس قال “لقد كنت أبحث عن النحاس فوجدت الذهب” .
5 – التبريد – الصدفة التي جعلت الحياة أسهل
إن اختراع البراد لم يكن بسرنديبية . بل كان عملا مخططا ومتعوبا عليه بيدَ أن فكرته الأساسية قد أتت بسرنديبية بحتة.
ولد العالم الأمريكي كلارنس برديسي بالعام 1886 وقد أحب الطبيعة بشكل كبير ودرس العلوم الطبيعية . وأثناء زيارة له فيها كندا قرر دراسة حياة الإسكيمو . ففي بعض أجزاء كندا والقارة القطبية لا تشرق الشمس لشهور طويلة . وتغط البلاد بظلام حالك لا وبالكاد يستطيع الشخص أن يرى أنفه .
رأى الإسكيمو – وهم شعب من الشعوب الأصلية بالقارة الأمريكية – يقومون بتجهيز الغذاء لتلك الأيام حيث يقومون بصيد السمك ثم إعادته للبحر حتى يتجمد . وحينما سألهم عن السبب قالوا له أن هذا يحفظه من التعفن .
لقد كان الرومان يقومون بفعل المثل . حيث كانوا يرمون قطع اللحم بالثلج في سبيل إطالة مدة صلاحيتها ، لكن ذلك لم يمنعها من التعفن بالنهاية . أما التجميد بالكامل فهو يمنع الطعام عن التعفن بشكل كامل ولن يتعفن الطعام لسنين طويلة .
قرر كلارنس استخدام فكرتهم . وعاد لأمريكا واخترع صندوقا من خشب البلوط الثقيل . وفيه درج لوضع الثلج وقد كان هذا أول براد بالعالم .
كان يعمل هذا البراد يعمل في الشتاء فقط . حيث يتم جمع الثلج المتساقط بالشوارع ووضعه داخل الدرج لتنتشر البرودة . وحيث أن الخشب ثقيل فإن البرودة لن تخرج ولن يتأثر الصندوق بدرجة الحرارة الخارجية . و لاحقا تم اكتشاف أن غاز الفريون النادر حينما يمر بالنحاس فهو يترك جزء منه باردا للغاية . فاخترعت الثلاجة ، ومن ثم المكيف . لتكون فكرة التبريد قد أتت بسرنديبية بحتة اكتشفها شعب منعزل قبل ألوف السنين .
6 – غزو قبائل الهون – سرنديبية الموت
إن الهون هم شعب من الشعوب الآسيوية ، وحسب بعض النظريات التاريخية فإن الهون هم الجد المشترك للأتراك والمغول . و على غرار الإثنين فقد كان الهون عبارة عن قبائل بدوية همجية تعيش في غياهب سهوب آسيا . وتعتاش على قطع الطرق والسرقة من بعضها البعض وغزو الشعوب المتحضرة بجوارهم .
سئم الصينيون منهم فقاموا بطردهم وتهجيرهم وتشتت عدد كبير من قبائلهم عبر القارة الأوراسية . وبدأ الهون حينها بالوصول لأوروبا .
وصل الهون للبحر الأسود واعتقدوا أنها نهاية العالم ، فلم يجرؤوا على عبور البحر والاستمرار بالبحث . بل لم يكونوا مضطرين حيث أن الصينيين قد انقسموا والقبائل التي طاردتهم لم تلحق بهم إلى هناك .
قرروا الإستقرار في تلك المنطقة دون معرفتهم بوجود أراض أخرى عبر البحر الأسود . ورغم أن أطراف البحر الأسود ليست عميقة وكانوا يستطيعون عبرها ، إلا أنهم قرروا الإستقرار لأنهم ظنوا أنه لا يوجد نهاية لذلك البحر .
سرنديبية حيوان منفلت حكمت بالموت على الملايين من الناس
وهناك رواياتان عما حدث :
تقول الأولى أن بقرة تعرضت للسعة نحلة وبدأت بالركض مجنونة عبر البحر ، ولحقها الراعي حتى وصل للأرض الجديدة ثم عاد وأخبر القبائل بما وجده .
أما الثانية فتقول أن صيادا حاول اصطياد غزال وطارده عبر البحر حتى وصل إلى الأرض الجديدة ثم عاد وأخبر القبائل بما وجده .
بكل الأحوال فإن الهون اكتشفوا القارة الأوروبية بسرنديبية ، إلا أن هذه السرنديبية لم تأت بخير . فقد غزا الهون أوروبا وسرقوا القرى وقتلوا الرجال وسبوا النساء . وقد تقاتلت الإمبراطورية الرومانية مع الهون لكنهم هزموا .
وإن كنت عزيزي القارئ تتساءل كيف لمجموعة من الهمج الرعاع أن يهزموا أقوى حضارة بالعالم القديم فإن السبب في ذلك أن البداوة دائما تنتصر على الحضارة .
حيث أن الهون يتعلمون ركوب الخيل ورمي السهام منذ الطفولة ، وفي الواقع إن الرمي ليس مجرد تدريب لديهم بل حياة . فحياتهم القاسية في التندرا قد جعلت منهم شعبا صيادا لا يخطئ سهمه . فالحال أنهم لو أخطأوا سهمهم فلن يجدوا طعاما لمدة أيام أخرى ، وربما يموتون جوعا . لذا فهم لا يخطئون رمي السهام ويجيدون ركوب الخيل والقتال ويحترفون القتال على ظهره .
ولعل أشرس قائد من الهون كان أتيلا الهوني ، فقد قتل هذا الرجل أكثر من ثلاثمائة ألف أوروبي خلال عدة سنوات بالسيف والقوس فقط . وقد دامت إمبراطوريتهم 100 عام تقريبا .
لقد كان غزو الهون هو ما دمر الإمبراطورية الرومانية ، وكل ذلك كان بسبب سرنديبية نحلة لسعت بقرة أو بسبب غزال هرب حفاظا على حياته .
فيما بعد استقر الهون في المجر والتي عرفت لاحقا باسم هنغاريا ، ويعود سبب تسمية هنغاريا أن الهون اغتصبوا من نسائها حتى أصبح معظم السكان من نسلهم . ولا يزال الكثير من الهنغاريين يحملون الملامح الآسيوية .
7 – اختراع البطارية – سرنديبية لا تصدق!
إن البطارية موجودة في حياة البشر في كل مكان ، ومن الغرابة أن ذلك الإختراع المشهور قد أتى بمحض سرندبية لا أكثر . ولعل سبب تلك الصدفة كانت رِجل ضفدع! .
ولد العالم الإيطالي لويجي جلفاني بالعام 1737 وقد كان يدرس علوم الأحياء الطبيعية . أثناء تشريح ضفدع لاحظ أن قدم الضفدع الميت تتحرك وترقص حينما تكون بالقرب من المولد الكهروستاتيكي . وهي مولدات قديمة كانت تستخدم الكهرباء الإستاتيكة الإحتكاكية لعمل تجارب عليها .
رغب لويجي بإجراء تجربة جديدة ، حيث قام بوضع خطاف نحاسي داخل قدم الضفدع ثم وضعها على شرفة منزله الحديدية ولاحظ انها انقبضت . فكتب حينها مذكرة عما سماه “الكهرباء الحيوانية” ونشرها .
قرأ العالم أليساندرو فولطا تلك المذكرة ، لكنه لم يعتقد أن السبب هو الكهرباء الحيوانية . بل اعتقد أن السبب في ذلك الإنقباض أن تلامس معدنين مختلفين يولد الكهرباء في ظروف معينة .
صدفة جعلت أليساندرو فولطا يخترع أول بطارية في التاريخ
واعتقد أن تلك الظروف هي الماء المالح ، حيث أنه افترض أن رِجل الضفدع كانت مبلولة في ماء مالح . فقام بأخذ عمود من الفضة وعمود من الزنك ووضعها في ورق كرتون مبلل بماء مالح . وكانت النتيجة هي اختراع أول بطارية بالتاريخ . وليكون الفضل في ذلك الإختراع العظيم هو رِجل ضفدع! .
8 – اللقاحات الطبية – الصدفة التي أنقذت الملايين من البشر
أتت فكرة التطعيم من رجل انجليزي ولد بالعام 1749 يدعى إدوارد جينر . كان إدوارد يدرس الطب وأثناء زيارة قريته التقى بسيدة تحلب البقر فحذرها من مرض الجدري فضحكت قائلة “أنا لن أصاب بالجدري لأنني أصبت بجدري البقر سابقا” .
انتقل إلى لندن في عمر الواحد والعشرين وتتلمذ على يد طبيب وعاش في منزله وعمل في مزرعته في سبيل العلم . وأثناء دراسته بدأ الجدري ينتشر مجددا بين الناس ، ومجددا .. وبشكل عجيب كانت نسبة المصابين بالأرياف قليلة ، وخاصة لدى الذين يعملون برعاية البقر .
فتذكر حينها مقولة السيدة التي أخبرته أنها لا تأخذ المرض لذلك قرر دراسة الأبقار . فاكتشف أن الأبقار تصاب أيضا بالجدري ، لكن الذي تصاب به الأبقار أقل وأضعف تأثيرا من النوع الذي يصاب به البشر .
لذلك قرر أن يفجر البثور في البقر ويستخلص منها المادة التي تسبب المرض . ولاحقا أخذ فجر البثور على يد سيدة مصابة بجدري البقر وحاول صناعة مادة أخرى ليصنع اللقاح . ثم قام بتجربة اللقاح على صبي يدعى جيمز فيبس وعمره 8 سنوات! .
لا أحد يعلم حتى اليوم كيف اقتنع الصبي وأهله بالفكرة الا انهم اقتنعوا بالنهاية . وبعد عدة سنوات من البحوث نجحت فكرة اللقاح وحاول عدة أشخاص سرقة الفكرة والفضل من إدوارد . لكنه استطاع إثبات الحقيقة بالنهاية وحصل على تكريم وجمع ثروة هائلة وبني له تمثال في مسقط رأسه .
وأثناء الحروب النابلوينية أسر الفرنسيون جنديين انجليزيين . فتوسط إدوارد لإطلاق سراحهم وحينما علم نابليون بذلك وافق قائلا : “لا يستطيع أحد أن يرفض طلبا لذلك الرجل” .
إن فكرة التطعيمات واللقاحات هي أن يتم حقن جسم الإنسان بمسببات مرض ضعيفة . حيث تهاجمها الخلايا الدفاعية في جسم الإنسان وتكتسب قوة أكبر ضد مسببات المرض الأقوى ويبدأ الإنسان بالتعافي حينها .
وقد أتت تلك الفكرة بسبب مقولة سيدة ضاحكة تحلب البقر! .
9 – مخطوطات البحر الميت – سرنديبية العصر
إن الكثير من المدن الأثرية والتاريخية اكتشفت بمحض صدفة ، مثلا كهف أرونياك بفرنسا و مدينة فولسوم بالمكسيك . لكن مخطوطات البحر الميت غيرت الكثير من الأشياء .
في الأردن كان هناك طفل أردني يرعى الغنم في قرية خربة قمران . وكان شاردا ولم ينتبه إلا وأن خرجت معزاة عن القطيع فلاحقها محاولا إمساكها . وأثناء الركض رأى فتحة صغيرة بالصخر وعلى ما يبدو أنه كهف مدفون . فظن أن الشاة دخلت الكهف وحينما أدخل رأسه قد سمع صوت انكسار فخاف وهرب .
بعد أن عاد إلى المنزل أخبر أهله بما حدث وقرر الأهل الذهاب لرؤية الكهف . وسرعان ما انصدموا حينما رأوا مجموعة ضخمة من الأواني الفخارية والأوراق القديمة .
فباع الأهل تلك المخطوطات إلى عائلة مسيحية سورية . والتي بدورها منحتها إلى مطران سوري في مدينة القدس . حينما قرأ المطران المخطوطات لم يتمكن من فهمها جميعا ، حيث كانت بعض اللفائف مكتوبة بالآرامية ، وبعضها الاخر مكتوب باليونانية وبعضها الآخر باللاتينية وبعضها بالعبرية .
لقد قرأ الأجزاء الآرامية لكنه لم يستطع أن يقرأ باقي الأجزاء . فما كان منه إلا أن منحها للمدرسة الأمريكية بالقدس والتي بدورها أرسلتها لأمريكا للدراسة .
كانت معظم المخطوطات مكتوبة بالأبجدية الآرامية القديمة ، خاصة العبرية منها بالطبع . كما أن تلك المخطوطات تعود إلى العام 100 ق.م ، وقد كانت مخطوطات لقبيلة يهودية كانت لديها طقوسها الدينية وقد اخفوها خوفاً من الرومان .
أدت تلك المخطوطات لكشف الكثير من الغموض عن الديانات الإبراهيمية . وخاصة اليهودية حيث أنها أول ديانة ابراهيمية . ولعل تلك المخطوطات حلت ألغازا كثيرة ، وكان ذلك بسبب صدفة أن نعجة تاهت بالصحراء .
10 – علاج السكري
لقد كان مرض السكري هو سرطان العصر القديم ، فلم يكن لذلك المرض أي علاج . وقد كان يحكم على المريض بالموت البطيء وأحيانا تقطع يده وقدمه .
ولا يزال هنالك الكثير من مرضى السكري حول العالم ، فبأمريكا وحدها يوجد 30 مليون مريض . وقد تستغرب عزيزي القارئ إلا أن علاج السكري اكتشف بسرنديبية، وتلك السرنديبية لها علاقة ببول كلب! .
بالعام 1889 كان العالمان الألمانيان جوزيف فون مرينج و أوسكار مينكوفيسكي يقومان بإجراء التجارب على الكلاب . وقد قاما بتشريح كلب وأخذا البنكرياس منه ليروا ماهي فائدة البنكرياس لدى الكلب ، وكم يستطيع العيش بدونه .
اكتشاف الأنسولين بمحض الصدفة!
بعد فترة شرب الكلب الماء ثم تبول ، وتجمعت كمية كبيرة من الذباب على بول الكلب ، كمية أكبر من المعتادة بكثير . وحينما تم تحليل البول وتسخينه اكتشفوا أن بول الكلب مليء بالسكر ، ليعرفوا حينها فائدة البنكرياس الحقيقية . ألا وهي إفراز سائل يهضم السكر في الدم .
لكنهم عجزوا عن استخراج ذلك السائل حتى تمكن عالم كندي يدعى فريدريك بانتينج ، وعالم آخر يدعى تشارلز بيست من استخراج ذلك السائل ، وأطلقوا عليه الأنسولين .
وقد منح الأنسولين حياة جديدة لملايين المرضى حول العالم . إلا انه وللأسف كان هذا علاجا مكلفا للغاية ، وكان الأغنياء فقط من استطاعوا تحمل كلفته .
لقد كان الأنسولين الذي يستخرج من الكلاب ذا فاعلية ضعيفة . لذلك كان يتم استخراجه من الخنازير ومن الخيول ومن البقر ، وكان يختلف الحيوان حسب المريض . لاحقا وبفضل الهندسة الوراثية والجينية قد تمكنت بعض الشركات الكبرى من إنتاج بكتيريا سميت ببكتريا إيشرشيا كولاي . تلك البكتيريا كانت قادرة على منح إنسولين مطابق تماما للأنسولين البشري .
وأصبح علاج الأنسولين أرخص بكثير مما كان عليه سابقا ، وأصبح يمكن للطبقات المتوسطة بالمجتمع تحمل كلفة العلاج .
11 – الزجاج
إن اكتشاف الزجاج واحد من أهم الإكتشاف بالعالم القديم ، ولقد كان اكتشافه سرنديبية .
بحسب المؤلف الروماني بينلي فإن مجموعة من التجار الفينقيين خرجوا من فينيقيا في بلاد عبر النهر ، وكانوا في طريقهم إلى إحدى مستوطناتهم . وقرروا النوم فقرروا التخييم وأشعلوا نارا ، وبعد أن استيقظوا وجدوا صخورا شفافة وغريبة الشكل .
لقد كانت تلك الصخور زجاجا وقد تكونت بفعل انصهار الرمل نتيجة الحرارة . فبدأوا لاحقا بصنع الزجاج وتطويره وبيعه . وانتشر بشكل كبير لدى الأثرياء حيث أنه كان يستخدم للمجوهرات .
رغم أن هذه القصة شُكّك بحقيقتها ، إلا أن بعض المؤرخين الرومان أكدوها . فوجدت قطع زجاج بمصر القديمة كذلك . كما أن تلك القصة يعود تاريخها لأكثر من 6000 سنة بالتالي قد تكون قصة غير واقعية .
اكتشف الزجاج بسبب سرنديبية
لاحقا وبعد مئات السنين اكتشف صانع سوري بالولاية السورية الرومانية طريقة النفخ بالزجاج . وبدأ بصنع الأكواب والأواني الزجاجية وحقق ثروة هائلة بفضل اكتشافه .
لقد اُكتشف الزجاج بسبب سرنديبية . وهي قرار مجموعة من التجار البقاء في مكان معين . فلو قرروا على سبيل المثال أن يخيموا في الغابات – حيث لا يوجد الرمل الأبيض – فلن يذوب الرمل حينها ولم يكن الزجاج ليُعرف .
12 – أشعة إكس – صدفة قادت صاحبها لجائزة نوبل
في العصور القديمة كانت العظام المكسورة هي نهاية الشخص . وعلى الرغم من أن الطب القديم كان يمكن أن يعالج العظام المكسورة في القدم واليد ، لكن علاج العظام الأخرى كان أمرا مستحيلا . بل وحتى عظام الأقدام لم يكن العلاج نافعا فيها في معظم الأحيان وكانت تبتر قدم المريض .
بل وحتى بعد تطور الطب لم يكن العلاج بالأمر السهل . حيث أنه كان ينبغي على الأطباء شق اللحم والقيام بعملية جراحية حتى يروا مكان الكسر .
صدفة اكتشاف أشعة اكس والتي سببت ثورة في عالم الطب
وحين اُكتشفت أشعة إكس كان هذا الإكتشاف بمثابة ثورة بطب العَظمّية . حيث يمكن للطبيب أن يرى العظام بدون إجراء جراحة، ويمكنه تحديد مكان الكسر بكل بساطة وبدون تعب وجهد .
وكما خمنت عزيزي القارئ فإن اكتشاف تلك الأشعة أتى بسرنديبية، دعونا نتحدث عن تلك السرنديبية إذن .
في العام 1895 كان عالم الفيزياء الألماني فيلهيلم كونراد يقوم بإجراء تجارب فيزيائية عن تأثير الكهرباء على الهواء وباقي الغازات . وتلك التجارب هي تجارب قديمة لكن كونراد كان يرغب بإيجاد نتائج جديدة مستخدما غازات مختلفة .
كان يفرغ الأنبوب من الهواء ثم يضيف إليه غازات جديدة حتى يصبح ما في الأنبوب خليطا من غازات مختلفة وهواء . فلاحظ أنه وأثناء تفريغ الأنبوب فإن جدرانه تشع بلون فسفوري غريب للغاية ورغب في أن يعرف مصدر الضوء .
أكمل تجاربه وعاد ذلك الضوء الغريب مرة أخرى فقرر دراسته . واكتشف أن ذلك الضوء يأتي من الكاثود (القطب السالب) . وقرر استخدام أنبوب جديد لا يحوي طبقة رفيعة من الألومنيوم كالذي استخدمه العالم كروكس . ومحاولة معرفة مصدر الضوء تماما عن طريق استخدام لوحة فسفورية كاشفة .
وحتى ينتبه جيدا لها قام كونراد بإطفاء ضوء الغرفة . وقد استغرب من وجود ضوء أخضر غريب فيها . وحينما قام بإشعال الضوء اختفى الضوء . مما يعني أن ذلك الضوء ضعيف وغير مرئي، فقام بإطفاء الضوء مجددا ثم أشعل عود ثقاب ليرى مصدر الضوء فرأى أن الأنبوب عكس الضوء على الشاشة ، وما كان خلف الشاشة قد كشف! .
لقد رأى الورق شفافا للغاية ، وأبصر ورق اللعب الموجود خلف قطعة من الخشب بوضوح جيد . فكانت صدمة حقيقة ما رآه ، لقد مكنته تلك الأشعة من الرؤية من خلال الأجسام . وقام بتسمية تلك الأشعة بأشعة X أو “الأشعة المجهولة” .
بعد اكتشافه بست سنوات حصل على جائزة نوبل .ولعلها أول جائزة من نوبل تعطى لإنجاز غير الطب تماما .
إن أضواء النيون والأضواء الفلورية لم تكن إلا تطبيقات لتجارب كونراد . وقد أتى اكتشافها عن طريق الصدفة كذلك .
13 – نظام نقل الوقود بالصواريخ
تعد الصواريخ إحدى أهم اختراعات العصر الحديث . حيث يمكنها نقل مركبة فضاء تزن مئات الأطنان لتصور لنا عشرات الصور الجميلة التي تجعلنا نشعر بعظمة هذا الكون . وبامكانها كذلك أن تحمل أطنانا من المتفجرات وتنزل على مدينة وتدمر عشرات البيوت وتجعلنا نفكر كم أن هذا العالم قاسٍ ومرعب .
لقد اخترع الصينيون القدماء الصواريخ قبل ألوف السنين . وكانوا -ولا يزالون- يستخدمونها لأجل الإحتفالات الدينية والثقافية .
وأثناء غزو المغول لبلاد الشام قام مصمم الأسلحة الحلبي المسلم حسن الرماح بإدخال الصواريخ للاستخدام العسكري . وصنع أنواعا جديدة منها تنفجر بالأرض . واستخدمها في محاولة لصد حشود المغول عن مدينة حلب .
ولاحقا قام مجموعة من العلماء الأوروبيون بتطوير صواريخ عسكرية . ولكن صواريخ حسن الرماح والصواريخ التي طورها المهندسين الأوروبيون جميعها فشلت لسبب واحد وهو نظام نقل الوقود .
مبدأ نظام نقل الوقود بالصواريخ كان نتيجة الصدفة
حيث يستهلك خزان الوقود مساحة كبيرة . كما وأنه لا يسير لأكثر من 200 متر مع كلفة صناعة ضخمة . حتى أتى المهندس الألماني فان براون وقام ببدء مشروع تطوير الصواريخ خاصته تحت رعاية أدولف هتلر وحكومة ألمانيا النازية .
لقد بدأ فان العمل على مشروعه في العام 1937 وبدأ بصناعة صاروخ V2 . إلا أن صواريخه فشلت فشلا ذريعا . حيث أن الوقود كان ينفذ بسرعة وكانت تنفجر في أماكن قريبة . وبعضها كان ينطلق ثم يعود إلى القاعدة وينفجر .
بعد عدة سنوات من العمل بدأت الشكوك تراود هتلر عن براون . فكانت ألمانيا محاصرة وكانت تجارب بروان تكلف الكثير من الوقود في وقت كانت 90٪ من ألمانيا لا تملك كهرباء بسبب الحصار .
فشك هتلر فيه واعتقد أنه عميل بريطاني سري قد وُكل بمهمة تدمير ما تبقى من مصادر المانيا على مشاريع فاشلة فاعطى أوامر بمراقبته . ولكن براون خاف على نفسه بعد اكتشاف ذلك ، وقرر أخذ إجازة لتصفية ذهنه علّ وعسى أن يجد الحل لمسألة نظام نقل الوقود بالصواريخ .
وأثناء الإجازة رأى فان زوجته وهي تسقي الورود ، وحيث أن الخرطوم كان قصيرا ، فقد كانت تضغط الخرطوم حتى يزيد الضغط فيصل الماء إلى الأزهار البعيدة .
فخطرت له الفكرة حينها أن يفعل المثل مع أنابيب الوقود ، فألغى إجازته وهرع إلى المعمل وقام بصناعة أنابيب وقود ضيقة . وجرب حينها إطلاق الصاروخ لتكون النتيجة رائعة ، لقد انطلق الصاروخ مسافة عالية جدا . لدرجة أن براون حينها لم يعد مضطرا لاستخدام الوقود العادي بل قام بصناعة وقود كحولي بسيط واستخدمه بالصاروخ .
تذكر عزيزي القارئ ، حينما ترى الصواريخ التي ترتفع إلى الفضاء وتلتقط لنا الصور الجميلة . أو تلك التي تنزل إلى الأرض وتلتقط الصور الفظيعة .. أ نظام نقل الوقود في تلك الصواريخ اخترع بسبب سيدة لم تستطع أن تروي أزهار حديقتها .
للعلم .. فرغم نجاح نظام نقل الوقود نجاحا باهرا إلا أن الصورايخ الخاصة ببراون لم تنجح . ويعود السبب في ذلك إلى عدم وجود حواسيب تقوم بتعديل شيفرات وذيل الصاروخ حسب الضغط الجوي ، وحسب معدل اصطدام الصاروخ بالهواء وحسب سرعة الرياح . لذلك السبب لم تنجح معظم الصواريخ حينها ، فنجحت المئات منها فقط في وقت قد صنع براون الألوف .
14 – الحرير الصناعي – السرنديبية الناعمة
إن كنتِ عزيزتي القارئة تملتكين في خزانتك تلك الملابس الناعمة ذات الملمس الجميل فستعرفين أنها مصنوعة من الحرير . ولقد عرف الحرير منذ مئات السنين للبشر . و كان يستخدم في صناعة الملابس والأعلام ، ولعل ملابس النساء كانت أكثر من يستخدم الحرير نظرا لنعومته على الجلد .
لقد كان الحرير غاليا للغاية ، فكان ينتج بشكل حيواني عبر دودة القز . وتحتاج إلى مئات الديدان وأطنان من ورق التوت حتى تنتج ما يكفي لخياطة ثوب أو فستان! .
المئات من ديدان القز لصنع فستان واحد!
في العام 1875 حدث وباء لديدان القز وقتل الكثير منها ودمر صناعة الحرير في فرنسا حتى بدأت المزارع بعرض جوائز لمن يجد دواء للمرض .
درس الكيميائي الفرنسي إيلري شاردونيه المشكلة واقتنع أنه لا يوجد حل سوى إيجاد بديل صناعي بدل الحيواني . وقد انكب للعمل حينها بمختبره على محاولة صناعة خيوط شبيهة النعومة بخيوط الحرير .
لقد كان شاردونيه يعمل في تحميض الصور لكسب رزقه حيث كانت مهنته الأساسية ، وكان مشروع الحرير مشروعا جانبيا له . وأثناء عمله بالغرفة احتاج أغراضا من الخزانة وقام بفتحها لتسقط قنينة من مادة الكولوديون .. وتنسكب على أرضية الخزانة .
وتلك المادة كانت تستخدم بعلاج الجروح وتطهيرها كما أنها تستخدم في صناعة الأفلام . ولكن شاردونيه كان مستعجلا حينها ولم يملك الوقت لتنظيف أرضية الخزانة فتركها لبعض الوقت .
وحينما عاد رأى أن السائل تبخر جزئيا ، وتكونت بقعة دبغة . وحينما هم بإزالة البقعة انصدم أنها كونت خيوطا ذات ملمس جميل أشبه بالملمس الحريري! .
لقد كانت سرنديبية سقوط القنينة أشبه بضربة حظ له . وظل يعمل 6 سنين حتى تمكن اخيرا من بناء طريقة صناعية لبيع تلك الخيوط .
يتكون الكولوديون من نترات السليوز المذابة بالكحول . وقد وجد ان الكولوديون الذي يمكن استخراجه من أوراق التوت أفضل نوع لصناعة الحرير الصناعي . وما يثير الدهشة حقا أن أوراق التوت هي غذاء دود القز الطبيعي! .
وبعد عدة سنوات من العمل بصناعته وانتشاره بالسوق لم يعد الحرير حكرا على الأثرياء فقط . فسابقا كانت فقط الملكات والأميرات ونساء الطبقة العليا يستطيعون تحمل كلفة الحرير . أما اليوم فقد أصبحت فتيات الطبقة المتوسطة قادرات على تحمل كلفة الحرير .
حين ترتدين ثوبا وفستانا من الحرير أو تذهبين للسوق وتجدينه بسعر يمكن تحمله ، فتذكري عزيزتي القارئة أن هذا كله قد أتى بفضل سرنديبية قنينة سقطت من خزانة .
15 – عِلم الجريمة – صدفة أم عبقرية؟
حينما نتحدث عن الصدفة والسرنديبية فإننا نتحدث عن أشياء بسيطة قادت لإنجازات عظيمة . ولكن مارأيك عزيزي القارئ أن هناك علما كاملا يدرس بالجامعات أتى بمحض صدفة؟ . وأن الشخص الذي صنع ذلك العلم لم يكن بشخصية حقيقة بل عبارة عن شخصية خيالية غير موجودة أصلا! .
بالطبع ستظن أن ذلك أمر مستحيل ، لكنه ليس بكذلك مع حالة شارلوك هولمز .
ولد السير آرثر كونان دويل باسكتلندا ضمن اتحاد المملكة المتحدة . و قرر دراسة الطب فدرس وتتلمذ على يد طبيب إنجليزي يدعى جوزيف بيل . وقد كان هذا الطبيب سريع الملاحظة ، حيث أنه كان يعرف عن مرضاه الكثير من المعلومات بنظرة واحدة فقط .
السير آرثر كونان دويل
فعلى سبيل المثال أتى جندي عائد من أفغانستان إلى الطبيب فعرف الطبيب حينها وخلال أقل من ثوان أن ذلك الجندي أتى من أفغانستان وأنه أرمل .
وذلك لأن البشرة السمراء أتته من الشمس الحارقة في أفغانستان . كما أن ملابسه غير مرتبة حيث أنها لا تظهر أنه متزوج ، فلا يوجد امرأة تسمح لزوجها بالخروج من المنزل بهذا الشكل . لكنه بنفس الوقت يرتدي خاتما للزواج مما يعني أنه كان متزوجا لكن زوجته تركته متوفية . فكان مخلصا لها وظل يرتدي الخاتم .
لقد كان المعلم ذكيا مثقفا وحاد النظرة ، وقد استلهم دويل منه شخصية شارلوك هولمز لاحقا . فبعد انتهاء دراسته فتح دويل عيادته الخاصة . لكن العمل كان بطيئا للغاية ، وكان بحاجة للمال فما كان منه إلا أن بدأ بتأليف بعض القصص والروايات البوليسية . وكانت أولها رواية “دراسة بالقرمزي” وقد ظهر فيها شارلوك هولمز لأول مرة .
هولمز كان باحثا ومحققا بارعا وأعجب به عشرات الألوف من الأشخاص وبيعت الرواية بسرعة حتى قرر دويل أن يكتب روايات جديدة .
لقد كانت طريقة التحليل الفريدة التي يستخدمها هولمز غريبة للغاية ، كان يأخذ جميع المعلومات حتى التافهة منها . فما الرابط العجيب برأيك ما بين جريمة قتل وخمس بذور برتقال؟! .
فأي معلومة كانت مفيدة في نظره وتساعد بتكوين الصورة الكاملة . وقد كانت طريقته أساس وبداية نشوء علم الجريمة . فقد ساعدت طريقة شارلوك هولمز الشرطة البريطانية بحل بعض الجرائم . ولاحقا تم البحث بطرقه وتسجيلها ليظهر علم الجريمة . وهو علم كامل يدرس بالجامعات وقد اخترعته شخصية من محض الخيال! .
بعد عشرات السنين قرأ رجل ياباني يدعى غوشو أوياما سلسلة روايات وقصص شارلوك هولمز . ليصنع لاحقا إنمي المحقق كونان . و قام بتسميته بالإسم كونان تخليدا للسير آرثر كونان دويل مخترع شخصية شارلوك هولمز .
حينما تقرأ عن جريمة قتل وترى الشرطة قبضت على المجرم . فتذكر عزيزي القارئ أن الشرطة درست علما صنعه رجل وهمي غير حقيقي! .
ختاماً
إن المقصد من هذا المقال ليس تحقيرا لإنجازات تلك الشخصيات . فحتى وإن أتت كل تلك الإنجازات بسرنديبية بحتة ، فإن أصحابها انتبهوا لها . فكل يوم يجلس ملايين البشر في حوض استحمامهم ، لكنهم لم يتساءلوا عن سبب إزاحة أجسامهم للماء . وتسقط يوميا ألوف قناني الكولوديون ، ولم ينتبه أصحابها لها حتى يتمكنوا من اكتشاف الحرير الصناعي . لذا .. فإن ملاحظة أولئك الأشخاص لما حدث معهم من مواقف بسيطة تحدث لنا جميعا هو ما قاد لتلك الإنجازات العظيمة .
المصدر: كابوس