في مسقط رأس الطفلة بالإسكندرية، بين دهاليز المناطق الشعبية، نظّم الأهالي أنفسهم وانطلقوا بصور الطفلة “رقية” وأرقام حسابات التبرع..
في مشهد لم يختلف كثيرا عن الواقع الافتراضي الذي شهد هو الآخر مظاهرة شعبية كبيرة تحت وسوم عدة مثل #انقذوا_رقية و #الطفلة_رقية و#رقية_محتاجاكم، التي تصدرت قائمة الوسوم الأكثر تداولا على موقع تويتر.
وفي ما يشبه الملاحم الشعبية، نجحت حملة تبرعات واسعة في جمع نحو 45 مليون جنيه مصري (الدولار يساوي 18.78 جنيها)؛ لتأمين أغلى علاج في العالم لطفلة على مشارف إتمام ربيعها الثاني تعاني من مرض نادر.
القصة تعود للطفلة رقية، من محافظة الإسكندرية (شمال)، مصابة بمرض ضمور العضلات الشوكي، كانت أسرتها تسابق زمنا لم تتبق فيه سوى أيام معدودة؛ لإتمام معجزة توفير علاج (حقنة زولجينزما) يقدر ثمنه بنحو مليوني دولار، قبل أن تتم العامين بعد أيام قليلة.
وقبل أيام، دشنت الأسرة حسابا لجمع التبرعات عبر منصات التواصل الاجتماعي كي تصل إلى أكبر شريحة ممكنة، ليتبناها مشاهير وصحفيون وناشطون وجهات رسمية بالدولة، لتتحول قصتها من أزمة إلى كرنفال شعبي من المأمول أن يمتد أثره إلى حالات عديدة مشابهة.
وحتى الساعات الأولى من صباح السبت / يونيو الماضي، امتدت احتفالات مصريين باكتمال التبرعات التي وصلت إلى 45 مليون جنيه، لتوفير العلاج الأغلى في العالم للطفلة رقية.
المستحيل كلمة ليست موجودة في قاموس المصريين.. ملحمة تبرعات منقطعة النظير استطاعوا من خلالها تجميع أكثر من 40 مليون جنيه لإنقاذ الطفلة رقية المصابة بمرض ضمور العضلات.
من رحم المعاناة
ولدت رقية طبيعيا، وفق تصريحات والدتها لوسائل إعلام محلية، من دون أن تعاني من أية مشاكل صحية، ثم بدت عليها برودة في قدميها على نحو دائم، ونصح الأطباء بتعريضها لأشعة الشمس.
وبمرور الأيام ظهرت عليها أعراض غريبة لطفلة حديثة الولادة، بأن أصبحت قدماها بيضاء دلالة على عدم وجود أعصاب، وحين بلغت 6 أشهر لم تتمكن من الوقوف أو تحريك جسمها أثناء النوم.
أبلغ الأطباء أسرة رقية بأن حالتها عبارة عن “تأخر حركي”، ويجب الانتظار حتى عمر عام ونصف العام؛ لتتوصل الفحوص الطبية بعدها إلى إصابتها بمرض ضمور العضلات.
وفور معرفة الأسرة بالمرض النادر كانت الصدمة التي أصابتها كون العلاج هو الأغلى في العالم، فلجأت إلى مبادرة رئاسية انطلقت العام الماضي لعلاج ضمور العضلات.
ومن جديد، أصيبت أسرة رقية بصدمة أخرى، حين علمت أن المبادرة الرئاسية تشمل الأطفال تحت عمر 6 أشهر، بينما كان عمرها عاما ونصف العام، لتلجأ في النهاية إلى فتح حساب للتبرعات تحت إشراف وزارة التضامن الاجتماعي، التي ساعدت في إتمام الإجراءات، وفق تصريحات والدة رقية.
انهالت التبرعات بسرعة، وتخطت في أيام معدودات الرقم المطلوب وبلغت 45 مليون جنيه، ليتحقق حلم الحياة في علاج نسبة الشفاء منه 90%، حسب والدتها.
قصة رقية ألهمت أسر أطفال آخرين يعانون من المرض ذاته، للوصول عبر التبرعات والتكاتف الشعبي الكبير إلى الثمن الباهظ لعلاج المرض النادر.
علاج باهظ
ومرض ضمور العضلات الشوكي مجموعة من الأمراض التي تجعل العضلات أضعف وأقل مرونة بمرور الوقت، وينتج عن مشكلة في الجينات التي تتحكم في الطريقة التي يحافظ بها الجسم على صحة العضلات.
ويُصاب به طفل من بين 6 و10 آلاف طفل في العالم، في حين تزداد حالة معظم الأشخاص سوءا بمرور الوقت، وقد يفقد بعض الأشخاص القدرة على المشي أو التحدث.
ويوجد أكثر من 30 نوعا من ضمور العضلات، يختلف كل نوع بناء على الجينات التي تسببها، والعضلات التي يصيبها، والعمر الذي تظهر فيه الأعراض لأول مرة، ومدى سرعة تفاقم المرض.
وتظهر أعراض المرض في وقت مبكر، وغالبا قبل 18 شهرا بعد الولادة، وتشمل عدم القدرة على الركل أثناء الاستلقاء على الظهر، وعدم القدرة على الجلوس، ومشاكل في الأكل، مثل الاختناق أو صعوبة البلع والتنفس، وضعف العضلات وتقلصها، وصعوبة في النهوض أو الجري أو القفز أو المشي على أصابع القدمين.
وتعد حقنة “زولجينزما” أول علاج جيني لمرض ضمور العضلات الشوكي حصل على موافقة إدارة الغذاء والدواء الأميركية (FDA) عام 2019، وتم تخصيصه للأطفال الأقل من عامين، وتبلغ تكلفتها نحو 2.1 مليون دولار، أي ما يعادل 40 مليون جنيه، وفق تقارير طبية.
المصدر: aljazeera.net