من داء الرقص إلى حشرة يونيو… أغرب الأوبئة التي حدثت عبر التاريخ

إذا ما تم ذكر موضوع الأوبئة في مجلس يضم أفراد المجتمع اليوم، فإن الغالبية سيذكرون وباء كورونا.

والسبب في جهلهم يعود إلى التقدم العلمي اليوم ووقلة الأوبئة مجهولة الأسباب أو الاستطباب.

حيث شهدت البشرية منذ بدء الخليقة عددًا كبيرًا من الأوبئة التي منها ما كان عضويًّا مثل الطاعون، والكوليرا، والملاريا، وأودت بحياة الملايين في العالم.

ولكن على صعيد آخر، كانت هناك بعض الأوبئة التي لم يُعرف سببها على وجه التحديد، وظلت لغزًا غامضًا يحير العلماء.

ووضع العلماء تلك الحالات تحت تشخيص «وباء الهستيريا الجماعية»، وهي التي تحدث عند ملاحظة سلوك معين في مجموعة من الأشخاص غير مرتبط بمحفز بيئي معين، أو سبب محدد.

وفي السطور التالية، تتناول أبرز أوبئة الهيستيريا الجماعية التي انتشرت في المجتمعات على مر العصور.

1. طاعون الرقص القاتل: الذين رقصوا حتى الموت

في يوم من أيام شهر يوليو (تموز) عام 1518 في مدينة ستراسبورغ (حينها كانت تابعة للإمبراطورية الرومانية المقدسة فيما تتبع فرنسا حالياً)، ظهرت فجأة امرأة تدعى السيدة تروفيا في الشارع، وبدأت ترقص رقصًا جنونيًّا دون توقف، كأن روح بهلوان تلبستها أو مسها شيطان.

بدت السيدة تروفيا غير قادرة على التوقف عن الرقص، واستمرت حتى انهارت من الإرهاق، ثم عادت ترقص بعد استراحة قصيرة، وتابعت الرقص ليل نهار، دون أن يتمكن أحد من إيقافها.

سرعان ما انتشرت العدوى منها إلى أشخاص آخرين حتى وصل عدد الراقصين خلال أسبوع إلى أكثر من 30 شخصًا، يرقصون رقصًا جنونيًّا بلا توقف في حركات متشنجة ومتعبة، وملابسهم غارقة في العرق، ويبدون فاقدين للوعي.

استمر الأمر لنحو شهرين فقد خلالها أكثر من 400 شخص حياته، من الإرهاق، والنوبات القلبية، والسكتات الدماغية أو من الجوع والعطش، نتيجة المجهود الكبير المتواصل.

طاعون الرقص. المصدر: historyNet

سُميت تلك الحالة بـ«وباء الرقص» أو «الطاعون الراقص»، وسُجلت عديد من مظاهر الهوس بالرقص على مرِّ القرون، منها ما حدث في ألمانيا وهولندا وسويسرا، إلا أنها كانت أقل فتكًا من طاعون مدينة ستراسبورغ.

من أحدث مظاهر ذلك الهوس، ما يحدث في جزيرة مدغشقر من تقاليد يرقص فيها أهالي المتوفى مع جثة فقيدهم جزءًا من طقوس قديمة هناك تُسمى «فاماديهانا»؛ وفيها يجري إخراج جثث الأموات من الأضرحة، وتُلف بقماش ويُرقص بها في احتفالات صاخبة، اعتقادًا منهم بأن الموتى يشعرون بفرحة الحياة من جديد في هذه الاحتفالات.

2. وباء الضحك: جائحة تتسبب في إغلاق المدارس

عقب استقلالها عن بريطانيا الذي حصلت عليه بشق الأنفس عام 1961، اندلع في تنزانيا وباء غريب سُمي بـ«وباء الضحك»، حيث وجدت بعض الطالبات أنفسهن غير قادرات على التوقف عن الضحك؛ ربما بسبب مزحة ما، نتج منها تأثر المدرسة كلها بما يُعرف بـ«عدوى الضحك».

وحين جاء الآباء لأخذ بناتهم من المدرسة أصابتهم عدوى الضحك أيضًا، والتي انتشرت في البلاد حتى أصابت أكثر من 10 آلاف شخص، واضطرت عدة مدارس لأن تغلق أبوابها مؤقتًا.

لم يكن الضحك العرض الوحيد الذي صاحب هذه الجائحة، بل ظهر على الطلاب أيضًا حالات طفح جلدي، وإغماء، ومشكلات في الجهاز التنفسي، وكان التشخيص الرسمي هو «الهستيريا الجماعية».

وقد حاول العلماء إيجاد تفسير لهذه الظاهرة، وكان من بينهم الدكتور كريستيان هيمبلمان، الذي رجح أن يكون القلق المتزايد عند الشريحة الشابة في البلاد خلال تلك الفترة، خاصة بعد الاستقلال وآمال معلميهم وأولياء أمورهم المعقودة عليهم، قد سببت لهم الضغط النفسي، الذي ربما لم يجدوا سوى الضحك مخرجًا للتنفيس عنه، لكنه يظل تفسيرًا اجتهاديًّا ولا يعرف حتى الآن سبب أكيد لها.

3. وباء رعشة الكتابة: مهرب اللاوعي من فصول الكتابة المخيفة

في عام 1892 في مدينة جروس تينز البولندية، أصيبت يد إحدى تلميذات المدارس بالارتجاف، وأخذت تهتز اهتزازًا لا يمكن السيطرة عليه كلما حاولت الكتابة، وسرعان ما انتقلت الأعراض إلى أيادي طالبات أخريات.

هذا إلى جانب ظهور أعراض أخرى على بعض الفتيات، مثل فقدان الذاكرة، وتغيير الوعي.

وفي العام التالي، عانت بعض الطالبات في بازل بسويسرا من الأمر نفسه، حيث ظهرت عليهم اهتزازات معدية وتشنجات جعلت الطالبات غير قادرات على إكمال المهام الكتابية في المدرسة.

ومن الجدير بالذكر أن الأعراض كانت تهدأ بعد ساعات الدوام المدرسي، ولا تنتكس إلا عند العودة إلى أرض المدرسة.

وفي عام 1904، ظهر تفشٍّ مماثل في المدرسة ذاتها.

يفسر هذه الظاهرة الدكتور روبرت بارثولوميو، المحاضر الفخري في قسم الطب النفسي بجامعة أوكلاند، قائلًا: «كانت رعشة الكتابة الأخيرة في أوروبا في القرن التاسع عشر نتيجة مباشرة لطريقة تدريس جديدة، كانت تنظر إلى العقل على أنه عضلة تحتاج إلى تمرين.

وقد فرضت التدريبات المملة والمتكررة عبئًا جسديًّا على الطلاب».

ويضيف بارثولوميو: «كانت هذه طريقة اللاوعي للخروج من فصول الكتابة المخيفة».

وخلال تلك الفترة، كانت العديد من المدارس الأوروبية، وخاصة ألمانيا، وسويسرا، وفرنسا تفرض نظامًا من الانضباط الأكاديمي الصارم، يُعتقد أنه تسبب في تفشي الهستيريا الحركية التي شملت التشنجات، والتقلصات، والارتجاف، والضحك.

4. وباء «حشرة يونيو»: الحشرات بريئة مما يقولون

في يونيو (حزيران) عام 1962، ظهرت أعراض غريبة على 60 عاملة في مصنع نسيج بالولايات المتحدة الأمريكية، منها طفح جلدي، وغثيان، وشعور بالتنميل.

وسرعان ما أثارت القصة اهتمام وسائل الإعلام، التي أطلقت عليها اسم «طاعون حشرة يونيو»؛ نتيجة اعتقاد العاملات بوجود حشرة غريبة في غرفة النبات تسببت لهن بالمرض.

لكن عندما حققت السلطات الصحية وعلماء الحشرات الذين فحصوا الموقع في الأمر؛ لم يجدوا أي أثر للحشرات.

وبدا من الواضح أنه لا يوجد أساس واقعي لهذا «الوباء» المزعوم، وأن الحالة كانت واحدة من أشكال العدوى الهستيرية.

وحين أجرى علماء النفس مقابلات مع العمال المرضى؛ وجدوا أن أكثر من 90% منهم يعملون في الوردية نفسها، ومعظمهم يعملون لساعات إضافية.

واكتشفوا أيضًا أن 50 شخصًا منهم بدأوا في الإبلاغ عن أعراضهم فقط بعد أن شاهدوا التغطية الإعلامية لتفشي المرض.

ويُرجَّح أن الإجهاد، إلى جانب قوة الإيحاء، كانا الجناة المحتملين خلف هذه الظاهرة.

مع ذلك، فإن كثيرًا من أسباب اندلاع هذه الأوبئة يظل مجهولًا، وسط تكهنات ونظريات تحاول أن تجد لها تفسيرًا.

يقول بارثولوميو إن هذه الأنواع من الهستيريا الجماعية والفزع الاجتماعي هي مقاييس عصرها، التي تعكس مخاوفنا الجماعية، وتكشف الأسباب الكامنة وراءها عن مخاوف كل زمن.

ربما كان السبب الرئيسي وراء تلك الأوبئة انتشار مادة غذائية غير صحية في الأسواق، وربما كانت رخيصة الثمن!