منوعات

بقي وحيداً في الفضاء.. قصة “رجل الفضاء المنسي” الذي عاش أكبر عزلة بشرية في تاريخ البشرية

بقي وحيداً في الفضاء.. قصة “رجل الفضاء المنسي” الذي عاش أكبر عزلة بشرية في تاريخ البشرية

ابولو 11 أول رحلة مأهولة هبطت على سطح القمر، والتي ولدت من رحم صراع دولي لغـ.ـزو الفضاء والوصول إلى القمر.

وانتهت هذه الرحلة الى توحيد العالم بأسره ولو للحظة واحدة على الأقل ناقلة البشرية جمعاء إلى عصر جديد.

ففي السادس عشر من شهر تموز عام 1969م انطلقت المركبة الفضائيّة مع ثلاثة من رواد الفضاء وهم: نيل أرمسترونغ، وبوز ألدرين، ومايكل كولينز.

وتأتي أهمية هذه الرحلة في تمهيدها الطريق لنجاح الرحلات المستقبلية في الهبوط على سطح القمر، حيث استغرقت الرحلة 3 أيام.

وبالرغم من حدوث بعض المشاكل التقنية، إلّا أنّ الطاقم تغلّب عليها، وتكلّلت المهمّة بالنجاح.

فبعد هبوطها في العشرين من تمّوز نزل منها أرمسترونغ ليُصبح أوّل رائد فضاء يمشي على سطح القمر.

ثمّ انضمّ إليه آلدرين ليُصبح ثاني إنسانٍ تحطُّ قدماه على سطح القمر.

وبدأ الثنائيّ باكتشاف طبيعة السطح، بينما بقي كولينز الذي لقب برجل الفضاء المنسي في وحدة القيادة ليكون وسيلة اتّصال بين روّاد الفضاء الذين هبطوا والقاعدة الرئيسيّة على الأرض، ربما بسبب عدم هبوطه على القمر.

لم يحظَ كولينز بالأضواء مثل زملائه ،على الرغم من دوره الفعّال في المهمة، لكن تبقى الصورة الراسخة في أذهان الناس هي نيل أرمسترونغ وهو يقفز على سطح القمر قفزة الأرنب أثناء جمع العينات، يتبعه باز ألدرين بنفس القفزة.

سـ.ـلاح الجو الأمريكي.. بداية التحليق إلى فضاء ناسا

ولد “مايكل كولينز” في 31 أكتوبر/تشرين الأول 1930، واشترك مع زميليه في رحلة “أبولو11” في نفس سنة الميلاد.

وقد أبصر “كولينز” النور في إيطاليا، حيث كان والده يقيم في مهمة رسمية بصفته لواء في الجيـ.ـش الأمريكي وملحقاً بالسفارة الأمريكية لدى إيطاليا.

وبعد اندلاع الحـ.ـرب العالمـ.ـية الثانية عادت الأسرة إلى واشنطن، فالتحق الطفل “مايكل” بفصول الدراسة، وسرعان ما تقدم لإحدى الأكاديميات العسـ.ـكرية وقبل فيها.

وكله عزم على اقتفاء آثار والده في المجال العسـ.ـكري، وإن كانت الخدمة العسكرية قاسما مشتركا بين أفراد العائلة، حيث كان جل أعمامه وإخوته عسكريين أيضا.

شرع “كولينز” في التدرب على الطيران في العام 1952، وبفضل ما ظهر عليه من موهبة وتفوق فقد راح يتدرب على أكثر المهام تعقيدا وأهمية في سلاح الجو الأمريكي.

حيث كان يتولى مهمة اختبار المقاتلات النفاثة، ويتدرب على كيفية نقل الأسلحة النووية.

بدأت رحلته نحو الفضاء بالتحاقه بصفوف القوات الجوية للجيـ.ـش الأمريكي نهاية الخمسينيات، حيث اشتغل في صفوفها كطيار مقاتل تحت الاختبار في قاعدة إدواردز بكاليفورنيا، بين 1959-1963.

وهي الفترة التي قضى خلالها حوالي 4200 ساعة من الطيران، ليقع عليه اختيار وكالة الفضاء الأمريكية “ناسا”، ليصبح أحد أفراد طاقمها الذي سيقوم برحلة فضائية حملت اسم “جيميني 10″.

“ثلاثة شبان في مغامرة أسطورية”.. حلم “كينيدي” يتحقق

يعود قرار إرسال رحلة مأهولة إلى القمر إلى العام 1961، فقد قرر الرئيس الأمريكي “جون كينيدي” -في سياق الحرب الباردة والسباق الفضائي مع الاتحاد السوفياتي- إطلاق برنامج فضائي خاص يهدف إلى إيصال أول إنسان إلى سطح القمر.

وهو البرنامج الدي سينجح في تحقيق هذا الهدف بعد ثماني سنوات، وبكلفة تناهز 24 مليار دولار.

لم يكتب للرئيس “كينيدي” أن يشهد تحقيق هذا الحلم، لكن الرحلة “أبولو 11” انطلقت من مركز كينيدي للفضاء بجزيرة ميريت بولاية فلوريدا، في ظهر يوم 16 يوليو/تموز 1969.

وكانت المركبة الفضائية مكونة من ثلاثة أجزاء، وستتخلى عن الجزء الأول منها في محيط القمر بعدما استعمله الرائدان في الهبوط فوق سطح القمر والعودة منه.

بينما تخلت عن الجزء الثاني المخصص للطاقة والأكسجين والماء، ليعود الجزء الخاص بمركبة القيادة ومقصورة رواد الفضاء الثلاثة. وكان الصاروخ “ساتورن 5” وراء تأمين قوة الدفع اللازمة لانطلاق المركبة الفضائية في رحلتها التاريخية.

هؤلاء الثلاثة تركوا أقاربهم من أجل مغامرة غير محسوبة المخاطر، حتى إنهم لم يستطيعوا تأمين مستقبل عائلاتهم، إذ لم يكن بإمكانهم إبرام عقد تأمين يغطي أخطار الفضاء، وابتكروا فكرة الإمضاء على عدد كبير من البطاقات، لتبيعها عائلاتهم إذا لم يستطيعوا النجاة.

جانب القمر البعيد.. أكبر عزلة عاشها إنسان عبر التاريخ

كانت تجربة “أبولو 11” أول تجربة ناجحة لملامسة سطح القمر، بعد تجربتي “أبولو 8″ و”أبولو 10” اللتين اقتربتا منه بشكل كبير.

وبينما كان “مايكل كولينز” مطالبا بالاستمرار في قيادة المركبة الفضائية التي أمّنت رحلة “أبولو 11″، كان زميلاه “نيل أرمسترونغ” و”باز ألدرين” يركبان مركبة الهبوط الخاصة، وينزلان بها فوق سطح القمر، وذلك دقائق بعد الساعة الثامنة من مساء يوم 20 يوليو/تموز 1969.

وبعد نحو ست ساعات وأربعين دقيقة، كان “نيل أرمسترونغ” يطأ بقدميه سطح القمر، قبل أن يلتحق به زميله “ألدرين” بعد نحو 20 دقيقة، ليقضيا معاً زهاء ساعتين خارج مركبتهما الفضائية.

وهو ما تابعه العالم وقتها بانبهار كبير، دون أن ينتبه أحد إلى “مايكل كولينز” الذي ظل يحلق وحيداً في محيط القمر في انتظار عودة زميليه إلى المركبة “كولومبيا” التي ستؤمن عودة الفريق إلى الأرض ومعه نحو 21 كيلوغراما من الأتربة والصخور الملتقطة من سطح القمر.

وبين مغادرة رائدي الفضاء للمركبة “كولومبيا” إلى سطح القمر وعودتهما إليها، مر ما يناهز يوما كاملا قضاه “مايكل كولينز” في مدار القمر، وهو اليوم الذي يؤرخ لأكبر عزلة عاشها إنسان عبر التاريخ.

“يذكر أمتنا بأهمية التعاون في تحقيق الأهداف”.. دور الظل

48 دقيقة، كانت أطول فترة قضاها “كولينز” وسط ظلام دامس كان يعبره كلما انتقلت مركبته إلى الجانب الآخر من القمر.

حيث لا يرى ولا يسمع فيها أي شيء، كانت جميع اتصالاته مقطوعة، بينما اختفى نور الشمس في الجانب الآخر من القمر.

فجأة.. بدأ ينجلي له جناح المركبة الفضائية بفضل أشعة الشمس، كما كانت الأرض تشرق بالنسبة إليه حين يصل إلى موقع يسمح له برؤية انعكاس أشعة الشمس فوق سطحها، فيخلّد المشهد بصورة بديعة.

فيما بدا له القمر رماديا وخشنا وهو يطوف به عن قرب، وحين استعادت المركبة اتصالها بوكالة “ناسا”، سارع “كولينز” ليخبرها بأن “النسر هبط”.

بعد تأمينه للاتصال بين زميليه الموجودين وقتها فوق سطح القمر وبين الأرض، استمع “كولينز” إلى مكالمة الرئيس “نيكسون” وهو يهنئ رائدي الفضاء المستمتعين بخطوهما التاريخي فوق سطح القمر.

يقول الرئيس الأمريكي الحالي “جو بايدن” في كلمة تأبين لـ”مايكل كولينز”: ربما لم يحظ “كولينز” بمجد مماثل لما حصل عليه زميلاه، لكنه شريكهما على قدم المساواة، وهو يذكر أمتنا بأهمية التعاون في تحقيق الأهداف العظيمة.

لحظات الانتظار الرومانسية.. ساعات قاسية وأرقام قياسية

الصورة التي بقيت راسخة في أذهان الناس هي تلك اللقطات التي يظهر فيها “نيل أرمسترونغ” وهو يقفز فوق سطح القمر أثناء جمع العينات، يتبعه “باز ألدرين” بنفس القفزة.

قرابة 650 مليون شخص تابعوا تلك المشاهد عبر شاشات التلفزيون، إلى جانب “كولينز” الذي كان يراقب الوضع من مدار القمر ويستمتع بالمشاهد التي يراها و وصفها لاحقا بمنتهى الرومانسية.

حين سئل عن أصعب اللحظات التي عاشها خلال تلك الرحلة، قال إنها لحظة انتظاره عودة زميليه من سطح القمر والتحامهما من جديد بالمركبة قصد العودة إلى الأرض.

فقد كان يخشى أن يتعطل محرك المركبة الخاصة التي استعملها زميلاه في الهبوط إلى سطح القمر ثم مغادرته، وهو ما كان يعني تقطع السبل بهم في مكان يستحيل فيه إنقاذهما.

حققت تلك الرحلة مستوى قياسيا من الارتفاع في الفضاء، وحلقت بنجاح على ارتفاع يصل إلى 766 كيلومترا، وهو ما شكّل شهادة ميلاد لرائد فضاء سوف يقضي ما مجموعه 266 ساعة في الفضاء، قبل أن يتقاعد من وكالة “ناسا” عام 1970، ثم من سلاح الجو الأمريكي عام 1982 وهو برتبة لواء.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى