زراعة تدر أرباح خيالية.. دولة عربية تدخل على خط انتاج “الذهب الأحمر”
بزهرة بنفسجية ساحرة تنمو نبتة صغيرة تقف خلفها زراعة معقدة في تونس تتطلب صبراً وحكمة، تفضل التربة الرملية وتغرس على عمق 30 سنتيمتراً، ويجب حمايتها من النباتات الطفيلية، إذ تزهر في نوفمبر (تشرين الثاني) من كل سنة، ويتم قطفها قبل بزوغ الشمس، وتوضع في سلال من السعف… هنا عالم زهرة الزعفران أو ما يسمى بـ”الذهب الأحمر”.
زراعة تدر أرباح خيالية.. دولة عربية تدخل على خط انتاج “الذهب الأحمر”
اشتهرت زراعة الزعفران في المغرب وإيران واليونان، إلا أنها لم تعد حكراً على دول بعينها، وخلال السنوات الأخيرة عرفت تونس تجارب فريدة من نوعها في زراعتها، ودخلت إلى مدونة الفلاحة التونسية، وهي من أغلى التوابل، وكانت التجارب الأولى في منطقة “هبيرة” في المهدية، و”السند” في قفصة، و”سيدي ثابت” في أريانة.
صبر ودقة
عن خصوصيات هذه النبتة الفريدة وبدايات التجربة وآفاقها في تونس، تحدث قيس الناصري، مزارع في منطقة “السند” من محافظة قفصة (وسط)، بقوله “إن الفكرة كانت صدفة، بعد سفر شقيقي إلى المغرب، وتعرفه هناك إلى بعض الفلاحين المغاربة الذي يزرعون الزعفران فتواصلت مع بعضهم، وأرسلوا إليَّ كمية من البذور (البصيلات)، ومن ثمة انطلقت في المشروع عام 2014، بسبعة كيلوغرامات من البصيلات”.
وأضاف “اليوم أزرع ما يعادل هكتاراً ونصف الهكتار من الزعفران”، لافتاً إلى أنه “يواجه صعوبة في توفير الماء في انتظار حصوله على ترخيص لحفر بئر عميقة لري الزعفران وتوسيعه المساحات المزروعة”.
ويشغل قيس عدداً من مواطنيه وخصوصاً النساء في موسم الجني خلال نوفمبر من كل سنة، إذ يعتبر نفسه من الأوائل الذين أدخلوا هذه الزراعة إلى تونس، مشيراً إلى أن “لديه حرفاء من فرنسا وسويسرا يحبذون المنتجات البيولوجية والمطابقة للمعايير الدولية المعمول بها في الفلاحة البيولوجية”.
ومضى في حديثه “تسويق الزعفران في تونس يواجه صعوبات لأنه لا يوجد في الثقافة الاستهلاكية المحلية على رغم قيمته الغذائية”، مضيفاً أن “عملية البذر تبدأ في سبتمبر (أيلول) وأكتوبر (تشرين الأول) ويكون جني أزهار الزعفران في أواخر نوفمبر، وطريقة الجني حساسة جداً إذ تكون في الصباح الباكر وتتطلب صبراً كبيراً وعناية ودقة فائقتين حتى لا تتلف الزهور التي تحمل شعيرات الزعفران، التي يجب نزعها في أسرع وقت من الزهرة حتى لا يتغير لونها وتفقد قيمتها”.
مردودية عالية
وحول سعر ومردودية نبتة الزعفران، قال قيس الناصري “الهكتار يوفر نحو خمسة كيلوغرامات من الزعفران، وسعر الغرام الواحد يبلغ 30 ديناراً تونسياً (10 دولارات)، بينما يصل سعر الكيلوغرام إلى 30 ألف دينار (10 آلاف دولار)، إضافة إلى ما يجنيه من بيع البصيلات كمشاتل لمن يريد تجربة زراعة الزعفران”، مشدداً على أن “هناك مردودية عالية لهذه الزراعة التي تتطلب جهداً وصبراً”.
وتابع “النبتة الواحدة تعطي ما بين خمسة و20 زهرة، ونحو 176 وردة تنتج غراماً من الشعيرات، و176 ألف زهرة تنتج كيلوغراماً من شعيرات الزعفران”.
ويرى الناصري أن “الزعفران يمكن استغلاله في الغذاء على رغم أنه ليس من العادات الغذائية التونسية، وفي التجميل وإعداد العطور”.
وتتلاءم زراعة الزعفران مع الأراضي الرملية في المناطق المرتفعة ولا يتطلب كثيراً من المياه، وتمت تجربة زراعته بنجاح في عدد من مناطق تونسية مختلفة.
مطالب بتغيير الفلاحة
من جهته يرى أستاذ التصرف في الموارد حسن الرحيلي أنه “آن الأوان أن تتغير الفلاحة التونسية لتتماشى والمتغيرات المناخية الحاصلة خلال السنوات الأخيرة، كشح المياه والتعرية والانجراف وتداعيات التصحر”.
وقال الرحيلي في حديثه لـ”اندبندنت عربية” إن “زراعة الزعفران في تونس تجربة رائدة، داعياً وزارة الفلاحة إلى التشجيع على الإقبال عليها بما أن التجربة أثبتت نجاحها وأن تفتح أسواقاً جديدة للتصدير”.
ودعا إلى “ضرورة التخلص من العقلية الفلاحية السائدة القائمة على زراعات شتوية وأخرى صيفية متشابهة من شمال تونس إلى جنوبها”، معتبراً أن “الشروط الموضوعية لإنتاج مادة الزعفران متوفرة في تونس، وعلى الدولة أن تتحمل مسؤولياتها في تشجيع هؤلاء المستثمرين المبادرين من خلال البحث عن أسواق للتصدير والتشجيع على الاستهلاك المحلي للزعفران”.
وذكر أن على الدولة أن “تشرف وتنظم أي إدخال لنمط زراعي جديد، وأن تساند وتوجه الفلاحين إلى المنتجات الأقل استنزافاً للموارد المائية والأكثر مردودية، علاوة على فوائده الصحية”.
فوائد صحية
ويستخدم الزعفران كمضاد للتشنجات وانتفاخ البطن باعتباره دواءً عشبياً، ومن بين فوائده احتواؤه على مضادات الأكسدة القوية، ويقدم للجسم عديداً من الفوائد الصحية، كما يحمي الخلايا من التأثيرات الضارة ويعمل مكملاً غذائياً، ويساعد في تقليل الشهية والرغبة في تناول الوجبات الخفيفة، ومن ثم يعتبر مناسباً لإنقاص الوزن وتحسين الحالة المزاجية”.
و”الذهب الأحمر” من أغلى أنواع التوابل في العالم، ويقدر الإنتاج العالمي بـ120 طناً سنوياً، وأول دولة منتجة هي إيران بـ80 طناً، ثم الهند بـ20 طناً، واليونان بستة أطنان، والمغرب بطنين اثنين ثم إسبانيا وإيطاليا بطن واحد لكل منهما، وفرنسا بنحو 100 كلغ.