منوعات

أسرار الخيمياء.. ما لا تعرفه عن صناعة إكسير الخلود وتحويل المعادن إلى ذهب

أسرار الخيمياء.. ما لا تعرفه عن صناعة إكسير الخلود وتحويل المعادن إلى ذهب

ضمن عملية بحث واسعة لمجموعة من الكتب مما خلّفه الإرث الكيميائي القديم، استطاع أحد الباحثين العثور على مخطوطة منسيّة ظلت لأكثر من 3 قرون بعيدة عن الأنظار. عملٌ يوزن بماء الذهب لما يحمله من أسرار وخبايا العلوم القديمة المندثرة.

إنها مخطوطة تنسب إلى الموسوعة والعالم الإنجليزي “إسحاق نيوتن” من القرن السادس عشر، الرجل الذي اشتهر بتفوقه الكبير في علم الرياضيات، وبقوانين الحركة في الفيزياء الكلاسيكية، كما اشتهر بولعه بالخيمياء ومحاولاته الحثيثة لإيجاد الوصفة السحرية للوصول إلى “حجر الفلاسفة”، وهي الخلطة التي من شأنها أن تحوّل أي معدن غير قيّم مثل الرصاص إلى أغلى المعادن مثل الذهب.

ونظرا لحرصه الكبير في التستر على أعماله في الخيمياء وخوفه من الإفصاح عنها لسبب ما، فإنه بقي محتفظا بجلّ أعماله في هذا الميدان، ولم ينشر إلا ما ندر، وظلّ الجزء الأكبر منها طي النسيان والكتمان.

ومن حسن الحظ أن العثور على هذه المخطوطة عزز فهمنا لبعض التصورات التي كان يحملها “نيوتن”، وكانت مستقاة من زميله الكيميائي البريطاني الشهير “روبرت بويل”، الذي آمن هو الآخر بمعجزات الخيمياء وقدرتها على فعل المستحيل في عالِم تحكمه قوانين فيزيائية محكمة.1

فن الخيمياء.. طقوس وشعوذات تجعل المعدن الرخيص ذهبا

كان يُنظر إلى الخيمياء على أنها أحد فروع العلوم الطبيعية التي سادت أوروبا وآسيا وشمال أفريقيا لأكثر من ألفي عام، قبل أن تُدرج ضمن قائمة العلوم الزائفة بسبب ممارساتها التي يكتنفها الغموض والسرية، وبسبب ما احتوت عليه من طقوس دينية وشعوذات وإسقاطات نجمية لوهم منشود، وهو تحويل الفلزات الرخيصة إلى فلزات ثمينة كالذهب والفضة اللذين يُعدان أبهظ المعادن ثمنا وفقا للاعتقادات القديمة.

إلى جانب كونه فيزيائيا عتيدا، فقد اشتغل إسحاق نيوتن كذلك في الخيمياء

وفي ظل سعي الخيميائيين نحو هذا الهدف المستحيل، استوقفتهم محطات عدّة وتأملات كثيرة في محاولة تطويع أدوات أخرى من شأنها تعزيز حظوظهم في الحياة؛ كمحاولة العثور على ما يُعرف بإكسير الحياة أو إكسير الخلود، وهو مشروب أسطوري يمنح شاربه حياة أبدية لا فناء لها، فيعيد لصاحبه الشباب بعد المشيب. ومشروب آخر قادر على شفاء المعتل والمريض، فيمنحه الصحة والعافية، وعقاقير أخرى يستحيل وجودها.

ويرى البعض بأن الخيمياء كانت تسيطر عليها طقوس روحية معقدة باحثة في تفسير ماهية الوجود، لا سيما المعادن التي تشكّل الجزء المادي والفيزيائي حولنا، فالمعادن ليست جامدة بل تملؤها الحياة في نظر الخيمياء، والمعادن الرخيصة وشائعة الوجود مثل الرصاص يُعبّر عنها بأنها صورة غير ناضجة روحيا وماديا لمثيلتها من المعادن الأعلى كالذهب. وبهذا التفسير يُرى بأن المعادن ليست عناصر مميزة مختلفة عن بعضها، بل لها أطوار نموّ متشابهة، وكلّ معدن يقبع في مرحلة ما.2

إكسير الحياة، سائل وهمي يعيد الشيوخ شبابا، والعجائز فتيات

فالخيمياء في جوهرها ليست إلا معتقدات باطلة وغايات محالة وتجارب تجمع بين الشعوذة الكاذبة والمعرفة العلمية الصحيحة المتعلقة في علم الكيمياء. ويطلق لفظ “خيميائي” على من يمارس هذا العمل أو من يمتهنه إن صح التعبير.

خيمياء الفراعنة.. مهارة عالية في إنتاج المعادن

تقترن الخيمياء بالكيمياء وعلم المعادن في مواضع عدة، منطلقين من ذات القاعدة والأساس؛ وهو الاهتمام بالعناصر الكيميائية ودراستها عن كثب بالتجربة والفحص، وقد أثبتت السجلات التاريخية بأنّ الوعي والإدراك المعرفي عند الحضارات الغابرة قد تجاوزا توقعاتنا وتصوراتنا، فتلك الحضارات قد قامت على تحصيلات علمية ومعرفية تكونت بفضل اهتمامهم الحقيقي في التعامل مع المعادن لتلبية احتياجاتهم، على الرغم من أنّ معرفتهم المكتسبة لم تكن تتبع منهجا علميا حقيقيا، وإنما كانت نزوات وطفرات علمية مبنية على الصدفة البحتة، أو على التجربة والخطأ، أو ضمن سياق بحثهم عن الموارد والثروات.

الخيمياء هي “العلم” الذي يعمل على تحويل العناصر الرخيصة كالرصاص إلى عناصر ثمينة كالذهب

فكان على ذلك النحو أن تشكلت علاقة وطيدة بين الإنسان والمعادن من حوله، ومنذ آلاف السنوات كان الفراعنة على مهارة عالية في التعامل مع المعادن الباهظة كالذهب، فضلا عن طرقهم المبتكرة في استخراجه. كما أنهم كانوا قادرين على إنتاج البرونز باستخدام خليط القصدير والنحاس بمقادير ونسب متقنة، وخلافا للتوقعات، فقد كان الفراعنة على مقدرة على التعامل مع الحديد، فقد لوحظ بأنّ الخنجر الذي عُثِر عليه ضمن مقتنيات الفرعون المصري “توت عنخ آمون” كان مصنوعا من الحديد، وهي فترة تسبق ظهور العصر الحديدي بـ150 سنة.3

كما أنّ خبرة المصريين القدامى في صناعة زجاج الصودا والجير بأشكال معقدة وألوان مختلفة يُعد دليلا آخر على مدى التفوق المعرفي الذي كان حاضرا، هذا بالإضافة إلى التنقيبات التي كشفت عن التحف الفنية المصنوعة من الزجاج الرصاصي عالي الجودة، وهو مستوى متقدم للغاية في التعامل مع الزجاج.

معرفة المصريين القدامي بصناعة زجاج الصودا والجير بأشكال معقدة وألوان مختلفة دليل على مدى التفوق المعرفي لديهم

وأما في بلاد الإغريق، فقد وضع المعلم الأول أرسطوطاليس مفهوما جديدا للتعامل مع المادة والمعادن، فذهب إلى ما يُعرف بنظرية العناصر الأربعة التقليدية، إذ كانت بمثابة حجر الزاوية الذي بُنيت عليه مجالات المعرفة الكلاسيكية مثل الفلسفة والطب والخيمياء كذلك. ولا تكتفي هذه النظرية بتعريف ماهية المركبات والمعادن فحسب، بل إنّها تشرح طبيعة التفاعلات بين مختلف المواد وآلية حدوث ذلك.

سيد المعادن.. أعلى درجات التطور في الطبيعة

كان التصوّر يدور حول أربعة عناصر أساسية قادرة على تشكيل أيّ شيء في الوجود، وهي النار، والهواء، والماء، والتراب. وكلٌّ له دلالته الخاصة وخصائصه، وتتفاوت نسب وجود كل عنصر في المادة أو المعدن، ولهذا الاختلاف في النسب يُعزى وجود الوفرة والتنوّع الحاصل.

وكان تجريد الكون وكلّ ما فيه إلى 4 عناصر مستمدا من الدراسات والتجارب التي صاغها اليونانيون القدامى، فقد نسبوا إلى كلّ عنصر صفتين سائدتين من أصل 4 صفات، وهي الجفاف والبلل والحرارة والبرودة. ولو تمعنّا في عنصر النار، فإننا سنجده جافا وحارا، وعلى النقيض فعنصر الماء في طبيعته مبلل وبارد، على حد تعبيرهم، وأما الهواء فهو مبلل وساخن، والتراب جاف وبارد.4

النار والهواء والماء والتراب، هي عناصر الطبيعة التي يتشكل منها كل شيء بحسب الفرضيات الإغريقية

ويشير المؤرخ الأسترالي “نيفل دروري” إلى أنّ الرابط بين نظرية العناصر الأربعة والخيمياء هو العلاقة التي تجمع بين الإنسان والمعادن، فيقول إنّ الفلاسفة والخيميائيين لا يرون جميع المعادن متساوية أو مثالية، فالذهب يرمز لأعلى درجات التطور في الطبيعة، ويجسّد للإنسان معنى الإحياء والتجديد، والإنسان “الذهبي” دوما ما يكون متألقا بالجمال الروحي منتصرا على قوى الشر الكامنة حوله. وعكسه الرصاص، فهو أبخس المعادن، ويجسد الفرد المذنب غير التائب الذي انتصرت عليه قوى الظلام وتمكنت منه.

ويقول “دروري”: إذا كان الرصاص والذهب -بمفهوم فلاسفة الإغريق- يتكونان من النار والهواء والماء والتراب، فمن المؤكد أنه من خلال تغيير نسب العناصر المكونة، يمكن تحويل الرصاص إلى ذهب. والسبب الذي يكمن وراء كون الذهب متفوقا على الرصاص، هو طبيعته التي تحتوي على التوازن المثالي بين العناصر الأربعة جميعها.5

خيمياء المسلمين.. علاج الأمراض وصناعة إكسير الحياة

لقد شكّلت المفاهيم السابقة في علم المعادن والكيمياء والخيمياء قاعدة انطلق منها العلماء المسلمون والعرب، فلم يكتفوا باستقصاء العلوم وترجمتها من الحضارات الأخرى، بل زادوا عليها وساهموا في تنميتها وتنقيحها واستفاضتها، فضلا عن حفظها من الضياع. والكتب الكثيرة المترجمة من العربية إلى اللاتينية تعد شاهدا على مدى الإسهامات الكبيرة في مضامير هذه العلوم.

إلى جانب مساهماته الكثيرة في الكيمياء، فإن لجابر بن حيان باعا طويلا في الخيمياء

ومما يذكره المؤرخون أنّ خالد بن يزيد بن معاوية كان من أوائل من عملوا في الخيمياء، وقد احترفها بسبب ولعه الشديد بقراءة ترجمات النصوص اليونانية والسريانية ذات الصلة بعلم الكيمياء. وتذكر بعض الأساطير أنه قد تتلمذ على راهب مسيحي يُدعى ماريونس الإسكندري، لكن ما من مصادر تؤكد هذه المعلومة.6

وبعيدا عن إسهامات العالم الفذ جابر بن حيان في الكيمياء، فإن له باعا طويلا كذلك في الخيمياء، وله أقوال ونظريات كنظرية الكبريت والزئبق للمعادن، وفيها يشير إلى أنّ جميع العناصر تتكوّن بالضرورة من هذين العنصرين، الكبريت والزئبق، بنسب متفاوتة، ومزيجهما يصقل الخصائص الكيميائية والفيزيائية لكل معدن. وهذه النظرية تبدو إسقاطا مباشرا لنظرية العناصر الأربعة الإغريقية، إذ يرى ابن حيان بأنّ الكبريت مسؤول عن السمات الساخنة والجافة، في حين يُعد الزئبق مسؤولا عن السمات الباردة والرطبة في المواد.

الزئبق الأحمر خرافة بنى عليها أصحاب إكسير الحياة فرضياتهم

كما أن ابن حيان تحدث عن الأكاسير في كتابه الشهير “كتاب الرسائل السبعين”، وحينها رأى بأن تعريض المواد للحرارة من شأنه تفتيت المادة أو تحليلها إلى أجزاء تحمل صفات كيميائية مختلفة عن مصدرها الأساسي. وهذا لا ينطبق فقط على السوائل فحسب، بل حتى على المعادن التي رأى أنّ ثمة وسيلة إلى فصل مكوناتها الأساسية عن طريق تعريضها للحرارة، ومن هنا ظهرت أولى عمليات التقطير، وهي سابقة تاريخية في علم الكيمياء.

لم ير ابن حيان أنّ الغاية هو الوصول إلى الإكسير بمفهومه الكلاسيكي، بل كان يرى بأنّ مزج العناصر والمعادن، والوصول إلى مركبات كيميائية صحيحة؛ من شأنه علاج عدد من الأمراض بما يتناسب مع الحالة المرضية. وهذا ما يفسّر اهتمامه بتركيب الجرعات والعقاقير والخلطات الخاصة لغرض العلاج.

وكذا الحال بالنسبة للفيلسوف والطبيب محمد بن زكريا الرازي الذي كان له تأثير كبير في الخيمياء، فقد أضاف على النظرية السالِفة عنصرا جديدا، وهو الملح، ليكوّن ما عُرِف لاحقا في العصور الوسطى في أوروبا بالثالوث الخيميائي، الكبريت والزئبق والملح.7

جزء من مجموعة كتب وضعها جابر بن حيان كرسائل في الكيمياء والخيمياء وإكسير الحياة

وكانت للرازي إسهامات أخرى في وصف المعادن، إذ قال إنها تتكون من عناصر غير مرئية (ذرات) ومن فراغ يقع بينها، وهذه الذرات دقيقة للغاية ولها أحجام. وهذا الوصف يشبه إلى حد كبير النظريات الفيزيائية الحديثة القائلة عن مفهوم الذرة وتركيب العنصر.8

ومع مضي الوقت، ومع تطور علم الكيمياء التجريبي في العالم الإسلامي القديم، ظهرت صدوع شديدة بين الكيميائي والخيميائي، فلم يرق لكليهما مزاولة العمل مع الآخر، بسبب المبادئ العلمية التي يستند عليها كل منهما ولعدم توافقهما الصارخ. فانتقلت الخيمياء رويدا رويدا إلى أوروبا، وطُرق باب الحالمين بحجر الفلاسفة وترهات عقاقير الخلود، فلقيت هناك من يحتضنها من العلماء البارزين إلى حين من الزمن، ثم اندثرت مجددا مع صحوة علمية جديدة.

وتذكر بعض السجلات أن آخر من عمل في الخيمياء كان في القرن الثامن عشر، بعدها أدرك الجميع بأنّ تلك الأماني لم تكن سوى أضغاث أحلام في عالم تحكمه قوانين فيزيائية محكمة.

المصدر: aljazeera.net

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى