منوعات

أصبح الخشب خياراً شائعاً في السنوات الأخيرة ..فهل تشكل الأبنية الخشبية مستقبل الهياكل المقاومة للزلازل؟

يقوم العلماء والباحثون بدراسة وتحليل المعلومات حول طبقات الكرة الأرضية بهدف فهم الزلازل والهزات الشديدة.

وقد تم وضع أداة رئيسة لفهم الزلازل من قبل جامعة كاليفورنيا في سان دييغو، تنص على: قاعدة فولاذية بطول 12 متراً وعرض 7 أمتار تستخدم نظاماً هيدروليكياً لمحاكاة الحركات الزلزالية.

وتعد من أكبر الطاولات الاهتزازية في العالم، تلك الطاولة الاهتزازية التي يمكن أن تحرك كل ما هو موجود فوقها.

وقد استُخدمت لاختبار أكثر من 30 مبنىً منذ افتتاحها في عام 2004، وقد أسهمت نتائج هذه التجارب في إجراء تعديلات على قوانين البناء والطرق.

لكن على مدى 9 أشهر مضت، استقرت الطاولة في وضع ثابت، تمهيداً لإجراء تجربة فريدة؛ وهي تشييد مبنىً خشبي مصمم خصيصاً من 10 طوابق، وهو أعلى بناء سيخضع لاختبار القدرة على تحمل زلزال شديد القوة.

هل تصمد المباني الخشبية أمام الاهتزازات القوية؟

وفقاً للباحث الرئيس شيلينغ بي (Shiling Pei)، فإن الهدف من المشروع المسمّى “تول وود” (TallWood) هو إثبات أن المباني الخشبية يمكن أن تصمد أمام الاهتزازات القوية دون أن تفقد سلامتها الهيكلية.

أصبح الخشب خياراً شائعاً في السنوات الأخيرة بوصفه مادة بناء أكثر استدامة وأقل بصمة كربونية من الخرسانة أو الصلب.

يقول بي: “بالإضافة إلى ذلك، فإن مرونة الهياكل الخشبية تجعلها مناسبة لمقاومة الزلازل؛ إذ تتميز بالقدرة على الانحناء دون الكسر تماماً مثل أغصان الأشجار”.

وعلى الرغم من أن السنوات التي أمضاها في البحث والنمذجة تسمح له بتأييد مثل هذه المباني بثقة، فإنه يتطلّع إلى إثبات قوة التصميمات الخشبية أمام جمهور أوسع في بيئة حقيقية.

يقول بي: “هذا دليل على أنه من خلال استخدام التكنولوجيا الحالية، يمكننا تشييد مبنىً مكوّن من 10 طوابق يقاوم الزلازل ولا يتعرض لأضرار كبيرة أو انهيارات بعدها. خطتنا هي أن نعرّض المبنى لنحو 40 زلزالاً افتراضياً، ومن المتوقع أن يظل المبنى سليماً من الناحية الهيكلية بعد كل زلزال”.

على الأقل، هذا ما نأمل بتحقيقه.

يعمل بي أستاذاً للهندسة المدنية والبيئية في كلية كولورادو للمناجم، وهو متخصص في أنظمة استخدام الأخشاب في البناء وتخفيف المخاطر من خلال الهندسة؛ ما يجعله مؤهلاً مميزاً للعمل على هذا المشروع؛ لكنه مجرد عضو في فريق كبير متعدد التخصصات يعمل في هذا المشروع منذ عام 2016 كجزء من برنامج البنية التحتية لأبحاث هندسة المخاطر الطبيعية (NHERI) التابع لمؤسسة العلوم الوطنية.

يضم الفريق خبراء من 6 جامعات، وأكثر من 24 شريكاً صناعياً، ودائرة خدمة الغابات بالولايات المتحدة، وهيئات حكومية أخرى.

اختبر أعضاء هذا الفريق نظرياتهم المتعلقة باستخدام الأخشاب في مواجهة الزلازل لأول مرة في عام 2017، مبنىً خشبياً مكوَّناً من طابقين لاختباره على طاولة الاهتزاز.

يقول بي: “كان هذا المبنى قادراً على تحمل نحو 30 زلزالاً ولم يتضرر، وكان من بين تلك الهزات ما يشبه زلزال نورثريدج الذي ضرب ولاية كاليفورنيا منذ نحو 3 عقود، وبلغت شدّته 6,7 درجات على مقياس ريختر”.

مشروع تول وود

يعتمد مشروع تول وود المكوّن من 10 طوابق على هذا البحث، ليس فقط من ناحية الارتفاع ولكن أيضاً من ناحية التصميم.

يعتمد المشروع في الأساس على نظام خشبي ضخم؛ ما يعني أنه يتكون من طبقات من الخشب الملصق بعضها ببعض لتشكيل ألواح صلبة يمكن تجميعها بالشكل المطلوب؛ مثل عملية تجميع قطع الأثاث التي تتبعها شركة إيكيا (IKEA).

على الرغم من أن الهدف من بناء هذا النموذج هو اختباره على طاولة الاهتزاز؛ لكننا نأمل في استخدام هذا التصميم وتطبيقه في الواقع إذا كانت النتائج إيجابية.

العنصر الرئيس في تصميم المشروع المتكيف مع الزلازل هو ما يُسمَّى “الجدران المتأرجحة” التي صُممت بطريقة تسمح بحركتها وتأرجحها في حالة وقوع زلزال.

بدلاً من تثبيت الجدران بقوة على أساس عوارض القاعدة الفولاذية الموجودة في الأسفل التي تشكل الدعم الأرضي لطاولة الاهتزاز، توضع في الأعلى وتثبَّت في مكانها باستخدام قضبان فولاذية تمتد على طول البناء بأكمله.

تعمل هذه القضبان مثل الأربطة المطاطية التي تثبت الجدران في مكانها، وفي الوقت نفسه توفر لها بعض المرونة للحركة.

لذلك؛ إذا حدث زلزال، فإن الجدران المتأرجحة ستهتز وترتفع عن الأساس لكن القضبان الفولاذية ستمنعها من الانحراف عن مكانها كثيراً.

يهدف التصميم إلى تجنُّب الأضرار الهيكلية التي تحدث بعد الزلازل والتي قد تؤدي إلى انهيار المباني أو تعريضها لأضرار جسيمة لا يمكن إصلاحها بسهولة.

تساعد الميزات الأخرى مثل الأعمدة والألواح القابلة للانحناء أيضاً على تخفيف الضغط الناتج من الزلزال، بينما يساعد الفولاذ المسلّح على تقليل الأضرار الهيكلية.

في مقابلة إذاعية أجراها برنامج “البنية التحتية لأبحاث هندسة المخاطر الطبيعية” (NHERI)، وصف أستاذ الهندسة المدنية في جامعة واشنطن والباحث الرئيس المشارك، جيفري بيرمان (Jeffrey Berman) التصميم العام بأنه نظام هيكلي متين لأنه يمكن أن يستوعب قدراً كبيراً من الحركة.

وقد جُهز مبنى تول وود أيضاً بميزات غير هيكلية (داخلية وخدمية) مثل الأبواب والنوافذ والسلالم والأسقف والجدران الإضافية.

تقول مهندسة الزلازل في جامعة نيفادا رينو (University of Nevada Reno) والباحثة الرئيسة المشاركة في المشروع، كيري رايان (Keri Ryan) في مقابلة إذاعية أخرى أجراها برنامج “البنية التحتية لأبحاث هندسة المخاطر الطبيعية”: يُعد تضمين المكونات الهيكلية وغير الهيكلية جميعها في الدراسة أمراً مهماً للحصول على صورة أوضح لكيفية استجابة المباني الخشبية الحقيقية للضغوط الناجمة عن الزلازل.

أهمية الأجزاء غير الهيكلية من المباني في مقاومة الزلازل

تقول رايان: “كان مجتمع هندسة الزلازل في الماضي يركز بشكل أساسي على تصميم العناصر الهيكلية للمباني لتحمل الزلازل؛ ولكن بعد وقوع زلازل مثل زلزال نورثريدج وغيره، تبين أن الأضرار تركزت بشكل كبير على الأجزاء غير الهيكلية من المبنى”.

نأمل أن يكشف المشروع عن قدرة المباني الخشبية الكبيرة على مقاومة الزلازل، وربما يكون أداؤها أفضل من الأبنية المصنوعة من الخرسانة والطوب والصلب، وفي الوقت نفسه تكون أفضل بشكل عام للبيئة.

على الرغم من الانتهاء من تشييد مبنى تول وود في وقت سابق من هذا العام، لا يزال الفريق يضع اللمسات النهائية، ويشمل ذلك تركيب أكثر من 700 مستشعراً لتسجيل البيانات مثل انحراف المبنى والتسارع (تغير سرعة حركة المبنى بالنسبة لزمن الزلزال، وذلك لتحديد شدة الزلزال التي يمكن أن يتحملها المبنى).

بالإضافة إلى تثبيت عشرات الكاميرات لرصد سلوك المبنى من زوايا مختلفة، لأنه بالطبع سيكون فارغاً في أثناء محاكاة الهزات الزلزالية.

الخطوة الأخيرة قبل بدء اختبار تول وود هي إجراء اختبارات أصغر على طاولة الاهتزاز للتأكد من أن النظام الذي يعمل بالطاقة الهيدروليكية، يعمل بشكل صحيح بعد شهور من الراحة.

بمجرد بدء اهتزاز الطاولة الرسمي في وقت لاحق من هذا الربيع، ستقارن المئات من البيانات والنتائج التجريبية بنماذج فريق البحث المسبقة لمعرفة مدى تطابقها وضرورة إجراء أي تعديلات.

يقول بي: “يأمل فريق مشروع تول وود في إمكانية استخدام هذا التصميم كنموذج لتصميم أبنية أخرى وتحديث قوانين البناء في المستقبل، إذا سارت الأمور كما هو متوقع وظلت المكونات الهيكلية للمبنى سليمة”.

في النهاية، ستُنشر البيانات كافةً في قاعدة بيانات متاحة للجمهور؛ ما سيسمح للباحثين الآخرين بالاستفادة من البيانات واستخدامها في تطوير نماذجهم الخاصة وإجراء تجاربهم.

هل أعجبك مشروع تول وود القادم؟ نهتم بمعرفة رأيك في قسم التعليقات.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى