كثيراً ما وردت في أفلام وروايات الخيال العلمي، العديد من الأفكار التي تفيد في توليد الطاقة.
حيث قام الإنسان باستغلال حركة المياه والرياح لذلك الشأن، ومازالت أبحاثه مستمرة لإيجاد المزيد من المصادر لإنتاج الطاقة.
وفي العصر الحديث، عادت أنظمة الطاقة المولّدة من توربينات الرياح والطاقة المائية لتحقق نمواً سريعاً وباتت قادرة على منافسة المصادر التقليدية من ناحية التكلفة والأداء.
لكن مجموعة من العلماء يسعون حالياً لاستغلال هذين النوعين من مصادر الطاقة على مقياس أصغر كثيراً مما نعرفه حالياً.
تحويل حركة الأوراق إلى كهرباء
أثبت فريق بحثي من المعهد الإيطالي للتكنولوجيا (IIT) في مدينة جنوة، أن أوراق النبات المقترنة بأوراق اصطناعية من مواد مختارة ومصممة على نحو معين يمكن أن تحوّل ارتعاش الأوراق التي تحركها الرياح إلى كهرباء، كما يمكن تحويل الطاقة الحركية لقطرات المطر التي تضرب السطح العلوي للورقة الاصطناعية إلى طاقة كهربائية.
أعلن الباحثون في دراسة نُشرت في نهاية شهر فبراير/ شباط الماضي، في دورية رسائل الروبوتات والأتمتة (Robotics and Automation Letters) التي تصدر عن معهد مهندسي الكهرباء والإلكترونيات (IEEE)، أنهم قاموا بتطوير نظام لجمع الطاقة يمكن دمجه داخل النباتات لتوليد الكهرباء من قطرات المطر أو الرياح.
وسواء في الأحوال الجوية الممطرة أو العاصفة، يمكن للجهاز توليد كهرباء كافية لإضاءة عدة مصابيح ليد (LED) وتشغيل نفسه ذاتياً.
يتكون الجهاز الجديد من ورقة مصنوعة باستخدام مواد ناعمة وشفافة متعددة الطبقات، تغطيها طبقة من المطاط السيليكوني على طول الجزء السفلي، وطبقة رقيقة من مادة بروبيلين الإيثلين المفلور (FEP) على الجزء العلوي.
ويتم وضع هذه الورقة الاصطناعية بين أوراق نبات حقيقية.
يقول الباحث المتخصص في الروبوتات اللينة المستوحاة من الأنظمة البيولوجية، فابيان ميدر، إنه “عندما تتحرك [أوراق النبات] بفعل الريح، يتلامس السطحان مع بعضهما بعضاً ويبتعدان مرة أخرى، ما ينتج شحنات ساكنة (Static Charges) على سطح أوراق النبات وعلى أجهزتنا”.
ويضيف ميدر، في تصريحات لمجلة أي إي إي إي سبيكتروم (IEEE Spectrum)، أنه “يتم تحفيز هذه الشحنات في الأنسجة الخلوية الداخلية للنبات، حيث تخلق تياراً، ويمكننا جمع هذا التيار بواسطة قطب كهربائي يتم إدخاله في الأنسجة النباتية”.
جمع الطاقة من قطرات المطر
ثمة أوراق نباتات اصطناعية تستخدم تقنيات مماثلة لتوليد الكهرباء من الرياح، لكن الميزة الرئيسية لنظام جمع الطاقة الجديد هذا هي أنه يمكنه بالفعل توليد المزيد من الكهرباء في الظروف الرطبة، في الوقت الذي تتعطل فيه الأوراق الاصطناعية الأخرى عندما تتعرض للمياه، بحسب ما تقوله باربرا مازولاي، مديرة مختبر الروبوتات اللينة المستوحاة من الأنظمة البيولوجية التابع للمعهد، والمشاركة أيضاً في الدراسة.
عندما تسقط قطرة المطر على الجزء العلوي للورقة الاصطناعية، فإنها تقوم بشحن السطح وتوصيل الأقطاب الكهربائية المثبتة داخل الورقة وفوقها، ما يؤدي إلى إنشاء مكثف (Capacitor) (أداة تقوم بتخزين الشحنة الكهربائية على شكل مجال كهربائي).
وينتج التيار الكهربائي عندما تنتشر قطرة المطر على سطح الورقة، وتتكرر هذه الآلية عندما تهبط القطرة التالية على الورقة الاصطناعية.
تذكر الدراسة أن التقنيات البيولوجية الهجينة (Biohybrid Technologies) المستجيبة للبيئة يمكن تصميمها لإنتاج الكهرباء في البيئات الصعبة، مثل النباتات المعرضة للرياح والمطر.
وتوفّر نُظم توليد الطاقة المعتمدة على البيئة فرصة حقيقية لاستبدال مصادر الطاقة التقليدية مثل البطاريات، التي تتطلب صيانة دورية وطرقاً مخصصة للتخلص منها في النهاية.
استخدامات متعددة
هذه التجربة التي أعلن عنها الفريق الإيطالي ليست المحاولة الأولى لتطوير أوراق نبات اصطناعية لاستغلالها في توليد الطاقة.
على سبيل المثال، أعلن باحثون في جامعة كامبريدج، العام الماضي، عن تطوير أوراق اصطناعية تطفو على الماء يمكنها امتصاص ضوء الشمس وثاني أوكسيد الكربون من الهواء، واستخدام الماء لإنتاج الوقود.
كما طوّر باحثون في مدرسة لوزان الاتحادية للعلوم التطبيقية (EFPL) في سويسرا، ورقة نبات اصطناعية عبارة عن رقاقة صغيرة وشفافة من ألياف زجاجية مغطاة بمواد شبه موصلة تستخدم ضوء الشمس لتحليل الماء إلى هيدروجين وأوكسجين، وبالتالي تخزن الطاقة الشمسية على شكل هيدروجين لاستخدامها مستقبلاً.
تشير الدراسة الجديدة إلى أن هذا النوع من الأوراق الاصطناعية يمكنه العمل كمستشعرات ذاتية التشغيل للرصد البيئي، بالإضافة إلى إمكانية استخدامها في تطبيقات متعددة مثل شبكات الاستشعار اللاسلكية (WSNs) وأجهزة إنترنت الأشياء (IoT) والزراعة الذكية والغابات الذكية.
لاختبار مدى فاعلية الجهاز، دمج الباحثون نظام الأوراق الاصطناعية داخل أوراق نبتة تسمى الدِّفْلَى أو الدِّفْلَى الزيتية (Oleander)، وقاموا بتقييم قدرته على إنتاج الطاقة في ظل ظروف متغيرة.
أظهرت النتائج أن قطرات الماء المنفردة تخلق جهداً وتياراً كهربائياً تزيد ذروته على 40 فولط و15 ميكرو أمبير على التوالي، ويمكنه تشغيل 11 مصباحاً من مصابيح “ليد”.
ويعمل الفريق حالياً على تحسين أداء الأوراق الاصطناعية من خلال تعديل التصميمات، مثل أشكال الأقطاب الكهربائية والمواد المستخدمة في صناعة الجهاز.
وتقول مازولاي إنهم قدّموا طلب براءة اختراع لهذه التقنية ويقومون الآن بتحليل الأسواق المحتملة، لكنها ترى أنه “لا يزال من الضروري إجراء بعض الأبحاث قبل تحديد المنتج النهائي”، مثل اختبار الأنظمة في ظل ظروف شديدة التباين من الرياح والأمطار.
وتوفّر نُظم توليد الطاقة المعتمدة على البيئة فرصة حقيقية لاستبدال مصادر الطاقة التقليدية مثل البطاريات، التي تتطلب صيانة دورية وطرقاً مخصصة للتخلص منها في النهاية.
وفي الختام، يجب الاعتراف بأن نُظم توليد الطاقة المعتمدة على البيئة توفر فرصة حقيقية لاستبدال مصادر الطاقة التقليدية التي تعتمد على الوقود المسبب الرئيسي لتلوث الهواء والغلاف الجوي.