يختلف البشر في طريقة جمع الأموال والحصول على الثروة، ولكنهم يتفقون في عشقها والاستماتة في سبيل الحصول عليها أحياناً.
فما بالك لو سمعت أو علمت بوجود كنز أثري ثمين، يعود عليك بثروة لا يتخيلها عقلك، ويقلب حياتك رأساً على عقب.
ربما كان السعي وراء الكنوز المخفية رغبة دفينة في كل البشر على مدار تاريخهم؛ إذ يأمل الكثيرون في الوصول إلى الكنز أو إلى مغارة علي بابا المنشودة التي ستجعل منهم أغنياء في غضون لحظات، بينما قد يكتفي آخرون بمتعة الرحلة، إنما ما لا نختلف عليه جميعًا كبشر هو سعينا نحو اكتشاف المجهول، واليوم سنتعرف إلى ثلاثة من أشهر الكنوز التي سعى البشر لاكتشافها وما زالوا يسعون وراءها حتى الآن، رغم فقدان الكثير من الضحايا في الطريق نحو هذه الكنوز الموعودة.
1- كنز الهولندي المفقود.. لغز منجم الذهب الخفي والقنَّاص الغامض
لمدة تزيد على 100 عام كان المغامرون يبحثون عن هذا الكنز في جبال ولاية أريزونا الأمريكية.
وفقًا للأسطورة؛ هو منجم ذهب غني ومخفي في جنوب غرب الولايات المتحدة الأمريكية، ويعتقد بوجه عام أن الموقع يقع في جبال سوبرستيتشن، والذي يعني «جبال الخرافات»، وهي سلسلة جبال تقع شرق مدينة فينيكس بولاية أريزونا الأمريكية.
في كل عام يحاول الناس البحث عن المنجم المفقود، حتى إن بعضهم مات أثناء البحث عنه، سُمي المنجم على اسم المهاجر الألماني جاكوب والتز (1810–1891)، الذي يُزعم أنه اكتشفه في القرن التاسع عشر وأبقى على موقعه سرًّا.
كان مصطلح «الهولندي» مصطلحًا أمريكيًّا شائعًا في تلك الفترة لكلمة ألماني، فكلمة «هولندي» هنا هي الكلمة الإنجليزية التي تشير إلى المسمى الألماني «دويتش»، وليس إشارة إلى الشعب الهولندي.
حسب الكاتب روبرت بلير، فقد كان هناك بالفعل مهاجر ألماني جاء إلى الولايات المتحدة في منتصف القرن التاسع عشر، ويعود أول توثيق إلى وجوده ضمن وثيقة قَسم بإحدى المحاكم الأمريكية فب العام 1848، وهو مواطن أوروبي ولد بمنطقة فورتمبيرج الألمانية في سبتمبر (أيلول) عام 1808.
انتقل والتز إلى أريزونا في ستينيات القرن التاسع عشر، وبقي في المنطقة معظم حياته، حيث تابع العمل في التعدين والتنقيب عن الذهب ضمن ما عرف وقتها بـ«حمى البحث عن الذهب بالولايات المتحدة»، خلال القرن التاسع عشر، لكن يبدو أنه لم يحالفه الحظ.
وهناك رأي بديل يناسب أسطورة المنجم المفقود بشكل أفضل؛ وهو أنه أظهر بشكل دوري كميات كبيرة من الذهب. تفيد أسطورة الجنيه الإسترليني من تأليف إستي كوناتسر، بأن جاكوب والتز باع 250 ألف دولار من الذهب إلى دار سك العملة الأمريكية خلال ثمانينيات القرن التاسع عشر، وكان لديه 1500 دولار عندما توفي في 1891.
وفي عام 1870، كان لدى والتز منزل تقدر مساحته بنحو 160 فدانًا بالقرب من مدينة فينيكس حيث كان يدير مزرعته.
في عام 1891 وقع فيضان كارثي في فينيكس، وكانت مزرعة والتز واحدة من العديد من المزارع التي دمرت على أثر ذلك.
وبعدها مرض والتز (ترددت شائعات أنه أصيب بالتهاب رئوي أثناء الفيضانات) ثم توفي في 25 أكتوبر (تشرين الأول) 1891، ودُفن في فينيكس في ما يعرف الآن بـ«متنزه بايونير آند ميليتاري ميموريال».
مات جاكوب لكن كنزه المفقود بقي حيًّا في أذهان المغامرين الأمريكيين وغيرهم طيلة قرن من الزمان، لكن كيف تطورت أسطورة وجود منجم الذهب الخفي عبر السنوات؟
رسالة غامضة في زجاجة.. لقد وجدت المنجم الذهبي الخفي!
«إنني أجلس تحت شجرة على ضفة جدول ماء وإحدى قدمي مكسورة، وأحتاج إلى المساعدة، من يجد هذه الرسالة فليعطها إلى هوارد بيترسون، ملحوظة لقد وجدت الهولندي المفقود»
وجدت هذه الرسالة داخل زجاجة محكمة الإغلاق وطافية على ضفاف نهر سلت، وهو أحد الأنهار الداخلية بولاية أريزونا الأمريكية.
كان الموقع على الرسالة هو أدولف روث، طبيب بيطري ويعمل لدى مكتب تربية الحيوانات التابع لوزارة الزراعة الأمريكية، والذي كان لديه هوس طويل الأمد بتحديد موقع منجم الهولندي المفقود الأسطوري.
ومن خلال بعض خرائط المناجم التي حصل عليها روث من ابنه حاول تحديد مكان المنجم المفقود بنفسه، لكن انتهى به الحال ضائعًا ومصابًا – حسب رسالته- وذلك بعد البحث عنه لمدة أسبوعين دون جدوى.
في ديسمبر (كانون الأول) 1931 عُثر على جمجمة بشرية في المنطقة بالقرب من جبال سوبرستيتشن سالفة الذكر، وبفحص الجمجمة من قبل عالم الأنثروبولوجيا أليش هاردليكا، أكد أن الجمجمة التي كان بها ثقبين في الدماغ إثر رصاصتين كانت بالفعل لأدولف روث، لقد عثر على جمجمته فقط دون باقى الجثة.
في يناير (كانون الثاني) 1932 جرى اكتشاف بقايا هيكل عظمى على بعد نحو 1.21 كم من مكان وجود الجمجمة السابق، وعلى الرغم من كونها بقايا مبعثرة فإنها كانت بالفعل لروث؛ إذ وجدت الشرطة متعلقاته الشخصية من بينها مسدسه الذي كان محشوًّا ولم تُفقد منه رصاصة واحدة، لكن خريطة المنجم المزعومة التي كتب عنها في رسالته الصغيرة لطلب الإنقاذ كانت مفقودة!
عُثر على دفتر شيكات روث أيضًا، وثبت أنه يحتوي على ملاحظة كتبها روث ادَّعى فيها أنه اكتشف المنجم وأعطى توجيهات مفصلة عن مكانه. لم تجر السلطات تحقيقًا جنائيًّا في الأمر وافترضوا أن روث ربما يكون قد استسلم للعطش أو مات من جراء إصابته بمرض القلب، أو انتحر بعد أن فقد أي أمل في العثور عليه.
كان من الممكن لقصة منجم الهولندي المفقود أن تظل مجرد أسطورة، لكن وفاة أدولف روث بهذا الشكل المأساوي الغامض ورسالته شجع المزيد من المغامرين والباحثين عن الذهب، لتكون تلك الحادثة نقطة انطلاق الأسطورة مرة واحدة وإلى الأبد.
«لعنة الهولندي».. حوادث اختفاء وبقايا جثث الباحثين عن المنجم المفقود!
منذ وفاة روث، كان هناك العديد من الوفيات أو حالات الاختفاء الأخرى في جبال الخرافات، حيث اختفى بعض الباحثين عن المنجم في حوادث برية محتملة.
في منتصف الأربعينيات من القرن الماضي، جرى اكتشاف بقايا المنقب جيمس أ.كرايفي مقطوعة الرأس في جبال الخرافات.
ويُزعم أنه اختفى بعد أن شرع في البحث عن منجم الهولندي المفقود!
في كتابه الصادر عام 1945 عن منجم الرجل الهولندي المفقود، قال باري ستورم (الاسم المستعار لجون جريفيث كليمنسون) أنه نجا بصعوبة من قناص غامض أطلق عليه «السيد إكس»، وتكهن ستورم في كتابه بأن أدولف روث ربما كان ضحية لهذا القناص الغامض أيضًا.
في أواخر نوفمبر (تشرين الثاني) أو أوائل ديسمبر 2009، اختفى جيسي كابين (35 عامًا) المقيم في دنفر بولاية كولورادو في غابة تونتو الوطنية.
وجرى العثور على موقع المخيم وسيارته مهجورة بعد ذلك بوقت قصير، وقد عُرف عنه أنه كان مهووسًا بالعثور على المنجم لعدة سنوات وقام برحلات سابقة إلى المنطقة.
عثر على جثة كابين في نوفمبر 2012 محشورة في شق أرضي من قبل منظمة بحث وإنقاذ محلية، وقد غطى البرنامج الوثائقي التلفزيوني الأمريكي «اختفى» القضية في حلقة بعنوان «لعنة الهولندي».
وفي 11 يوليو (تموز) 2010، اختفى ثلاثة متنزهون من ولاية يوتا، وهم كورتيس ميرورث (49 عامًا)، وأردان تشارلز (66 عامًا)، ومالكولم ميكس (41 عامًا) في المنطقة نفسها المسماة بجبال سوبرستيتشن بحثًا عن المنجم.
ورغم أن أحدهم لم يجد منجم الهولندي المفقود بعد، وربما قد لا يجدونه على الإطلاق، فإن حمى البحث عن هذا الكنز الخفي من الذهب الخام، لم تتوقف ولا يبدو أنها ستتوقف في وقت قريب.
2. كنز ليما.. هل تحمي أرواح ملوك الإنكا كنوزهم التي جمعها الإسبان؟
سيطرت إسبانيا على مدينة ليما العاصمة الحالية لدولة البيرو منذ القرن السادس عشر، عندما هزمت ملوك الإنكا حكام المنطقة، وفي القرون التي تلت ذلك، جمعت الكنيسة الرومانية الكاثوليكية كنزًا ضخمًا من ليما. ففي أوائل القرن التاسع عشر، بدأت إسبانيا تواجه صعوبات مع مستعمراتها بسبب حروب الاستقلال في أمريكا الجنوبية.
لم تكن ليما استثناءً من تلك الاضطرابات، وفي عام 1820 تعرضت المدينة لضغط شديد واضطر الإسبان في النهاية إلى إخلاء المدينة، لأن المدينة كانت على حافة الثورة.
وكإجراء وقائي، قرر نائب الملك الإسباني في ليما نقل ثروة المدينة إلى المكسيك لحفظها، وقد تضمنت الكنوز آنذاك أحجارًا مرصعة بالجواهر، وشمعدانات، وتمثالين بالحجم الطبيعي من الذهب الخالص لمريم العذراء تحمل الطفل يسوع.
إجمالًا، يقدر ذلك الكنز بنحو بليون دولار أمريكي وقد جرى تكليف الكابتن والضابط البحري ويليام طومسون، قائد السفينة ماري دير، بنقل الثروات إلى المكسيك. لكن طومسون وطاقمه كانوا غير قادرين على مقاومة الإغراء.
فتحولوا إلى قراصنة، وقطعوا رقاب الحراس والكهنة المرافقين، وألقوا بجثثهم في البحر!
ثم توجه طومسون إلى جزيرة كوكوس، قبالة ساحل كوستاريكا الحالية، حيث قاموا بدفن الكنز.
ثم قرروا أن يتفرقوا ويختفوا عن الأعين حتى يهدأ الوضع، ثم يجتمعوا مرة أخرى لتقسيم الغنائم.
في خلال بحث السلطات الإسبانية عنهم، جرى القبض على طاقم السفينة ماري دير، وخضعوا للمحاكمة بتهمة القرصنة، وشُنق الجميع باستثناء طومسون ومساعده الأول جيمس ألكسندر فوربس في مقابل أن يقودوا الإسبان إلى الكنز المسروق، وبالفعل نقلوهما إلى جزر كوكوس لكنهما تمكنا من الفرار إلى الغابة، ومنذ ذلك الوقت لم يُعرف مكان الكنز مرة أخرى، وبالحال لم تتوقف محاولات البحث عنه منذ ذلك الحين وحتى اليوم.
جزيرة الكنز.. محاولات عديدة مستميتة للوصول إلى الكنز المفقود
عندما أصبح المغامر الألماني أوجست جيسلر، الحاكم الرسمي لجزيرة كوكوس في عام 1897، لم يكن مهتمًّا بالمجموعة الصغيرة من مزارعي التبغ الذين يعيشون هناك، والذين أحضر معظمهم من وطنه؛ بل كان مهووسًا بتحديد موقع تمثال العذراء مريم المصنوع من الذهب الخالص وباقي الكنز الذي دفنه قراصنة الكابتن طومسون، وعلى مدى 19 عامًا قضاها في الجزيرة حفر نظامًا واسعًا من الأنفاق تحت الأرض خلال سعيه للعثور على الكنز.
في نهاية المطاف بحلول عام 1908 غادر جيسلر الجزيرة بعد أن جمع العديد من الأدلة حول مكان الكنز دون الوصول الفعلي إليه، اللهم إلا عثوره على عدد قليل من العملات العشوائية التي ليست لها قيمة تذكر.
أجرى المستكشفون أكثر من 500 رحلة استكشافية في الجزيرة دون جدوى قبل أن تمنع الحكومة البيروفية البحث في الجزيرة بعدها.
وفي عام 2012، ذكرت وسائل الإعلام البريطانية والكندية على نطاق واسع أن المغامر المهندس البريطاني شون وايتهيد، سيجري مسحًا أثريًّا رئيسيًّا للجزيرة باستخدام رادار اختراق الأرض وتقنيات تصوير متقدمة، لكن تلك الحملة توقفت بعد وقت قليل من الإعلان عنها.
كانت هناك تقارير تفيد بالعثور على كنز ليما المزعوم واستعادته، لكنها جميعًا اعتبرت خدعة جرى ترويجها لصرف الانتباه بعيدًا عن الجزيرة، وهناك أيضًا تقارير أخرى تفيد بوجود الكنز في مكان بديل، لكن لا دليل على صحتها جميعًا.
بل يشير العديد من المتشككين إلى عدم وجود كنز على الإطلاق، وأن الأمر كله لا يعدو كونه مجرد قصة من قصص القراصنة التي تخلب الألباب.
تجدر الإشارة إلى أن كنز ليما المفقود وما دار حوله من أحداث، يعده بعض المحللين مصدر إلهام الكاتب البريطاني، روبرت لويس ستيفنسون، في روايته الشهيرة «جزيرة الكنز»، كما أن الموقع اليوم جرى تصنيفه موقعًا للتراث العالمي لليونسكو لبيئته البكر وتنوع الحياة البرية فيه.
3- بومة فرنسا الذهبية.. الهوس الفرنسي بالبحث عن الكنوز المخفية
في عام 1993 قرر الكاتب الفرنسي ماكس فالنتين واسمه الحقيقي ريجيس هوزر، أن يخفي تمثالًا مصنوعًا من الذهب على هيئة بومة يزن 15 كيلوجرامًا، في مكان ما بفرنسا، ومن ثم نشر كتابًا مصورًا عن القصة بعنوان «البحث عن البومة الذهبية»، وقد وضع في الكتاب 11 لغزًا يقود إلى مكان البومة الذهبية التي لا يعرف مكانها أحد سواه.
وذلك بعدما نما في فرنسا التسعينيات ما يشبه الهوس بالبحث عن الكنوز المخفية أو المفقودة، وهو ما جعل لفكرة فالنتين القبول والجاذبية بين الناس.
استمر البحث عن البومة الذهبية قرابة 25 سنة حسب تقرير نشرته «بي بي سي» في 2018، ورغم وفاة ماكس فالنتين في عام 2009، فإن البحث عن بومته الذهبية ما زال قائمًا حتى الآن في 2021، ما جعله أحد أطول الألغاز غير المحلولة، حتى إن هناك موقعًا إلكترونيًّا مخصصًا فقط لألغاز الكتاب ولمهمة البحث عن البومة الذهبية.
قد تكون هذه الكنوز الثلاثة الشهيرة غير موجودة كما يقول بعض المشككين في وجودها من الأساس، وقد تكون موجودة بالنسبة لأولئك المؤمنين بها، لكنها بكل تأكيد تشبع رغبة إنسانية تمامًا نحملها في داخلنا، وهي البحث عن الخفي والغامض أملًا في ثراء سريع أو تحقيقًا لإنجاز طال انتظاره.
لطالما ظننا أن الروايات العالمية وقصص الأطفال وأفلام الكارتون التي تروي مغامرات البحث عن الكنوز المفقودة، نابعة من الخيال في حين أنها حقيقية بالفعل.