منوعات

سيرغي كريكاليف.. قصة رائد الفضاء السوفييتي سيئ الحظ الذي علق في الفضاء

ذهب رائد فضاء متحمّس، في الثلاثينيات من عمره، في رحلة عمل بمحطة “مير” الفضائية التابعة للاتحاد السوفياتي السابق عام 1991. رغم أن الخطة كانت تقتضي عودته بعد 5 أشهر، فإنه لم يتمكن من العودة إلى الأرض مجدداً إلا بعد ضعف المدة تقريباً، إذ لم يتمكن أحد من السماح للرائد المنسي في الفضاء بالعودة، لأن الدولة التي قامت بالإشراف على رحلته، ببساطة، لم يعد لها وجود.

رائد الفضاء الأسوأ حظاً

كان سيرغي كريكاليف في الفضاء ضمن برنامج رحلته خارج الكوكب عندما انهار الاتحاد السوفياتي في 26 ديسمبر/كانون الأول 1991، فأصبح بين عشية وضحاها غير قادر على العودة إلى الأرض، وانتهى به الأمر إلى قضاء مدة كانت أطول مرتين مما كان مخططاً له في المدار، إذ رفض المسؤولون إعادته.

وفيما كانت الدبابات تسير عبر الميدان الأحمر في موسكو، تم بناء الحواجز على الجسور، وانتهى عهد ميخائيل غورباتشوف والاتحاد السوفياتي في ذلك التاريخ.

في هذه الأثناء، كان كريكاليف عالقاً في الفضاء، على بُعد 350 كيلومتراً من الأرض، في محطة “مير” الفضائية التي أصبحت موطنه الموقّت إلى أن عاد أخيراً بعد مماطلات طويلة هددت سلامته وحياته. وقد عُرف منذ تلك اللحظة بـ “آخر مواطن في الاتحاد السوفياتي”.

محطة الفضاء السوفياتية مير (الفرنسية)

تفكك الاتحاد وانهيار الدولة

عندما تفكّك الاتحاد السوفياتي إلى 15 ولاية منفصلة أواخر عام 1991، قيل لكريكاليف إنه لا يستطيع العودة إلى وطنه، لأن البلد الذي وعد بإعادته إلى الوطن لم يعد موجوداً، ولا يستطيع أحد متابعة قرار برنامجه العلمي أو إدارة عملية عودته والإشراف عليها أو حتى إيجاد الموازنة الكافية لها.

وقبل أشهر من الموقف الغريب، كان كريكاليف، مهندس الطيران البالغ من العمر آنذاك 33 عاماً، قد انطلق إلى محطة “مير” الفضائية من قاعدة “بايكونور” الفضائية السوفياتية، التي تقع في كازاخستان.

وكان من المفترض أن تستمر مهمة كريكاليف لمدة 5 أشهر فقط، وهي الفترة التي تدرّب رواد الفضاء عليها آنذاك للمهام خارج كوكب الأرض، إذ لم يكن أحد مهيئاً لتجاوز المدة، وكانت الشهور الخمسة محصّلة عملية استعداد طويلة تستغرق سنوات من التدريب، ولم يكن من الممكن بعد تجاوزها. لذا تم استبدال الفرق بشكل دوري لإكمال العمل في الفضاء.

آنذاك، حدث السقوط المفاجئ للاتحاد السوفياتي، مما أثّر على برنامج عمل رائد الفضاء الذي كان في المحطة الفضائية، وقيل له إنه لا تتوافر موازنة كافية لإعادته بعد انتهاء مهمته.

وبعد شهر من موعد عودته المُفتَرَض، كان كريكاليف لا يزال يتلقى عبر اتصالاته بالأرض الإجابة ذاتها “مركز التحكّم في المهمة يطلب منك البقاء هناك لفترة أطول قليلاً، لأنه لا يوجد جهة تستطيع حالياً تهيئة عودتك (إلى البلاد)”.

مهمة خطيرة في محطة “مير”

مرت شهور على هذه الحال، وبحسب مجلة “روسيا بيوند” (Russia Beyond) الروسية، فقد كان كريكاليف مهدد مع مرور كل يوم بمخاطر ضمور العضلات، والتعرُّض للإشعاع، وارتفاع خطر الإصابة بالسرطانات، وضعف جهاز المناعة، واعتلال الدورة الدموية. وهذا مجرد جزء من إجمالي الأخطار المحتملة على الإنسان الذي يقوم بمهمة فضائية أطول مما يجب.

من ناحية أخرى، كانت المحطة الفضائية التي علق كريكاليف على متنها تُسمّى “مير” وتعني بالروسية “السلام”. وحتى اليوم لا تزال مثالاً للهندسة العملاقة التي تمكّن الاتحاد السوفياتي من تحقيقها.

وكانت المحطة الفضائية تتكون من وحدات عدة، وقد استغرق تجميعها عقداً امتد منذ عام 1986 إلى 1996، وكانت أول محطة فضائية طويلة المدى مأهولة بالبشر على مدار فترة عملها، إلى أن تجاوزتها محطة الفضاء الدولية عام 2010.

كان بإمكان كريكاليف المغادرة بشكل فردي، فقد كانت هناك كبسولة عودة للاستخدام الطارئ على متن المحطة الفضائية، وخصّصت للعودة إلى الأرض في الظروف الاستثنائية. لكن أخذها كان سيعني نهاية حياة وكالة “مير” لأنه لم يتم تسليم إدارتها لفريق بديل يستأنف العمل عليها. لكنه رفض ذلك لكي لا يضيع كل هذا العمل هباءً.

انهيار اقتصادي

بحلول ديسمبر/كانون الأول 1991، أعلنت كازاخستان سيادتها، وبالتالي، السيطرة على قاعدة “بايكونور” الفضائية. وطالبت برسوم ضخمة لاستخدامها، ومع استمرار انخفاض القيمة السوقية للروبل السوفياتي بسرعة، لم تكن الحكومة قادرة على تحمل تكاليف إعادة كريكاليف.

ولإرضاء حكومة كازاخستان والحصول على خصم، عيّنت موسكو أول رائد فضاء كازاخي على الإطلاق، واقترحت مشاركته في طاقم فضائي جديد لاستئناف العمل بمحطة “مير” والتسريع بعودة كريكاليف. ومع ذلك، لم يكن رائد الفضاء الجديد مستعداً لمثل هذه العملية، إذ لم يتلق التدريب الكافي لقضاء وقت طويل في الفضاء، وبالتالي فشلت الفكرة.

العودة إلى “الأرض الصلبة”

لكن أخيراً، بعد 3 أشهر إضافية، تمكنت مهمة فضائية روسية ألمانية مشتركة من إعادة كريكاليف إلى الأرض.

محطة الفضاء الدولية  (غيتي إيميجز)

عاد كريكاليف أخيراً إلى الأرض في 25 مارس/آذار 1992، بعدما دفعت ألمانيا 24 مليون دولار لكازاخستان لشراء تذكرة لاستبداله، برائدها الفضائي كلاوس ديتريش فلايد.

وعند الهبوط، ظهر أمام الكاميرات رجل يحمل الأحرف الأربعة “اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية” على بزته المزدانة بالعلم السوفياتي الأحمر، لا يقوى على الوقوف، وبالكاد يستطيع الخروج من الكبسولة الفضائية التي هبطت بالقرب من مدينة أركاليك الكازاخية.

ووصف أحد التقارير مظهره بأنه كان “شاحباً ومتعرقاً كقطعة من العجين الرطب”. وبحلول ذلك الوقت، كان العالم بأسره قد سمع عن “ضحية الفضاء المنسي”.

وأخيراً، عاد المواطن “السوفياتي الأخير” للأرض، وهو ضعيف وشاحب يعاني هشاشة العظام والتبعات الصحية الأخرى، لكنه كان سعيداً بحسب تصريحاته الإعلامية حينها، لكونه أخيراً “يقف على أرض صلبة”.

المصدر: aljazeera.net

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى