“إذا زاروك الأهلية عليك بأم حمود الحلبية”. بهذه الجملة اللطيفة تصدح “أم حمود” وهي خريجة كلية الاقتصاد كل صباح حيث اختارت مكان عملها. بالقرب من إحدى واجهات المحال التجارية في “السويداء” واضعة عربتها التي تبيع عيها مختلف أنوع الخضراوات المعدة مسبقاً.
تبيع “أم حمود” الكوسا والباذنجان المحفوران، كذلك البقدونس المفروم والفاصوليا المقطعة، وغيرها العديد من الخضراوات الجاهزة للطهي. لتلبي حاجة النساء العاملات اللواتي لا يملكن الوقت الكافي. كما تقول وتضيف لـ”سناك سوري” أنها بدأت مهنتها هذه منذ 6 سنوات تقريباً.
بابتسامتها المعهودة التي يعرفها كل المارة بذلك المكان، أضافت “أم حمود” أنها كانت تعمل بالتجارة في مدينتها “حلب” وهي خريجة تجارة واقتصاد. وتقول: «لكن الحرب لم ترحمنا ونزحتُ وعائلتي عام ٢٠١١ إلى هذه المدينة الطيبة بأهلها. ولم أجد فرصة للعمل إلا بيع الخبز لأعيل بناتي وأبناء أولادي الصغار».
لسنوات عديدة عملت “أم حمود” ببيع الخبز بالقرب من مديرية المصالح العقارية، وبنت علاقات جيدة مع الموظفين. لكن مع انتشار كورونا اضطرت للتوقف لتقع في حيرة من أمرها فمن أين ستتدبر أمر المعيشة من طعام وإيجارات.
ذكاء “أم حمود” دفعها للتجربة والمحاولة، حيث اشترت ٣ كيلو من الكوسا وبحفارة معدنية بسيطة جلست بمكانها الحالي. وقالت في نفسها إن “بعتها أكون أمنت بعض المال وإن خاب مقصدي أعود بها وأطبخها للغداء”.
تضيف: «لم يخب أملي فقد تقدمت سيدة واشترت أول كيلو وما كدت أنتهي من حفر آخر حبة. حتى بيعت ومن يومها وأنا هنا في هذه الزاوية التي استضافني بها صاحب محلات “أنا وأمي” دون مقابل لأكسب رزقي».
قبل السابعة صباحاً تخرج “أم حمود” إلى السوق تتزود بالخضار حسب المتوفر في كل موسم. وتباشر تحضيرها بأكياس كل كيلو بكيس مخصص وكانت في البداية تبيعها للمارة.
لكن اليوم تتلقى السيدة اتصالات من الزبائن الذين تعودوا على منتجاتها وترسل لهم مايطلبون من خلال خدمة الدليفري. وأصبح لديها عدد كبير من الزبائن الذين تلبي طلباتهم من الخضار الجاهزة للطبخ.
تردد السيدة بخفة دمها الواضحة «لا تهكل هم وتحتار الخضرة من عند أم حمود على النار»، كونها تحضرها جاهزة للطبخ وكثير من العائدين إلى منازلهم. يتزودون بالخضار المطلوبة لطبخة سريعة دون عناء لكن بقيت ميزتها تلبية الطلب السريع في حال طلبت السيدة. كمية بسيطة او كبيرة وأحيانا تعرض كميات كبيرة جاهزة كونها باتت تعرف حجم الطلب اليومي.
تطورت “أم حمود” في عملها وأصبحت معروفة على مستوى المدينة ومن خلال التعامل مع دائرة العلاقات المسكونية اتبعت دورة قصيرة. لتعد لمشروعها القادم وتأسيس محلها الخاص وحصلت على قرض مناسب لشراء برادات وحافظات في محاولة للاستقرار في مكان محدد. يقيها برد الشتاء بعد أن عملت لسنوات دون مظلة أو حماية من صقيع الشتاء وحرارة الصيف لتكسب لقمتها بعرق جبينها.
“أم حمود” من مواليد ١٩٦٦ تملك همة عالية للعمل وتقاوم التعب الذي يفرض نفسه عليها بعد يوم طويل لتلاقي آلام المفاصل والتعب قبل النوم. في حال حصلت على ساعات قليلة منه لأنها طوال اليوم لا تجد فرصة للراحة أو الركون للاسترخاء كما تقول. وتضيف أن «الحياة تحتاج القوة والجهد ولن يطعمنا أحد وواجبي تجاه أسرتي كبير أحاول القيام به بكل مالدي من طاقة ولن أملّ فالحياة رغم التعب جميلة».
اليوم يساعدها رجل كبير السن في العمل وعدد من الأشخاص لإيصال الطلبات بواسطة دراجات او عبر مكاتب الدليفري. وتأمل أن تتمكن من تشغيل نساء معها لكنها تصر على أن تكون الخدمة مميزة.
ابتكرت أكلات تخبر بها الشابات عندما يطلبن أكلة سريعة مثل أصابع الكوسا الجاهزة للقلي مع العجة والفطر الذي تحصل عليه من مزارع مضمونة. كي تتمكن الأم من إطعام أولادها وحبات مفيدة وهي الأم التي تراعي وتعيل ٧ أشخاص من الأولاد والأحفاد.
يقول “نورس الشعراني” وهو أحد مورّدي الأكياس أنها سيدة جسورة صادقة لا تنكر المعروف وقد أخبر الناس عن عملها وكل من اختبر خضراواتها لم يندم وشكرا على صدق التعامل والثقة.
المصدر: سناك سوري