يبدو أن تركيا مستمرة في تحقيق وترسيخ معادلة توازن القوى وتكافؤ القدرات مع محيطها، فهي لا تدخر جهدا ولا خبرات وتسعى دائما لتوفير الإمكانيات اللازمة للاستمرار في تحقيق التطور العسكري لقواتها في شتى المجالات العسكرية الأرضية منها والجوية.
والجدير بالذكر أنها تولي اهتماما خاصا لسلاح الصواريخ لما له من أثر استراتيجي في سياسة الردع العسكرية ، فقد حصلت انقرة مؤخرا وبعد جهد وعناء طويل على صاروخ باليستي قصير المدى من طراز تايفون (Tayfun) تمت تجربته قبل أيام وهو يعتبر جزءا من مشروع تطوير نظام صواريخ تايفون الذي يتبع لرئاسة الصناعات الدفاعية.
فقد أجرت شركة روكيتسان اختبارا لإطلاق هذا الصاروخ المحلي وهي شركة تقود البرامج الوطنية لأبحاث وانتاج الصواريخ، وتم الاطلاق من مطار ريزا- أرتفين الى شاطئ سينوب في تجربة بعيدة المدى من الارض الى البحر لأول مرة.
ونجح الصاروخ البالستي قصير المدى (SRBM) في إصابة الهدف على بعد 561 كيلومتراً في 458 ثانية. لتكون بمثابة المرة الأولى التي تتجاوز فيها تركيا عتبة الـ300 كيلومتر، والأمر الذي سبب ذعراً في اليونان وفقاً لما تناقلته الصحافة اليونانية.
قبل الانتقال إلى سبب كون تايفون منصة بالغة الأهمية لتركيا والتطور الكبير الذي تشهده صناعاتها الدفاعية الوطنية، لنرسمْ إطاراً عاماً حول الصواريخ البالستية وطرق تصنيفها وفقاً لمداها الأقصى.
لماذا الصواريخ البالستية مهمة؟
فوقاً لتقرير أعده موقع TRT Haber يجري إطلاق الصواريخ البالستية التي لها أهمية كبيرة في ساحة المعركة بشكل عام من البحر عبر غواصات إلى الأرض أو من الأرض إلى الأرض. بمجرد اشتعاله، فإنه يتبع مساراً مكافئاً (Parabolic Orbit) منطلقاً إلى الفضاء، غالباً خارج حدود الغلاف الجوي.
بعد ذلك يدخل المدار مرة أخرى ويتجه نحو أهدافه بالسرعة العالية التي يكتسبها بفعل الجاذبية.
ولهذا يصعب تدمير الصواريخ البالستية بسبب السرعة التي تكتسبها بعد دخولها الغلاف الجوي. ما يعني أنه يجب تدميرها في الفضاء، أي قبل أن تتوجه نحو الهدف. توجد صواريخ مضادة للصواريخ البالستية لهذا الغرض، ولكنها ذات تكاليف عالية جداً. كما تتطلب شبكة مستشعر متطورة للغاية لتُدمَّر بالفضاء. عدد قليل من الدول وبخاصة الولايات المتحدة وروسيا لديه تكنولوجيا الصواريخ المضادة للصواريخ البالستية.
وعن أنواع الصواريخ البالستية فهي مقسمة إلى فئات وفق المدى الأقصى الذي يمكنها الوصول إليه:
– الصواريخ البالستية التكتيكية “(Tactic Ballistic Missile (TBM” ومداها أقل من 300 كيلومتر.
– الصواريخ البالستية قصيرة المدى “(Short-Range Ballistic Missile (SRBM” ومداها بين 300 و1000 كيلومتر.
– الصواريخ البالستية متوسطة المدى “(Medium-Range Ballistic Missile (MRBM” ومداها بين 1000 و3000 كيلومتر.
– الصواريخ البالستية طويلة المدى “(Intermediate Range Ballistic Missile (IRBM” ومداها بين 3000 و5500 كيلومتر.
– الصواريخ البالستية عابرة القارات “(Intercontinental Ballistic Missile (ICBM” وهي الصواريخ التي يتجاوز مداها 5000 كيلومتر.
– الصواريخ البالستية المطلقة من الغواصات “(Submarine Launched Ballistic Missile (SLBM”.
تجاوز عتبة 300 كيلومتر
بعد أن طورت صناعة الدفاع التركية واختبرت صواريخ مثل يلدريم بمدى 150 كيلومتراً وبورا بمدى 270 كيلومتراً كانت الخطوة الأخيرة هي تايفون، فأعلنت تركيا من خلاله أنها تجاوزت 300 كيلومتر للمرة الأولى.
في حين أن تايفون نظام الصواريخ الأطول مدى في تركيا حتى الآن، فمن المتوقع أن يُضمَّن الصاروخ الذي من المتوقع أن يخضع للعديد من اختبارات إطلاق النار في مخزون القوات التركية بوقت قصير. وهكذا مع تايفون ستكون القوات المسلحة التركية (TAF) وصلت إلى قدرة ردع مهمة.
من جهته قال الباحث في الصناعة الدفاعية أنيل شاهين الذي تحدث لموقع TRT Haber إن تطوير هذا النوع من فئة الصواريخ البالستية قصيرة المدى (SRBM) مهم من الناحية الاستراتيجية لتعزيز قوة الردع التركية، لا سيما في المناطق الغربية والشرقية، خصوصاً أن أجزاء كبيرة من اليونان وسوريا وإيران التي تملك صواريخ مشابهة ستكون ضمن نطاق تايفون.
مشيراً إلى وجود صواريخ سكود في سوريا وصواريخ إسكندر في أرمينيا وصواريخ كروز من طراز SCALP-EG في اليونان، والآن لدى تركيا رادع ضد هذه التهديدات. من الواضح أن تايفون المطور بالكامل بوسائل محلية هو منتج لديه القدرة على إعادة التوازن في المجال.
ذعر في اليونان
تسبب نجاح تجربة إطلاق تايفون في حالة من الذعر باليونان، فخرجت الصحافة اليونانية بعناوين رئيسية مفادها أنه بات بإمكان تركيا إطلاق النار على اليونان بأكملها.
وفي هذا الصدد غطت الصحافة اليونانية منظومة تايفون البالستية بتغطية واسعة. فوفق موقع خبر ترك أجرت الصحافة اليونانية طوال الأيام الماضية تقييمات مختلفة حول الصاروخ الذي بلغ مداه 561 كيلومتراً، ومن أبرزها ما كتبته صحيفة كاثيميريني التي قالت واصفة الصاروخ الجديد إنه “التهديد المزدوج من أنقرة”، مستخدمة تصريحات مفادها أن المشروع نُفذ في سرية.
من ناحية أخرى غطت صحيفة إليفثيروستيبوس صاروخ تايفون البالستي من خلال نقل تصريحات محللين أتراك جاء فيها: “يمكننا ضرب أثينا وكل اليونان”. فيما قالت صحيفة بروتوثيما: “إنه لا يغطي اليونان فقط، بل يشمل أيضاً البلدان المجاورة الأخرى لتركيا مثل بلغاريا وقبرص وسوريا والعراق وأرمينيا”.
وبينما قدم تلفزيون سكاي لمشاهديه تجربة الصاروخ بعنوان “عرض القوة” قالت صحيفة تا نيا في تقريرها إن “المسافة التي يقطعها الصاروخ ضعف المسافة بين إزمير وأثينا”.
فهل ستغير هذه التجربة الصاروخية العسكرية من حدة الاشتباك السياسي مع أثينا وتصعده أم أن أصحاب العقل وانصار السلام سيستطعون فرض كلمتهم.
TRT عربي