ما الذي تعتمده الدول في تحديد شكل وقيمة عملتها وكيف تطبعها ..ماذا تعرف عن العالم السري لصناعة الأموال؟
من المعروف أن فكرة طباعة النقود بدأت في العصور المتقدمة، حيث كان البديل قديماً مختلف تماماً، كنظام المقايضة ببضاعة مقابل أخرى مثلاً، ثم انتقل إلى المقايضة بالمعادن النفيسة من ذهب وفضة ونحاس، على حسب قيمة ومدى حاجة الشخص للسلعة، وصولاً لأشكال مختلفة من النقود والعملة.
طباعة النقود تتوقف على استخداماتها، والاستخدامات مختلفة وفقاً للتعريفات، فالاقتصاديون يعتبرون النقود ،ما يقدم لجهة ما للحصول على سلعة أو خدمة ما، ويتسع مفهوم كلمة “نقود” ليشمل “الشيكات” أيضاً بجانب العملات النقدية.
وفقاً للتعريف الاقتصادي، هناك نوعان من العملة، النقود الحقيقية، وهي ما تمتلك قيمة مادية حقيقية، مثل الجنيه الذهبي الإنجليزي، أو الروبية الفضية في الهند، والتي بطبيعتها تقسم إلى قسمين، نقود قانونية ونقود رمزية أو مساعدة للنقود القانونية، النوع الثاني من العملة هو النقود التقديرية أو التعددية، وهي ما تستخدم كوحدة للحساب دون أن يكون لها قيمة حقيقية، مثل العملات النقدية في أمريكا كالدولار والجنيه المصري، والدينار في الدول العربية المختلفة وهكذا.
كيف يحدد شكل العملة؟
إضافة للتعريف الاقتصادي للعملة، فإن هناك أهمية لوجود قبول مجتمعي للعملة، ويتم تحديد شكل العملة بطريقة تلقى قبول مجتمعي، بحيث لا يتعارض مع أي أفكار اقتصادية عالمية، وبالطبع العملات منها ما هو ضعيف وما هو قوي، ويعود هذا على عملية طباعة النقود ويؤثر فيها، وهناك بعض الدول التي جهزت شكل معين من العملة للتداول ضمن نطاق معين مثل “الأمم المتحدة”، وغيرها من التنظيمات الناشئة التي تحاول أن توحد عملتها، مما يضفي قوة وشعبية على العملة، ويغير بالطبع في شكل عملية طباعة النقود.
تاريخ التداول بالعملة عالميا
طباعة النقود عملية نشأت حديثا مع تطور حركة الاقتصاد العالمية، وتطور تاريخياً من حيث الحجم والخامات المستخدمة وطرق الطباعة، وفي هذا السياق، يذكر أن “حسن النجفي” الاقتصادي القديم و مؤلف كتاب “عراقة حضارة وادي الرافدين”، ذكر أنه تم العثور على رقيم طيني يعود إلى عصر حمورابي عام 2100 قبل الميلاد، وهي صيغة تجارية لحوالة مالية، وكذلك تعد أول ما عرفته البشرية من طرق دفع عن طريق نقود من نوع الحوالات، وهي عبارة عن حوالة ورقية وجدت في بلاد بابل بالقرب من نهر الفرات، وهكذا تطور مع الوقت شكل العملة، حتى وصلنا لمرحلة طباعة النقود على الورق الحديث، وكانت تتميز في القرن التاسع عشر بحجمها الكبير وسماكتها ودقة رسوماتها.
والجدير بالذكر أنه، لا تزال بشكل دائم تظهر تطورات، تنشأ على شكل العملة، بحيث تنوعت بين الورقية والمعدنية، ثم بدأ اليوم ظهور العملة الإلكترونية، إضافةً للشيكات وإيصالات التحويل أوأي أوراق رسمية لتداول العملة، تعد معظمها شكلاً من أشكال العملة حديثاً.
أين تطبع النقود؟
تعتبر طباعة النقود عملية حساسة ولها طابع خاص، حيث لا تحتاج لأدوات خاصة فقط، وإنما لها تكاليف عالية، كما تحتاج عملية طباعة النقود لأحدث الوسائل التكنولوجية المتوفرة، كما تحتاج أيضاً لجو آمن وسري للتحتفظ.
والجدير بالذكر، وحدها الحكومات فقط القادرة على طباعة النقود الأصلية التي تؤثر في اقتصاد الدولة ومعدلات التضخم والقيمة الفعلية للعملة، وعليه فإن بعض الدول تقوم بطباعة نقودها لنفسها، كما هناك دول تطبع بالوكالة في شركات معينة خارجها، وتلك الشركات تحصل بالمقابل على العملة الصعبة مقابل الطباعة، التي تساعدها في تحقيق أرباح كبيرة.
ويذكر أن من الدول التي تقوم بعملية طباعة النقود لنفسها، الولايات المتحدة الأمريكية والهند، في حين أن كلا من قارتي أمريكا الشمالية وأوروبا هم أكثر القارات إنتاجا للنقود أيضاً، أما معظم دول العالم التي لا تستطيع تحمل تكاليف طباعة النقود أو لا تمتلك الإمكانيات الحديثة اللازمة لذلك، فإنها تقوم بالطباعة في شركات خاصة تحت إجراءات أمان مشددة، منها شركة François Charles Obertour Vidocerie في فرنسا، ودي لا رو في إيطاليا، وأيضا يوجد شركات طباعة نقود في ألمانيا.
خطوات عملية صناعة و طباعة النقود
تمر عملية طباعة النقود بعدد من الخطوات سواءً في البلد أو في شركة خاصة، ونتعرف معاً على الخطوات بالترتيب بشيء من التبسيط
1- تصميم شكل العملة: وهي الخطوة الأولى وقد تبدو بسيطة، إلا أن عملية تصميم العملة تتبع عدد من الإجراءات والقيود، بالإضافة إلى الاهتمام برموز معينة تعطي معاني خاصة بالدولة ودلالة عليها، كما يقوم بتصميمها عدد من الخبراء في عدة نماذج قبل الموافقة على شكل معين.
2- تجهيز قوالب صب العملة:على حسب شكل وحجم التصميم، يتم صناعة القوالب من الفولاذ ويتم الحفر عليها بأدوات خاصة دقيقة،
ثم عمل لوحة طباعة النقود، تكون تلك اللوحة مكونة من عدد محدد “ثلاثة وثلاثون ورقة”، بلاستيكية محفور عليها الشكل المتفق عليه، بواسطة القالب الفولاذي، يربط الـ 33 ورقة معاً، ويطلق عليها “الباستو”، ثم يتم وضع كل مجموعة في قالب طلي نحاسي، ويصقل معدنيا، ثم يتم صب الكروم عليه، فيصبح صلبا، وبهذا يتكون اللوح الرئيسي في عملية طباعة النقود.
توضع مائة ورقة في مطبعة خاصة ذات سرعة عالية جداً، ثم لتتم عملية الطباعة باستخدام الباستو المعدني المجهز، الذي يكون مجهز بالحبر، وتطلى الأوراق أولاً باللون الأخضر بالكامل، ثم تترك ليجف لمدة يوم أو أكثر، ثم يتم النقش عليها بالحبر الأسود بنفس الطريقة.
المرحلة قبل الأخيرة، هي مرحلة التدقيق والكشف، يتم فحص كافة العملات المطبوعة، بأجهزة حديثة تستشعر أي خطأ فني في الطباعة، ويتم ختم الأوراق السليمة وإعدام التالف منها، ووضع التسلسل الصحيح على السليم منها فقط، ثم توضع كل مائة رزمة من الورق على جهاز للتقطيع، وتغلف وتحضر، ثم تشحن للدولة المستوردة، ليجري بدء التداول عن طريق البنك المركزي أولاً، ثم تصل لأيدي المواطنين.
الخامات والأدوات المستخدمة في طباعة النقود
بالطبع اختلفت الخامات عبر الزمن، قديماً كانت العملة تصنع معدنياً من الذهب أو الفضة أو النحاس فقط، ويكون قيمة العملة محدد بوزنها ونوع خاماتها، أما حديثاً يتم استخدام مواد نباتية طبيعية مثل الكتان والقطن لتصنيع النقود، ويتم معالجة الكتان والقطن بشكل يجعلهما أكثر تماسكًا وتحملا، مع خلطهما بألياف طبيعية وبالقنب بنسب محددة، هذا في حالة طباعة النقود الورقية، لكن النقود المعدنية والتي عرفها العالم، قبل بدء استخدام العملة الورقية في عام 1000 ميلاديا في الصين، فإنه يستخدم في صناعتها معادن مختلفة، وغالبا ما يتم خلط النحاس بالزنك والنيكل، مع مراعاة أن تكون نسبة النحاس أكثر، أو في بعض الدول يتم استخدام الحديد المخلوط بالألومنيوم والقصدير، وبعض الدول تقوم بصك بعض العملات بمادة الذهب، فتكون قيمتها وفقا لقيمة معدن الذهب في الدولة، وغالباً يتم تحديد نوع المعدن المستخدم على حسب توفره في الدولة ومواردها المالية.
كيف تحدث جريـ ـمة تزوير النقود ؟
جريمة تزوير العملة من أخطر الجرائـ ـم التي تهدد أمن الدول اقتصادياً وسياسياً، وتعاني جميع البلاد من تزايد تزوير طباعة النقود، بسبب الوسائل الحديثة المتوفرة من مكنات الطباعة وأدوات النقش والكمبيوترات المتطورة، حيث يقوم المقلد برسم العملة الأصلية بدقة عن طريق مختصين، وتحويلها إلى الكمبيوتر والعمل على إدراج كافة تفاصيلها، وفي الغالب يتم تحضير ورقة من نفس سماكة ونوعية الورق النقي المستخدم، لكن تكون نسبة الألياف عالية فيه، تتخذ نفس الشكل، وغالباً ما يتم كشفها بسهولة عند الفحص الدقيق.
والجدير بالذكر، أن الحبر المستخدم في ماكينات الطباعة، قد يبدو للوهلة الأولى مشابه للأصلي، لكن عند الفحص، تظهر خطوط مميزة، بالإضافة إلى أخطاء صغيرة في الرسم، أو عند غسلها بالماء، فإن الحبر يزول أو يلطخ الورق، وهو ما لا يحدث مع الحبر الأصلي.
كل الأدوات المستخدمة تعطي شكل طباعة النقود الأصلية لكن مع فحصها تكتشف بسهولة أنها مزورة، فالمُـ ـزَور يعتمد على تزوير عملة صغيرة وغير ملفتة للنظر، ويعمد إلى توزيعها بين الأصلي في الأسواق والأماكن المزدحمة لتفادي فحصها.
طباعة النقود عملية معقدة وتحتاج إلى تطوير وتحديث
الكثير من الدول تلجأ لتغيير شكل عملتها، سواء بسبب ظرف راهنة، مرت بها البلاد، من تغيير نظام حكم أو زوال اتفاقية اقتصادية ما، أو حتى فقط لتجديد شكلها والتخلص من مزوري النقود، كما أن عملية طباعة النقود تكلف الدول كثيراً من النفقات، بسبب الأدوات الحديثة المستخدمة في الطباعة، وتؤثر العملة بشكل مباشر في الاقتصاد، ولا يمكن طباعة النقود إلا بكميات محسوبة بدقة من قبل خبراء اقتصاديين متخصصين، حتى لا تتسبب في تدهور حالة التضخم في البلد أو تحريك سلبي في قيمة العملة.
كما يتم أولاً بأول، سحب العملات التالفة من الأسواق وإعدامها، وإعادة طباعة عملة حديثة، لذلك فإن صناعة طباعة العملة من الصناعات الهامة، وعلى الرغم من أهميتها، فإن هناك أراء اقتصادية تتنبأ باقتراب زوال أهمية النقود بالأساس، وقرب تحول معاملاتنا كلها إلى المعاملات الإلكترونية والتحويلات البنكية، إلا أن هذا لن يحدث قبل ربع قرن من الآن بحسب تقديرات متخصصين في الشأن النقدي، وحتى يحدث هذا الأمر تظل عملية طباعة النقود، من أهم العمليات السرية في العالم كله.
كيف يتم تحديد سعر العملة وقوتها الشرائية؟
يعتمد هذا الأمر على عدة نقاط، أهمها أن يكون لكل عملة يتم طباعتها، مقابل رصيد من الاحتياطي النقدي الأجنبي لدى البنك المركزي في الدولة ذاتها، أو ما يقابله من الذهب، أو سلع وخدمات تقوم الدولة بإنتاجها، كل تلك الأشياء تحدد وتقيد سعر العملة، فهناك دول لها اقتصاد كبير، وتعتمد على التصنيع والتوريد، بذلك يكون سعر عملتها مرتفع، مقابل أخرى تعتمد على الاستيراد فقط، فيؤدي هذا لأن تكون عملتها متدنية.
لماذا لا تطبع العملات بكميات كبيرة وتوزع على الشعب الفقير؟
قد يعتقد البعض أن الدولة يتم تقييدها من جهة مختصة ومراقبة، بحيث يتم تحديد كمية الأموال التي يتم طباعتها، وهذا المفهوم خاطئ، فالدول تستطيع أن تطبع كمية الأموال التي تُريدها والتي تراها كافية لإقتصادها والدولة أيضاً هي المسؤولة عن كمية الأموال التي يتم ضخها في السوق، ويجب أن تتناسب كمية الأموال التي يتم طباعتها مع حجم الإقتصاد للدولة، وإذا حدث هذا وقررت الدولة أن تضخ كميات كبيرة من الأموال، زيادةً عن حجم الاقتصاد الخاص بها، فبهذا تقلل من القيمة الشرائية للعملة وترتفع أسعار المواد للمستهلك، وهذا ما ينتج عنه “التضخم”، حتى تصبح عملة الدولة فاقدةً للقيمة، مقابل باقي العملات الأجنبية، و مجرد ورقة لا قيمة سوقية لها.
وفي السياق ذاته، حدثت تلك الحالة في زيمبابوي، بحيث وصل التضخم فيها إلى ستة آلاف مليار، وتم طباعة عملات فئة 100 مليار، وتم توزيعها على المواطنين، فحدث فيها تضخم بشكل غريب و اضطرت الدولة إلى الإستغناء عن عملتها، ما دفعها لتداول عملة دولة أخرى.