جميعنا يعرف درب التبانة وأهميتها في الفضاء ولكن هل سمعتم بسديم الجبار؟ هو مصنع النجوم الوليدة ومصدر مادتها وهو يرى بالعين المجردة وذلك بسبب قربه من الأرض ومساحته الكبيرة ويتميز بسطوع شديد حيث يقع وسط نجوم كوكبة الجبار.
يعتلي سديم الجبار قائمة أهداف الرصد التي يُرجى لها أن تساعدنا في فهم تكون النجوم، ويرجع ذلك لقربه النسبي منا، إذ يبعد 1344 سنة ضوئية. وعلى الرغم من تحديق العلماء المستمر في ذلك السديم منذ اكتشافه رسميًا عام 1610، فإننا لم نكشف بعد أسراره كلها.
نتطلع في الوقت الحالي لما سيكتشفه لنا أحد أقوى التلسكوبات التي شهدها العالم.
يصف علماء الفلك الصور الواردة من تليسكوب جيمس ويب بأنها الأكثر دقة و وضوحًا حتى الآن. ومع أن الدراسات لم تنته بعد، فإننا نتوقع اكتشاف أشياء جديدة ومثيرة عن تلك المنطقة الرائعة من مجرتنا.
تقول عالمة الفيزياء الفلكية إيلس بيترز من جامعة ويستيرن الكندية: «إننا مذهولون من صور سديم الجبار المدهشة. وبدأنا هذا المشروع عام 2017، لذلك انتظرنا خمسة أعوام كاملة لنتوصل إلى تلك المعلومات».
وتوضح: «توفر تلك المشاهدات الحديثة رؤيةً أفضل لنا حول طريقة ولادة النجوم العملاقة من سحب الغاز والغبار. إذ تصدر النجوم العملاقة حديثة التكوين كميات كبيرةً من الأشعة فوق البنفسجية مباشرةً داخل السحب التي ما زالت تحيط بها، وهو ما يغير شكل السحب وتكوينها الكيميائي. ولكن ما زلنا لا نعلم بعد كيف تتفاعل معًا، وكيف تؤثر في تكوينات النجوم والكواكب».
تعتمد عملية نشأة النجوم الوليدة على الغاز والغبار. وتُولَد النجوم من كتل الغاز والغبار التي تنهار بسبب الجاذبية، وتبدأ بتجميع المادة من السحب المحيطة، وتُشكل قرصًا بسبب دوران النجم حول محوره.
يصعب رصد تلك العملية بسبب طبيعتها؛ فكميات الغاز والغبار الكبيرة تحجب الضوء من الوصول إلينا، فلا نعلم ما يحدث في الداخل بالتفصيل.
كلما زاد الطول الموجي للأشعة تحت الحمراء، زادت قدرتها على اختراق سحب الغبار، وهذا بالضبط ما يستخدمه تليسكوب جيمس ويب للرصد، ما يمنحنا الآن فرصةً كبيرةً لرؤية مناطق كانت رؤيتها مستحيلة بأطوال موجية أقصر مثل الضوء المرئي. ولهذا، يتحمس العلماء كثيرًا لاستخدام التلسكوب في دراسة تكّون النجوم وتعلّم تفاصيل جديدة عن العملية التي كانت عصيةً على الرصد حتى الآن.
تركز الصور الجديدة على ما يسمى حزام سديم الجبار، الممتد قُطريًا من أعلى اليسار إلى أسفل اليمين. ويُضاء المشهد من أعلى اليمين بالضوء الصادر من تجمع نجمي وليد يسمى عنقود المعين Trapezium cluster، وتعمل الأشعة فوق البنفسجية المؤينة والقاسية على تآكل حزام الجبار ببطء.
تلك واحدة من العمليات التي يسميها العلماء التغذية العكسية، وتحدث وقتما تدفع الرياح أو الإشعاع المادة بعيدًا، ما يقلل أو يصغر من حجم النجم المتكون. وتنشأ أيضًا أشكال وتكوينات معقدة داخل السحابة الجزيئية، منها الشعيرات والتجاويف التي رُصدت بالفعل في الصورة الجديدة.
من الأجرام الأخرى الموجودة في الصورة، الكريات الصغيرة globules، وهي تجمعات كثيفة من المادة تحوي نجومًا وليدة، إضافةً إلى نجم حديث يزداد حجمًا محاطًا بقرص من المادة. ويتبخر القرص من الخارج بسبب إشعاع النجوم في عنقود المعين. واكتشف قرابة 180 قرصًا كوكبيًا متأينًا في سديم الجبار.
أكثر النجوم لمعانًا في الصورة يسمى θ2 Orionis A، وهو جزء من نظام متعدد النجوم بالقرب من عنقود المعين يسمى θ1 Orionis. والمدهش أكثر أن θ2 Orionis A هو نفسه نظام ثلاثي النجوم.
على الرغم من شدة لمعان النجم θ2 Orionis A في صورة جيمس ويب، فلا يُرى بالعين المجردة إلا في أماكن قليلة حول العالم، وهي الأماكن التي لم تتأثر بعد بالتلوث الضوئي. ومع ذلك، فالنجم شديد الحرارة يلمع 100000 مرة ضعف الشمس.
يقول عالم الفلك أوليفر بيرنيه من معهد علوم الفيزياء الفلكية والفضاء في فرنسا: «نستطيع رصد عدة خيوط عالية الكثافة. وقد تسهل تلك التجمعات تكون أجيال جديدة من النجوم في المناطق العميقة من سحابة الغبار والغاز. إذ تظهر بالفعل عدة أنظمة نجمية تحت التكوين».
ويضيف: «نشاهد النجوم الوليدة في سديم الجبار وهي ما تزال محاطةً بقرص، أي سحابة الغاز والغبار التي تمدها بالمادة. وتظهر بوضوح الفراغات الصغيرة التي سببتها النجوم حديثة النشأة بفعل الإشعاع الكثيف والرياح النجمية».
نأمل أن تخبرنا الدراسات المتعمقة المزيد عن العمليات المتعددة والمختلفة التي نراها في تلك الصورة. ويبدو أن نظامنا الشمسي قد نشأ بطريقة مشابهة لما يحدث في سديم الجبار. ولذلك، فالأبحاث المستقبلية قد تكشف لنا جانبًا من عملية ولادة الشمس، وعن الغبار النجمي الذي كون الأرض وباقي كواكب المجموعة الشمسية.
تقول عالمة الفلك إيميلي هابارت من معهد علوم الفيزياء الفلكية والفضاء: «لم نتمكن من قبل من مشاهدة التفاصيل الغامضة لتشكل المادة بين النجمية تحت تلك الظروف، ومن فهم طريقة تكوين الأنظمة الكوكبية في وجود إشعاعات عالية للغاية. وتكشف هذه الصور أثر المادة البينجمية في الأنظمة الكوكبية».
ولا ندري مستقبلاً ماقد نرى مع تطور العلم وتطور هذه التلسكوبات التي جعلت الفضاء قريباً.
المصدر: أنا أصدق العلم