مع أنه مليء بمليارات النجوم المضيئة ..لماذا يبقى الفضاء مظلماً؟
هذا السؤال ربما قد راود حتى الطفل الصغير، غير أن جوابه ليس سهلاً كما يبدو في بداية الأمر، فقد احتار بسببه العلماء والفلكيين لمئات السنين.
مجرة بعدد لا ينتهي من النجوم المضيئة!
يتكون الكون مِن 100 مليارِ مجرةٍ، وتتألف كل مجرة من مليارات النجوم التي تضيء مثل اللهب.
فتحتوي مجرة درب التبانة بشكل تقديري على 200 مليار نجم، بعضها بحجم شمسنا وبعضها أكبر بملايين المرات.
تبدو في الليالي الصافية بشكل نجومٍ في السماء؛ ولهذا ينبغي أن تكون الليلة الحالكة السواد مضيئة كوضح النهار، فماذا يحدث بالضبط في الفضاء؟
حسب نظرية العالم الفلكي الألماني هاينريش فيلهلم أولبرز التي تنص بأنه إذا كان الكون أزلي ولا نهاية له حقاً، فستكون في نهاية المطاف قادراً على رؤية نجمة ما من بين مليارات النجوم.
لكنك لن تقدر على رؤية المجرات كما يفعل العلماء مستخدمين أجهزتهم.
أي كمساحة كبيرة فارغة سترى النجوم القريبة في مجرتنا وأيضاً النجوم البعيدة في المجرات المجاورة لنا، وحتى لو سافرت لملايين أو مليارات السنين الضوئية، فلا بد أن ترى نجمة في النهاية.
حيرة العلماء من ظلمة الفضاء
مجرة درب التبانة
احتار كثيراً من العلماء منذ مئات السنين بتفسير سبب ظُلمة السماء رغم وجود جميع هذه النجوم المضيئة ومنهم يوهانس كيبلر (Johannes Kepler) وإدموند هالي Edmond Halley.
لكِنَ تنسب مفارقة أولبرز Olbers’ paradox او مفارقة السماء المظلمة إلى الفلكيَ الألماني هاينريش فيلهيلم أولبرس (Heinrich Wilhelm Olbers).
إذ تساءل أولبرس إذا كانَ الكونُ أزلي وغير محدود الاطراف وفيه عدد لا نهائي من النجوم القديمة بقدم الكون نفسه، فلماذا الضوء الساطع من هذه النجوم لا يضيء الفضاء.
إذا كان ذلك صحيحاً فيجب أن تكون سماء منتصف الليل مشرقة كالنهار.
لقد حاول بعضاً من علماء القرن التاسع عشر تفسير هذهِ المُفارقة معتمدين على نظرية تنص على أن سُحُبَ الغُبارِ الكوني الموجودة بين النجوم تمتص إشعاع الضوء القادم من هذه النجوم.
مما يسبب عدم وصول الضوء إلينا على الأرض.
لكن هذه الفرضية كانت مجرد كلام فارغ لسبب واحد وهو أنه إذا افترضنا جدلاً أنها صحيحة لكانت هذه السحب امتصت الضوء على مدى مليارات السنين لتصبح هي نفسها ساخنة و مشعة بنفس إشعاع النجوم.
وعليه يصبح الفضاء أكثر اضاءة وتوهجاً وهو ما يناقض الفرضية ويهدمها .
الجواب الأقرب للصواب لظلمة الفضاء
من الأجوبة المنطقية لهذه المفارقة الغامضة هو فرضيتين:
تنص الفرضية الأولى على أن الضوء في الحقيقة موجود في الفضاء ولكن العامل الفارق هو أنه لا ينكسر ولا يتشتت كما يحدث على كوكب الأرض،
فالنهار على كوكبنا يحدث بسبب أن أشعة الشمسة عندما تصل للغلاف الجوي الأرضي تتشتت وتنتشر في كل أنحاء الجو فتشكل ضوء النهار.
لكن في الفضاء يختلف الأمر بشكل جذري فلا يوجد ما يكفي من المادة لتسبب تشتيت ضوء النجوم وذلك بسبب وجود الفراغ الكبير في الفضاء .
ووجدت الفرضية الثانية بعد أن قام العلماء بالاستغناء عن فكرة الكون الازلي في نهاية القرن التاسع عشر وأقرّوا أن للكون بداية تم تقديرها بشكل فردي.
فقد قام اللورد كيلفن بالبرهان رياضياً على أن كونًا ذو عمرٍ محدود مثل كونِنا يَجبُ أن يكونَ مُظلمًا.
فللكون المحدود نقطة بدايةٍ مثل أي شيء آخر فهو ولد نتيجةَ انفجارٍ هائل BIG BANG قبل 13.8 مليار عام، ولازال يتمدد حتى الآن،
وبسبب هذا التمدد الكوني فالمجرات وكل الأجرام السماوية تَتحركُ كل ثانية مبتعدةً عنا، ويؤثر هذا التمدد على كل شيء منها الضوء .
النجوم البعيدة قد تكون ميتة الآن
يعود ظلام الفضاء لعدم وجود مادة كافية فيه مقارنة بالفراغ فعندما ترى نجم في الفضاء وبافتراض أن هذا النجم يبعد عنا ألف سنة ضوئية.
فما تراه فعلياً هو الضوء الذي صدر عن النجم قبل ألف سنة، وبسبب التمدد الحاصل بشكل متسارع، فالضوء الذي صدر عن ذلك النجم أول مرة بحاجة لقطع مسافة ألف سنة ضوئية ليتمكن من الوصول إلينا.
فلهذا السبب فإن ضوء ذلك النجم بقي يتضائل شيئاً فشيئاً لبعد المسافة بيننا ، وربما لأنه قد انفجر في الفضاء البعيد الآن نحن لا نستطيع رؤية الانفجار إلا بعد الف سنة من حدوثه.
وهي المسافة التي سيحتاج ضوء الانفجار أن يقطعها كي يصل إلينا، وهذا ما يطلق عليه اسم “استحالة التواقت”.
