ترجع روائح العطور عادة إلى أنواع مختلفة من الأزهار كعطر التوليب وعطر الياسمين أو إلى روائح فواكه جميلة كرائحة الرالف لورين وعطرالفيرساتشي الجميل الذي يحمل رائحة مختلطة من التفاح والنعناع..
ولكن بعد كل هذه الروائح الفواحة والعطرة علينا أن نعرف أن هناك مادة باهظة الثمن تدخل في تركيب العطور وهي بعيدة كل البعد عن الجمال والرقة المذكورين سابقاً وهي العنبر فعلى الرغم من كون الإسم يستلهم الفخامة، فإن العنبر بعيد كل البعد عن كونه جميلا.
في الواقع إن العنبر عبارة عن قيء الحيتان بكل بساطة.
حيتان العنبر
قبل مدة طويلة من وصول العنبر إلى قنينات العطور الباهظة على غرار عطر (شانيل نمبر 5)، فهو يكون في حالته الطبيعية، أي على شكل مادة لزجة متلاصقة تنتج في داخل جدران أمعاء حيتان العنبر.
يعتبر مصدر العنبر الوحيد هو حيتان العنبر حصرا، على الرغم من كون العلماء ليسوا متيقنين تماما حول السبب وراء ذلك، لكن أكثر الاعتقادات والتفسيرات شيوعا يتركز في كون العنبر يستعمل لتغليف الأغراض الصلبة والحادة التي يلتهمها حوت العنبر على غرار مناقير الحبار، مما يجعلها سهلة للهضم أكثر.
وعلى الرغم من كونه يشاع على أنه عبارة عن قيء الحيتان، إلا أنه يغادر أحشاء الحيتان أحيانا من فتحاتها الشرجية، مما يجعله برازا كذلك.
عنبر في إناء، ويمكننا ملاحظة أنه عبارة عن مادة صلبة تشبه الصخر.
بمجرد خروجه من أحشاء الحوت، يطفوا هذا العنبر ذو اللون الرمادي المائل للإسوداد أو اللون الأسود القاتم فوق المياه، وتشتد صلابته مع مرور الوقت، وفي نهاية المطاف يجرفه المد إلى الشواطئ حيث يعثر عليه غالبا بعد سنوات من مغادرته ”بطن الحوت“.
في أكثر أشكاله نقاوة؛ تكون لدى العنبر عادة رائحة براز بحرية، غير أنه بعد مرور الوقت وباشتداد صلابته؛ يكتسب عبقا أرضيا جميلا.
من النادر جدا العثور على هذه المادة ذلك أنها تشبه كثيرا الصخور على الشواطئ، كما أنه من المستحيل تقريبا تحديد مكانها عندما تكون تطفو في البحر، وبسبب ندرتها؛ قد تصل أسعار بيع مادة العنبر إلى آلاف الدولارات مقابل أونصة واحدة، في الواقع في سنة 2016، عثر زوجان بريطانيان على كتلة من العنبر قدر ثمنها بـ70 ألف دولار.
كيف انتهى المطاف بهذه المادة إلى مصانع العطور؟
اكتشفت أرقى مؤسسات إنتاج العطور الأوروبية استعمالا آخرا لفضلات الحوت هذه، وذلك كمادة رابطة في صناعة العطور، حيث يساعد وجود العنبر في مكونات العطور على بقاء العطر لفترة أطول بملازمته لجلد المتلقي، كما كان يساعد على المحافظة على رائحة العطر قوية مع مرور الوقت، وقبل زمن طويل، كان أثرياء أوروبا يدفعون أموالا طائلة مقابل حصولهم على عطور يدخل العنبر في تكوينها.
حتى قبل أيامنا هذه بقرون عديدة، كان العنبر يستعمل كعطر من طرف المصريين القدماء، وكطريقة لتغطية رائحة الموت من طرف الأوروبيين في العصور الوسطى خلال زمن الطاعون الأسود.
كان المؤلف والروائي (هيرمان مالفيل)، الذي ألف (موبي ديك) Moby Dick، قد كتب أنه: ”يجب على نخبة القوم من النساء والرجال أن يمتعوا أنفسهم بمستخلص عثر عليه في أحشاء الحيتان المصابة بالغثيان“.
كتل من مادة العنبر.
وذلك ما كان أولئك في تلك الحقبة يقومون به بالذات، وبتعاظم الطلب على المنتوج، تعاظم كذلك الجدل الذي أحاط به، حيث ازدهرت تجارة وصيد حيتان العنبر خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر مما وصل إلى حد اصطياد خمسة آلاف حوت كل سنة، ومنه بدأت أعداد هذه الحيتان في الانخفاض بسرعة كبيرة.
على الرغم من أنه من المستحيل تقنيا استخلاص العنبر من داخل الحوت مباشرة -حيث كان يتعين أن يلفظه الحوت بنفسه على شكل فضلات أو قيء- إلا أن أولئك المعارضين لصيد الحيتان مارسوا ضغوطهم كذلك على تجارة العنبر، مؤكدين على أنها ساهمت في القتل الكثيف الذي كانت تتعرض له هذه الحيتان.
نتج عن هذا الجدل قانون يجرم الاتجار بعنبر الحيتان في كل من أستراليا والولايات المتحدة الأمريكية، وذلك كجزء من قانون يحمي الأنواع المهددة بالإنقراض.
انتقلت معظم شركات إنتاج العطور إلى عنبر صناعي له نفس الفوائد تقريبا، إلا أنه في أماكن حيث ازدهرت صناعة العطور على غرار المملكة المتحدة وفرنسا، بقيت تجارة عنبر الحيتان شرعية ولم يتم تجريمها.
لذا، وفي المرة القادمة التي تضع فيها أحد عطورك المفضلة باهظة الثمن، على غرار (شانيل) أو (جيفنشي)، تذكر أن تلك الرائحة الجميلة، وذلك العبق الرائع كان أصله في أحشاء أحد الحيتان التي شعرت بالغثيان في يوم ما.
المصدر: دخلك بتعرف