غير مصنف

مثل البطانية ..”جلد حي” يحمي سور الصين العظيم فماذا يقصد العلماء بهذا المصطلح؟

“جلد حي” يحمي سور الصين العظيم.. ماذا يقصد العلماء بهذا المصطلح؟

لطالما اعتُقد أن الأجزاء الترابية من سور الصين العظيم، التي بنيت من خلال ضغط المواد الطبيعية بالتربة، تُشكّل نقطة ضعف في هيكلها.

لكن دراسة جديدة وجدت أنّ هذه المساحات من المعلم الشهير طورت خط دفاع طبيعي ضد خطر التدهور الذي يلوح في الأفق.

وأوضح عالم بيئة التربة ماثيو بوكر، أحد مؤلفي الدراسة التي نُشرت بمجلة Science Advances في 8 ديسمبر/كانون الأول، إنّ أسطح التربة على سور الصين العظيم مغطاة بـ”جلد حي” من النباتات الصغيرة والكائنات الحية الدقيقة التي لا جذور لها، والمعروفة باسم القشريات الحيوية التي تعد مصدرًا لقوة بقاء المعلم التراثي .

وقال بوكر، الأستاذ المساعد في جامعة شمال أريزونا، لـCNN، إنّ “(القشريات الحيوية) شائعة في تربة المناطق الجافة في جميع أنحاء العالم، لكننا لا نبحث عنها عادة بالهياكل التي بناها الإنسان”.

وكانت الدراسات السابقة توصّلت إلى أن القشور الحيوية للأشنة والطحالب تشكل تهديدًا مدمرًا للهياكل الحجرية التراثية الحديثة، بسبب الآثار طويلة المدى للمجتمعات الميكروبية على القيمة الجمالية، وإنتاج الأحماض وغيرها من المستقلبات، وتغيير البيئات الدقيقة التي قد تسبب التآكل والتجوية الصخرية. وقد أدت هذه النتائج إلى إزالة النباتات التي تنمو على الجزء العلوي من أجزاء من سور الصين العظيم.

لكن وفقًا للورقة البحثية الجديدة، فإنّ تأثيرات القشور الحيوية تبدو مختلفة بالنسبة للمعالم الأرضية، كما أن مجتمعات البكتيريا الزرقاء والطحالب تزيد في الواقع من استقرار سور الصين العظيم وتحسن مقاومته للتآكل.

ووجد مؤلفو الدراسة أنّ أكثر من ثلثي المنطقة مغطاة بالقشريات الحيوية، بعد فحصهم عيّنات مأخوذة من أكثر من 300 ميل (483 كيلومترًا) من ثمانية أقسام أرضية مدكوكة من الموقع الذي بُنِي خلال عهد أسرة مينغ بين عامي 1368 و1644. عندما قارن الباحثون ثبات وقوة العينات الموجودة في طبقات من القشرة الحيوية مع عينات من دون “الجلد الحي للأرض”، اكتشفوا أن العينات الأولى كانت أقوى بثلاث مرات من تلك التي لا تحتوي على قشور حيوية.

ولفت المؤلف المشارك في الدراسة بو شياو، أستاذ علوم التربة في جامعة الصين الزراعية إلى أنهم “اعتقدوا أن هذا النوع من النباتات كان يدمر سور الصين العظيم. غير أنّ نتائجنا تظهر خلاف ذلك. فالقشريات الحيوية تنتشر على نطاق واسع جدًا على سور الصين العظيم، ووجودها مفيد جدًا لحمايته”.

“مثل بطانية”

وتتألف هذه القشريات الحيوية من مكوّنات مثل البكتيريا الزرقاء، والطحالب، والفطريات، والأشنة، وتعيش في التربة السطحية للأراضي الجافة. يمكن أن تستغرق مجتمعات النباتات الصغيرة والكائنات الحية الدقيقة، التي تغطي نحو 12% من سطح الكوكب، عقودًا، أو أكثر، كي تنمو.

ومن خلال تشكيل أنظمة بيئية مصغرة، تعمل القشور الحيوية على تثبيت التربة، وزيادة احتباس الماء، وتنظيم تثبيت النيتروجين والكربون.

وهي قادرة على القيام بذلك جزئيا بفضل الكتلة الحيوية الكثيفة، التي تعمل بمثابة “طبقة مضادة للتسلل” لمسام التربة، في ظل الظروف المناسبة، فضلّا عن الامتصاص الطبيعي للعناصر الغذائية التي تعزز تلف الملح. وتتشابك أيضًا الإفرازات والطبقات الهيكلية للقشريات الحيوية، فتشكل “شبكة لزجة” من جزيئات التربة المتراكمة التي تعزّز القوة والاستقرار المضاد للقوى المسببة للتآكل التي تهدد سور الصين العظيم، وفقًا للدراسة الجديدة.

ووجد الباحثون أن الظروف المناخية، ونوع البنية، ونوع القشرة الحيوية، تلعب جميعها دورًا في الوظيفة الوقائية للقشرة الحيوية، حيث أنّ انخفاض قابليتها للتآكل “أكبر بكثير” من خطر تعرّضها للعوامل الجوية.

ومقارنة بالأرض المدكوكة العارية، أظهرت الأجزاء المغطاة بالقشرة الحيوية للبكتيريا الزرقاء والطحالب والأشنة في سور الصين العظيم الحد من المسامية، والقدرة على الاحتفاظ بالمياه، وقابلية التآكل، والملوحة، بنسبة تصل إلى 48%، فيما تزيد قوة الضغط، ومقاومة الاختراق، وقوة القص والركام. الاستقرار بنسبة تصل إلى 321%.

وبين المجموعة التي خضعت للفحص، وجد الباحثون أنّ القشور الحيوية الطحلبية هي الأكثر استقرارًا.

وقال شياو: “(القشريات الحيوية) تغطي سور الصين العظيم مثل البطانية التي تفصل السور العظيم عن الهواء، والماء، والرياح”.

وأشار إلى أن القشور الحيوية، التي تعمل على إبعاد المياه ومنع تراكم الأملاح، تقاوم التجوية الكيميائية، وتنتج مواد تعمل بمثابة “غراء” لجزيئات التربة كي تترابط معًا ضد التشتت، ما يجعل خصائص التربة أقوى.

ما دور Biocrusts في مستقبل غامض

تبدأ معظم المجتمعات التي تشكل القشرة الحيوية من كائن حي واحد ينمو ويجعل البيئات التي ينمو فيها ملائمة لأخرى. وقال إيمانويل ساليفو، الأستاذ المساعد في جامعة ولاية أريزونا الذي يدرس الحلول القائمة على الطبيعة للهندسة المستدامة، إنه رغم أنها لا تزال عرضة لآثار تغير المناخ، فمن المتوقع أنهذه الكائنات الحية المتطورة باستمرار وتنشر آليات داخلية للتكيف مع الظروف المتطرفة مستقبلًا.

وقال ساليفو، غير المشارك في الدراسة الجديدة، إن هذه القدرة المتأصلة على التكيف تجعل من القشريات الحيوية منافسًا عظيمًا للتدخلات القائمة على الطبيعة، لمعالجة الحفظ الهيكلي في عالمنا الذي تزداد فيه درجات الحرارة ارتفاعًا.

وقال: “حتى لو كانت درجات الحرارة لدينا أكثر دفئا، فإنها بالفعل مناسبة للأداء في تلك الظروف. نحن نفترض أنها ستكون أكثر قدرة على البقاء إذا قمنا بتصميم نموها على نطاق واسع”.

وقد أدت دورات التآكل بفعل الرياح، وتساقط الأمطار، والتملح، ودورات التجميد والذوبان إلى تصدع وتفكك الهياكل التي تمتد لآلاف الأميال، والتي تربط سور الصين العظيم ببعضه، وهو معرض لخطر التدهور الشديد والانهيار. وقد يؤدي ارتفاع درجات الحرارة وزيادة هطول الأمطار أيضًا إلى انخفاض غطاء القشرة الحيوية للجدار.

رغم ذلك، ما برحت صناعة البناء والتشييد منقسمة بقوة حول إمكانات المحافظة التاريخية على القشريات الحيوية، وفقًا لساليفو.

وأوضح أنّ “الفكرة التقليدية تتمثل بأن النمو البيولوجي ليس جيدًا بالنسبة للهياكل. إنه يؤثر على الشكل الجمالي، ويؤدي إلى التدهور، ويؤثر على السلامة الهيكلية الشاملة. ومع ذلك، أضاف ساليفو أن هناك نقصًا في الأبحاث الملموسة التي تدعم هذه الاستنتاجات، مشيرًا إلى أن ’هيئة المحلفين‘ ما زالت غير متأكدة من ذلك”.

ويرى ساليفو أن الدراسة الجديدة تقدّم دليلًا على المزايا المحتملة للقشريات الحيوية الهندسية للحفاظ على مواقع التراث الأرضي، رغم أنّ هذا لا يزال مجالًا ناشئًا. وقال ساليفو إن البحث يثبت أن المجتمعات الطبيعية من النباتات والكائنات الحية الدقيقة “لديها القدرة على تحسين السلامة الهيكلية، وإطالة عمرها، وإمداد الهياكل الترابية بالمتانة مثل سور الصين العظيم”.

المصدر: CNN Arabic

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى