انتشرت في بريطانيا، سابقاً ، ظاهرة غريبة، تدعو لدهشة كلّ من يمرّ بها أو يراها، لقد كان السكان يغلقون نوافذ منازلهم بالإسمنت بشكل كامل!
ما الذي كان يجعلهم يفعلون ذلك؟.. وما سبب هذه الظاهرة الغريبة.
في مطلع عام 1696 ظهر قانون غريب في بريطانيا، إنه قانون جباية الضرائب تبعاً لعدد النوافذ في البناء أو المنزل، المخيب لآمال السكان وقتها فقد كانت تزداد الضريبة بازدياد عدد نوافذ المنزل.
لذلك كان فتح النوافذ في الأبنية أو المنازل أمراً مكلفاً آنذاك، حيث كان الأغنياء يملكون منازل فارهةً مع عدد نوافذ كبير، وبالتالي كان يتوجب عليهم دفع ضريبة أكبر من غيرهم، أما أفراد الطبقة الفقيرة فقد كانوا يعيشون في بيوت أصغر ذات نوافذ أقل.
يمكننا أن نستنتج من ذلك، أن الأغنياء كان عليهم الجزء الأكبر من تلك الضريبة، ويدفع الفقراء مبلغاً أقل منهم، ولجعل هذا النظام الضريبي أكثر فعالية، ومن أجل إعفاء الفقراء منه، تم إعفاء المنازل التي تحتوي على 10 نوافذ أو أقل.
بناء بنوافذ مغلقة بالطوب في مدينة Bath البريطانية – صورة: Jo Folkes/Flickr
وفي المدن الكبيرة كانت تعيش العديد من العائلات الفقيرة في أبنية كبيرة بنوافذ عديدة، مما كان سبباً في ضعف فعالية الضريبة المذكورة.
صحيح أن بقية الضرائب كان يدفعها مالك العقار ولكنه كان يفرض على المستأجرين دفعها بحجة أنهم هم من يستفيد من ضوء الشمس، مما أضعف من فعالية الضريبة وفتح مجال المناقشة في أمرها، لأن الفقراء كانوا يدفعون ثمن الإيجار أولاً ثم الضريبة على النوافذ ثانياً وهو الأمر الذي أثقل كاهلهم.
ومنه أصبح المستأجرون من الفقراء يبحثون عن بنايات ذات نوافذ أقل وبالتالي إضاءة أقل وتهويةً أقل أيضاً.
كما فشل هذا التشريع بتحديد ماهية النافذة بدقة مما سمح لهواة جمع الضرائب بفرض ضريبة على أي شيء يشبه ولو بشكل تقريبي النافذة، من بين ذلك نوافذ المخازن الصغيرة المثقبة وغيرها، مما أدى لاستياء الكثير من فئات المجتمع.
كان الروائي الإنكليزي المعروف (تشارلز ديكنز) هو من بدأ بالتعبير عن استيائه من هذه الضريبة، ففي عام 1850 كتب حولها في مجلة Household التي كانت تصدر آنذاك، فقال: ”أصبحت مقولة ’مجاناً كالهواء‘ مقولةً غير قابلة للتطبيق في بلدنا بموجب تصرفات البرلمان، فلا الهواء ولا الضوء أصبحا مجانيين بعد فرض ضريبة النوافذ، نحن ملزمون بدفع ثمن أمور تقدمها الطبيعة لنا بسخاء ومجاناً للجميع، وهذا عبء كبير على الفقراء الذين لا يستطيعون تحمل كل هذه النفقات وخصوصاً نفقات أكثر أساسيات الحياة ضرورةً: الهواء والضوء“.
بناية بنوافذ مغلقة بالطوب في مدينة GreenWich في بريطانيا – صورة: fakey/Flickr
مبنيان مغلقا النوافذ – صورة على اليمين Kim Traynor/Wikimedia وعلى اليسار Whitesteps/Wikimedia
مبنى مغلق النوافذ – صورة: littlestar19/Flickr
كانت ضريبة النوافذ مجرد واحدة من عشرات الضرائب السخيفة التي فرضتها الحكومة البريطانية وتفننت في انتقائها بغرض جمع أموال الشعب، فعلى سبيل المثال كانت هناك ضريبة أخرى هي ضريبة الطوب، حيث كانت الضريبة تحتسب بناء على عدد أحجار الطوب التي بُني بها المبنى.
وُجدت هذه الضريبة خلال عهد الملك (جورج الثالث) في عام 1784 للمساعدة على دفع رسوم تكاليف الحرب التي كانت تخوضها بريطانيا في المستعمرات الأميركية، وكذلك تمكن الناس من التلاعب بهذه الضريبة من خلال زيادة أحجام أحجار الطوب المستخدمة في البناء، فبدل أن يكون البناء مكونا من 1000 حجر طوب صغير أصبح مكونا الآن من 500 حجر كبير على سبيل المثال.
ضريبة أخرى هي الضريبة التي فُرضت على المداخن (الشومينيهات)، فكلما كان المنزل يحتوي على مداخن أكثر كلما زادت الضريبة، مما دفع الناس أيضاً للتلاعب بهذه الضريبة من خلال تقليل عدد المواقد والمدافئ وأيضاً الانتقال للعيش في بيوت صغيرة لا تحتوي أحياناً على أي مدفأة، ورغم كل هذا الأمر كانت ضريبة النوافذ هي أكثر ضريبة استمرت لمدة طويلة وأكثرا إثارة للاستياء الشعبي.
يمكنك اليوم رؤية ما خلفته هذه الضرائب من خلال التجول في مختلف أنحاء المدن الإنجليزية حيث ستجد بيوتاً وأبنية قديمة فيها العديد من النوافذ المغلقة بالطوب (كانت مفتوحة ولكنها أُغلقت بعدما تم فرض هذه الضريبة في محاولة لتخفيف حجمها).
حقيقة إضافية:
اقتبس مصطلح ”سرقة في وضح النهار“ من هذه الضريبة لأنها كانت تدفع الناس لإغلاق نوافذهم وهي تكون بذلك في جوهرها تسرق ضوء النهار منهم بطرق غير شرعية، لكن هذا المصطلح لم يستخدم بشكل صريح ويطبع في الصحف قبل عام 1916، كما لم يتم ربطه بتلك الضريبة الجائرة.
رسم كاريكاتوري ساخر بعنوان ”ثورة الكواكب على ضريبة النور“ وذلك رداً على جباية ضريبة النوافذ التي تم فرضها في عام 1696.
عائلة تتطلع بشغف لرؤية نور الشمس وذلك بعد أن تم إلغاء هذه الضريبة، رسم كرتوني من صنع (ريتشارد دويل) في عام 1754.
منزل في مدينة Gillingham في بريطانيا – صورة: Bitofapilchard/Flickr
تشريعات غريبة كان يعاني منها السكان في تلك الحقبة، منها ما سجّل نجاحاً حينها، ومنها ما باء بالفشل.