منوعات

قصة رائد الفضاء الذي لم يتمكن من العودة إلى الأرض وعلق في الفضاء 3 أشهر والسبب: انهيار الاتحاد السوفييتي

قصة رائد الفضاء الذي لم يتمكن من العودة إلى الأرض وعلق في الفضاء 3 أشهر والسبب: انهيار الاتحاد السوفييتي

لم يكن رائد الفضاء السوفييتي سيرغي كريكاليف يتوقع أن رحلته عبر محطة “مير” الفضائية، ستكون آخر رحلة له وهو يحمل الجنسية السوفييتية، بعد أن علق في الفضاء لمدة تقارب السنة، بسبب انهيار الاتحاد السوفييتي، سنة 1991.

ففي الوقت الذي كان ينوي فيه قضاء 5 أشهر فقط في الفضاء، من أجل إتمام مهمته البحثية هناك، أصبح غير قادر على العودة إلى الأرض، لأنه لا ينتمي إلى أي دولة، وكان من الصعب أن تقوم أي دولة أخرى بالتكفل بمصاريف عودته المرتفعة، والتي فرضتها كازاخستان، التي استولت على قاعدة “بايكونور” الفضائية، الموجودة على أراضيها.

انهيار الاتحاد السوفييتي وبقاء سيرغي كريكاليف في الفضاء

انطلق رائد الفضاء سيرغي كريكاليف، البالغ من العمر 34 عاماً، في رحلته إلى محطة “مير” الفضائية، (تعرف حالياً بمحطة الفضاء الدولية)، من قاعدة بايكونور الفضائية في كازاخستان، يوم 18 مايو/آيار من سنة 1991، وإلى جانبه كل من السوفييتي كيب كانافيرال، والأوكراني أناتولي أرتسبارسكي، ثم هيلين شارمان وهي أول مواطنة بريطانية تسافر إلى الفضاء.

وبعد عدة أشهر، تمكن شركاء سيرغي من العودة إلى الأرض، فيما استمر هو في مهمته البحثية، بطلب من مركز التحكم؛ إذ كان من المفترض أن يعود بعد 5 أشهر مباشرة إلى بلده، كما هو الحال بالنسبة لجميع رواد الفضاء، إلا أن الأمر كان مختلفاً بالنسبة له.

في 26 ديسمبر/كانون الأول 1991، توصل سيرغي كريكاليف باتصال من الأرض، يفيد أن الاتحاد السوفياتي قد انهار، وأن عودته إلى كوكب الأرض غير ممكنة خلال الفترة الحالية، وطلبوا منه أن ينتظر لمدة شهر، إلى حين الوصول إلى حل.

وعلى بعد 350 كيلومتراً عن الأرض، أصبحت محطة “مير” الفضائية، التي تتسع لعيش 12 شخصاً بداخلها، موطناً لرائد الفضاء هذا، إلى حين إيجاد حل له، من أجل العودة، بالرغم من المخاطر الصحية التي من المحتمل أن تصيبه، بعد تخطيه الشهور الخمسة المحددة له.

إذ إنه كان، وجميع رواد الفضاء حينها، مدربين على قضاء خمسة أشهر على أبعد تقدير في المحطات الفضائية، والعودة بعد ذلك لتستمر بعثة أخرى في البحث.

كازاخستان تطلب مبالغ مالية خيالية لعودة رائد الفضاء العالق

من بين أكثر الأمور التي عقّدت عملية عودة سيرغي كريكاليف إلى الأرض هي سيطرة كازاخستان على قاعدة بايكونور الفضائية، وذلك في تاريخ 25 أكتوبر/تشرين الأول من نفس السنة، وفرضها مبالغ مالية خيالية من الدول التي انشقت عن الاتحاد السوفييتي، من أجل تمكن رائد الفضاء من العودة إلى الأرض، وكذلك قدرتها على استخدام هذه القاعدة من جديد.

إلا أن دفع المبلغ المقترح من كازاخستان كان أمراً غير ممكن، بسبب انخفاض القيمة السوقية للروبل السوفييتي بسرعة، وعدم تمكن أي من الدول الـ 15 من متابعة البرنامج العلمي الذي سافر من أجله سيرغي إلى الفضاء، الأمر الذي دفعه للانتظار، على أمل التوصل لأي خبر مفرح يفيد قدرته على العودة إلى الحياة الطبيعية من جديد.

وبالرغم من أن رائد الفضاء العالق في محطة “مير”، كان أمامه حل واحد للعودة إلى الأرض، وهو استخدام كبسولة عودة خاصة بحالات الطوارئ، متواجدة على متن المحطة الفضائية، لكنه قرر عدم الاستعانة بها، لأن الأمر يعني نهاية محطة “مير” الفضائية، لأن البحث لن يتم تسليمه لرائد فضاء آخر، من أجل استكماله؛ مما يؤدي إلى ضياع كل الجهود المبدولة من طرف كل من شارك في هذا البحث سابقاً.

البحث عن حلول لتسريع عودة سيرغي كريكاليف إلى الأرض

كان سيرغي كريكاليف مهدداً بعدة مخاطر، مع كل يوم إضافي يقضيه في المحطة الفضائية، من بين هذه الأخطار شبح ضمور العضلات، والتعرُّض للإشعاع، وارتفاع خطر الإصابة بالسرطانات، وضعف جهاز المناعة، واعتلال الدورة الدموية، لكنه كان ينتظر بالرغم من كل هذا.

وخلال هذا الوقت، أي بعد الشهور الخمسة التي كان من المفترض أن يقضيها في الفضاء، كانت روسيا تحاول إيجاد حلول لإنهاء هذا الوضع.

ومن بين هذه الحلول التي تم اقتراحها من طرف موسكو على كازاخستان، كان تعيينها لرائد فضاء كازاخي، وهو الأول على الإطلاق، الذي يتم اختياره من أجل المشاركة في الطاقم الفضائي الجديد الذي سوف يسافر إلى الفضاء لاستكمال رحلة البحث الخاصة عن محطة “مير”، وتسريع عملية عودة كريكاليف.

إلا أن هذا الحل لم يمكن مناسباً بالنسبة لرائد الفضاء الذي تم اقتراحه، وذلك لأنه لم يكن مستعداً لخوض مثل هذه التجربة، ولم يتلق تدريباً خاصاً من أجل السفر إلى الفضاء وقضاء مدة 5 أشهر هناك، مما يعني أن مدة تواجد كريكاليف في الفضاء ستطول أكثر.

العودة إلى الأرض بعد أكثر من 300 يوم في الفضاء

بعد قضائه 311 يوماً في الفضاء، وحسب تصريحاته لوسائل إعلام روسية، بعد عودته إلى الأرض، كان كريكاليف يتساءل حول ما إذا كان يجد نفسه قادراً على التحمل والعيش أكثر في الظروف الصعبة التي كان فيها، وإتمام مهمته الفضائية، ومواجهة المخاطر الصحية التي تواجهه، مشيراً إلى أنه كان يشك في ذلك مراراً.

وفي يوم 25 من شهر مارس/آذار سنة 1992، تمكن أخيراً سيرغي كريكاليف من العودة إلى الأرض، بعد أن قامت مهمة فضائية روسية ألمانية مشتركة، بشراء تذكرة عودته من كازاخستان، بمبلغ 24 مليون دولار، واستبداله برائد الفضاء الخاص بها كلاوس ديتريش فلايد.

وبعد أن هبط آخر مواطن سوفييتي على الأرض، بالضبط في مدينة أركاليك في كازاخستان، كان الأمر عبارة عن حدث كبير، تمت تغطيته من طرف العديد من وسائل الإعلام، التي رصدت رجلاً شاحباً، غير قادر على الوقوف، وحركته مختلة، يرتدي بدلة عليها علم الاتحاد السوفييتي، والحروف الأربعة التي ترمز له.

فيما كان كل شيء قد تغيّر من حوله، ومن بين أبرز هذه الأشياء هي راتب كريكاليف الذي أصبح الذي كان سابقاً يعتبر مرتفعاً جداً، ليجد أن سائق سيارة أجرة من الممكن أن يجني أكثر منه في اليوم الواحد، بسبب التضخم.

وقد حصل كريكاليف على الجنسية الروسية بعد عودته إلى الأرض، بعد أن عاش في نفس الأراضي التي كان يعيش فيها سابقاً، لكن تحت مسميات مختلفة، وحكم مختلف عن الذي اعتاده قبل سفره إلى مهمته الفضائية.

فيما شارك في عدة مهمات فضائية بعد ذلك، أولاها كان اكتشاف مكوك الفضاء STS-60، الذي تم إطلاقه في 3 فبراير/شباط من سنة 1994، واستمر في مهماته الفضائية المختلفة إلى غاية سنة 2005.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى