يجب أن يدور في خلد كل واحد منا عندما يشتري ملابس جديدة سؤال مهم جداً.
هل نحن فعلا بحاجة لهذه الأغراض أم أنها موضة جديدة و علينا إقتناءها و مجارات الناس في لبسها ؟!
لا نطرح هذا السؤال لغلاء سعر المنتج مقابل نوعيته الرديئة وموازنة مصاريفنا فحسب بل يدخل ذلك في موضوع أكبر بكثير و هو كواليس صناعة هذا المنتج في دور الأزياء و تأثيراتها الخطيرة على البيئة!
صناعة الملابس أكثر تلويثا للبيئة من صناعة الطيران وصناعة نقل البترول معا!
تعتمد بعض دور الأزياء الموضة السريعة و تغرق السوق بأطنان من الأقمشة المصنوعة من البوليستر الذي هو من مشتقات البترول غير القابل للتدوير و الفيزكوز الذي يؤدي إلى الاحتباس الحراري و كلها مواد مضرة بالبيئة و ينتج عنها تلوث الهواء و التربة فيما يحتاج القطن إلى كميات كبيرة جدا من المياه المهدورة.
حيث تستهلك صناعة الملابس كمية من المياه تكفي لتلبية احتياجات خمسة ملايين شخص سنويا، في الوقت الذي يتسبب نقص المياه النظيفة في وفاة أكثر من مليون ونصف طفل سنويا وفقا لليونيسف!
لا تقتصر عواقب صناعة الملابس على كم المياه المستهلكة، إذ تتسبب صناعة الأزياء والأحذية في العالم في 8% من انبعاثات غازات الدفيئة و هي غاز ثاني أكسيد الكربون و الميثان و ثنائي أكسيد النتروجين المتسببة في تفاقم ظاهرة الاحتباس الحراري، وفقا لتقرير “قياس الأزياء” الصادر عام 2018.
ولا يقتصر تأثير ظاهرة الاحتباس الحراري على ارتفاع درجات الحرارة فقط فهو يمتد إلى المحاصيل الزراعية، و التأثير على أنواعها وجودتها، كما ينتج عنها اندلاع حرائق الغابات، و تمتد تلك التأثيرات إلى الإضرار بصحة البشر.
لا يحتمل العالم المزيد من تلك التأثيرات.. فهل هناك حاجة حقيقية لمزيد من الملابس؟
تضاعف إنتاج الملابس بين عامي 2000 و 2015 وللأسف فإن مصير هذا الإنتاج ليس خزانات الملابس، بل مقالب النفايات؛ ففي كل ثانية يتم طمر أو حرق كم من الملابس يعادل شاحنة نفايات وفقا لتقرير صادر عن مؤسسة “إيلين ماكارثر” التي تعمل على تعزيز الموضة المستدامة أو الموضة الصديقة للبيئة .
الموضة السريعة في مقابل المستدامة
تعرف طريقة الإنتاج الذي يهدف لمضاعفة إنتاج الملابس- مهما كان الثمن- بالموضة السريعة، التي تعتبر السبب وراء انتشار صيحات موضة جديدة لفترات قصيرة ثم أفولها، وتهدف أيضا لزيادة استهلاكية الأفراد، ودفعهم لشراء ملابس جديدة بغض النظر عن حاجتهم لها، وهي صناعة سيئة السمعة فيما يتعلق بظروف العمل، وأجور العاملين، حيث تعتمد صناعة الملابس على الأيدي العاملة الزهيدة في دول العالم الثالث دون توفير بيئة عمل صحية.
وفي المقابل يحاول المهتمون بالبيئة استبدال تلك الموضة بالموضة المستدامة التي تشمل خيارات أكثر صداقة للبيئة، وترتكز بشكل أساسي على صناعة ملابس مستدامة تراعي الاعتبارات البيئية، ولا تقتصر فقط على صنع ملابس من أنسجة طبيعية مصدرها القطن أو الكتان،فدور الأزياء تسعى لإنهاء النفايات في صناعتها من خلال صناعة قطن مستدام وذلك بأخذ بقايا الثياب المستعملة و الجديدة الكاسدة و إعادة تدوير الألياف منها للحصول على ثياب مستدامة بصفر نفايات .
حتى النفايات البلاستيكية المستخرجة من النفايات البحرية دخلت اليوم في صناعة الأزياء الصديقة للبيئة !!
ولا ننسى مراعاة الموضة المستدامة لتحسين ظروف العمال في صناعة الأزياء، و الحفاظ على قطعة الملابس نفسها بطرق تضمن استعمالها لأطول فترة ممكنة، مع الحد من استهلاكية البشر للملابس، و استبدال شراء الملابس الجديدة بشراء الملابس المستعملة!!
صيحة الملابس المستعملة
كان فيلم “The True Cost” هو نقطة التحول في حياة اليوتيوبر والناشطة في مجال الموضة المستدامة نوران البنان، يناقش الفيلم تأثير الموضة السريعة على الكوكب والبشر وكان بمثابة جرس إنذار جعل نوران تتوقف عن شراء أي منتج تابع لشركات الموضة السريعة، ساهم في قراراها الأصدقاء الذين نصحوها بالتسوق من “الوكالة” السوق المصري الشهير لبيع الملابس المستعملة أو “البالة” بأسعار مخفض’ بالعمل مع ماركة للملابس المغزولة والمطرزة يدويا، لتبدأ رحلتها ليس فقط مع الموضة المستدامة كنمط حياة، لكن بنشر الوعي البيئي أيضا عبر صفحاتها على مواقع التواصل الاجتماعي وقناتها على اليوتيوب.
وتقول نوران البنان “الدافع وراء اهتمامي بالموضة المستدامة نابع من عدم تشجيع ماركات الموضة السريعة التي تضر البيئة، وتجبر العمال على ظروف عمل صعبة بأجور زهيدة، فضلا عن سوء منتجاتها” كما تحب نوران التميز الذي يمنحه لها شراء الملابس المستعملة مضيفة”لا أحد يرتدي مثلي، وكل قطعة متفردة”.
كما تعبتر أن رحلة البحث عن القطعة المناسبة بمثابة البحث عن كنز، وبرغم عدم استيعاب الكثيرين لفكرة الملابس المستعملة تهدف نوران لتشجيع عدد أكبر على تقبل الفكرة قائلة “هدفي تشجيع الناس على شراء المنتجات المصرية، والثياب المستعملة، ومحاولة إلغاء الأحكام الطبقية على الأشخاص بسعر ملابسهم وماركاتها، أيضا أحاول نشر الجمال والفن، وصنع محتوى هادف”.
وتوضح نوران خطوات اختيار القطع المستدامة ” أكثر القطع استدامة هي القطعة التي نملكها بالفعل، أولا علينا استخدام ما في خزانة ملابسنا، في المرتبة الثانية تأتي الثياب المستعملة، ثالثا الماركات المحلية وهي اختيار أفضل مئة مرة من الموضة السريعة”.
أما عن التحول الكامل لنمط حياة مستدام تشرح أنه يجب البدء بخطوات صغيرة لتجنب الإحباط ثم عمل قائمة بالقطع التي نحتاجها وعدم شراء أي قطعة خارج القائمة، ثم شراء المستعمل أو من الماركات المحلية، وأخيرا تنصح بمحاولة اكتشاف عالم الثياب المستعملة بالقراءة.
ليست نوران البنان هي الوحيدة التي تدعو لاستخدام الملابس المستعملة كطريقة لدعم الموضة المستدامة، فقد انتشرت العديد من الدعوات المماثلة مؤخرا، قادتها كاتبات محتوى على مواقع التواصل الاجتماعي، وساهمن في تحويل “الوكالة” من سوق شعبي إلى سوق مستدام يهدف للحفاظ على البيئة.
التحول للاستدامة في الأزياء من الأمور السهلة نسبياً، فقط، تحتاج للوعي وإدراك أن القيمة الحقيقية للملابس تأتي من مواردنا البيئية، وتؤثر على حق مستقبل الأجيال القادمة في الاستمتاع ببيئة جيدة و تحافظ على كوكب الأرض من الهلاك.