ما لا تعرفه عن مدن "وادي ميزاب الخمسة" المحصنة في الجزائر

ما لا تعرفه عن مدن “وادي ميزاب الخمسة” المحصنة في الجزائر

(وادي ميزاب) هو وادي ضيق تتخلله الكثير من الواحات يقع في الصحراء الكبرى في أفريقيا، تنتصب فيه خمسة مدن محصنة على بعد ستمائة كيلومتر جنوب العاصمة الجزائرية (الجزائر)، تقع هذه المدن الخمسة مع بعضها فيما يسمى بـ(القصور)، وتنتشر هذه المدن على مسافة عشرة كيلومترات على طول الوادي.

تأسست هذه المدن في القرن الحادي عشر على يد (الأمازيغ) الميزابيين Bni-Mzab، ويعود أصل الميزابيين إلى منطقة الشمال الغربي لقارة أفريقيا، وهي منطقة تعرف تاريخيا بـ(المغرب الكبير)، وكانت عاصمتهم (تاهيرت) أو ما يعرف اليوم بـ(تيارت) وهي مدينة جزائرية.

موقع وادي ميزاب في الجزائر

عندما التهمت ألسنة نيران عظيمة موطنهم في (تاهيرت)، هم الميزابيون بالرحيل عن موطنهم واستقروا في وادي ميزاب، وهناك شيدوا خمسة مدن محصنة، كل واحدة فيها تعتبر قلعة صغيرة محاطة بأسوار شاهقة، ويتوسطها مسجد الذي تستخدم مئذنته على شكل برج مراقبة.

بنيت كل من المدن الخمسة وهي: (غرداية) و(المليكة) و(بني يزقن) و(بونورة) و(العطوف) على هضبة تحيط بها بنايات متعددة الألوان مربعة الشكل تحاكي في أشكالها العلب الصغيرة، هذه البنايات القريبة من بعضها بشكل كبير في دوائر سكنية تدور حول مسجد مركزي يبنى في مركز وقمة الهضبة.

يصمم المسجد على شكل القلعة، التي تمثل آخر خطوط الدفاع لدى مقاومة أي احتلال محتمل، كما أنه يحتوي على ترسانة أسلحة ومخازن غذاء، مما يجعله كذلك ملاذا مثاليا في حالة الحصار، حول هذا المسجد، بنيت العديد من المنازل في دوائر ضيقة، والتي تنتشر نزولا وصولا إلى الأسوار الخارجية للمدينة.

مدينة (العطوف) في وادي ميزاب

مدينة (العطوف) في وادي ميزاب – صورة: Yann Arthus-Bertrand

صممت هذه المنازل من أجل العيش المشترك، ضمن بنية اجتماعية متساوية بشكل مذهل، التي تحترم كثيرا خصوصية الأسر، وتلتصق هذه الأبنية كذلك ببعضها البعض وتفصل بينها ممرات ضيقة تكون مغطاة في الغالب.

تعتبر مدينة (غرداية) هي المدينة الأساسية في وادي ميزاب وعاصمة الميزابيين، بينما (العطوف) هي أقدم مستوطنة في المنطقة، أما (بني يزقن) هي أكثر مدن (القصور) غموضا؛ حيث يتم اعتبارها مقدسة للغاية، وحتى زمن ليس ببعيد، كان لا يسمح إلا لقاطنيها من الميزابيين بدخولها ليلا، حيث أن بوابتها كانت تغلق بعد حلول الظلام وتتم حراستها بصورة مشددة، هذا لم يعد الأمر يسري بعد الآن، لكن (بني يزقن) تبقى أكثر مدينة تقليدية في وادي ميزاب.

النساء في المنطقة محتشمات للغاية، ويستحيل أن تسمح لك إحداهن بأن تلتقطها بعدسات كاميرتك، فيمنعها كل من تقاليدها ودينها الإسلامي من ذلك، مثلما كتب (جوناثان أوكس) في دليله للسفر إلى (الجزائر): ”ستجد هنا أن كل النساء يلتزمن بتقليد لبس (الحايك)، وهو قطعة من القماش كبيرة تلف فيها المرأة جسمها ووجهها، تاركة العينين فقط لتتم رؤيتهما.

يسمح للفتيات إظهار وجوههن قبل الزواج، لكن بعده بإمكانهن إظهار عين واحدة وفقط، ستكتشف كذلك أنه عندما تنظر إلى هاته النساء فسيقمن بدورهن بالتشبث أكثر بـ(حايكهن) ويضيقن به على أجسامهن، ومنه يغلقن أي منفذ قد ترى منه أي شيء منهن بشكل أكثر.

في الماضي، كان هناك تقليد يسري بأن تواجه المرأة الجدار إذا ما تقاطعت مع رجل غريب عنها في الممر أو الطريق، وعلى الرغم من أن الأمر لم يعد كذلك بعد الآن، فإنك ستجد أن النساء هنا سيقمن بكل ما في وسعهن من أجل تجنب نظرات المارة، كما سيقمن في الغالب بتغيير الطريق إذا ما لمحن رجلا قادما باتجاههن.

تمتلك هاته النسوة حساسية كبيرة من التقاط الصور لهن، كما أنه محرم تماما فعل ذلك، وإن تم إمساكك تصور النساء في الشارع، فستواجه غضبا كبيرا وعواقب وخيمة، لأنهم يعتبرون ذلك ”قضية شرف“.“

حافظت كل مدن وادي مزاب على ثقافتها الأصلية والتناسق بين مجموعاتها ومكوناتها السكانية على مر العصور، حيث لم يؤثر فيها العالم الخارجي بتاتا، ونالت هذه المدن في سنة 1982 تصنيف (اليونيسكو) على أنها ضمن التراث العالمي.

مدينة (غرداية) في وادي ميزاب