يعتبر الموز واحدا من أكثر الفواكه المطلوبة والمرغوبة على الإطلاق، مظهره جميل، ومذاقه لذيذ، لكن للأسف الشديد، لن يبقى الموز موجودا لنستمتع به إلى الأبد.
يعتبر الموز أيضا من أفضل المصادر المشبعة بالمغذيات والطاقة، كما أنه بالإمكان حمله في اليد بسهولة، وسهل للتقشير والاستهلاك.
أوتعلمون أمرا مثيرا؟ إن أكثر السلع مبيعا في سلسلة متاجر (والمارت) في الولايات المتحدة هو الموز، ليس كوكاكولا، وليس رقائق البطاطا، ولا (فيفتي شايدس أوف غراي).
كما يبدو أن الموز ملائم للغاية للاستهلاك البشري لدرجة دفعت بـ(كيرك كاميرون) إلى محاولة إثبات وجود الله باستعماله.
الموز هو السلعة الأكثر مبيعا في متاجر (وولمارت) في أمريكا
يعتبر الموز الذي نراه اليوم ونتغذى عليه من نتاج التهجين الذي اعتمده عليه الإنسان منذ زمن طويل مضى، وعلى الرغم من أنه يوجد الكثير من الموز البري، الذي يعتبر الجنوب والجنوب الشرقي لقارة آسيا موطنا له، كما توجد العشرات من الأنواع من هذه الفواكه، والآلاف من التشعبات، إلا أنها ليست تلك التي نعرفها ونستهلكها اليوم.
لدى بعض هذه الأنواع بذور، وتلك هي طبيعة الفواكه؛ إنها تلك المجسمات ذوات كثافة تحتوي على بذور داخلها.
لربما تكون تتسائل الآن: ”لماذا لم يسبق لي أن تناولت موزة ذات بذور من قبل؟“ في الحقيقة أنت تفعل ذلك في كل مرة تتناول فيها موزة.
نوع من الموز من ذوات البذور
لنوضح الأمر أكثر: توقفت البذور عن النمو في الموز المهجن منذ زمن طويل، أما إن أمعنت النظر في واحدة منها فسترى بعض النقاط السوداء الصغيرة جدا، وتلك هي كل ما تبقى من بذور الموز، كما أنها غير مخصبة، إن بدر إلى ذهنك القيام بزراعتها، فلن ينمو لديك شيء، فثمار الموز اليوم هي ثمار غير خصبة.
هذه النقاط السوداء الصغيرة هي كل ما تبقى من بذور الموز المهجن
حقيقة أخرى هي ان كل موزة قد كنت تناولتها في السابق عزيزي القارئ هي متطابقة تماما جينيا، إليك موزة من نوع (كافنديش)، وهي النوع عديم البذور الذي نستهلكه جميعنا اليوم، إلا أنها لم تكن النوع الذي كنا نستهلكه دائما ونختاره حتى سنة 1960.
كان كل شخص في العالم يأكل نفس الموزة تقريبا، لقد كانت فقط موزة أخرى مطابقة جينيا لجميع الموز المتواجد آنذاك وهي موزة (ذوو غرو ميشال) The Gros Michelle، وهي ثمرة أكبر وألذ مع قشرة خارجية أغلظ.
بإمكانك ملاحظة أن المواد الغذائية التي تحمل نكهة الموز اليوم كلها لا يبدو مذاقها تماما مثل الموز الذي نستهلكه، ذلك أن مذاقها مطابق لمذاق نوع الـ(غرو ميشال).
لقد كان التطابق الجيني الذي جمع نوع الموز (ذو غرو ميشال) هو سبب هلاكها في النهاية، حيث بدأ يصيبها نوع من الأمراض الفطرية يسمى بـ(مرض بنما)، وبمجرد أن فهم المزارعون أن منتوجاتهم عرضة لخطر محدق، قضى الوباء عليها وانقرض بذلك نوع الـ(غرو ميشال)، واختفى من الوجود.
كان لابد أن تعاد هيكلة صناعة الموز بكاملها من أجل نوع الـ(كافنديش)، وبما أنها عديمة البذور، كانت الطريقة الوحيدة لإعادة خلقها هي زرع جزء من من ساق النبتة، وطوال الخمسين سنة الماضية كنا نستهلك نوع الـ(كافنديش) ونستمتع به ذلك أنه كانت لديه مقاومة ضد (مرض باناما).
غير أن العلماء والباحثين كانوا قد أعربوا عن قلقهم من أن يلقى نوع الـ(كافنديش) نفس مصير الـ(غرو ميشال)، ذلك أنها شديدة التطابق على مستوى الجينات، مما يجعلها أكبر عرضة للانقراض لدى تعرضها لهوجوم وبائي أو فطري، حيث كل ما على الفطر أو المرض أن يفعله هو أن يجد وسيلة ما لاحتراق موزة واحدة وتدميرها حتى تسلم له مفاتيح النوع كله، وذلك راجع للتطابق، حيث لن يكون هناك أي تنوع جيني ليشكل بالنسبة له أية عراقيل أبدا.
جعلت هذه الحقيقة العلماء والباحثين يتخوفون، بل يتوقعون انقراض نوع الـ(كافنديش) كذلك في مستقبل ليس ببعيد جدا، الخبر الجيد هو أن العلماء والباحثين يعملون الآن من أجل تطوير أنواع أخرى لتعويض النوع الحالي في حال تعرضه للانقراض، كما أنننا بتنا اليوم نفهم الكثير حول علم الأمراض والأوبئة، وكذا فيما يتعلق بالزراعة والتهجين، والتعديل الوراثي.
لذا نقدم تحياتنا وتقديرانا وشكرنا للكل من يعمل جاهدا هناك من أجل زراعة وقطف ثمار الموز وجعلها متاحة لنا، وشكرا كذلك للعلماء الذين يبذلون قصارى جهدهم من أن أجل أن يحولوا دون أن يحل بالموز الذي نستهلكه اليوم ما حل بما سبقه من نوع الـ(غرو ميشال).
المصدر: دخلك بتعرف