أدرجت ضمن لائحة التراث العالمي للري.. ماذا تعرف عن القنطرة البيضاء في كربلاء العراق؟
عندما تدخل مدينة كربلاء من طريق بغداد، تعبر جسرا صغيرا على نهر صغير يطلق عليه الحسينية، تلتف معه إلى جهة الشرق بمحاذاة النهر الذي يلتف حول المدينة، يصادفك ما يشبه الجسر المبني من الطابوق (طوب محروق في أفران خاصة)، فيأخذك الفضول لتقف هناك وتنظر إلى اختلافه عن الجسور الأخرى حتى تلك التي بنيت من طابوق وطين في أزمان غابرة.
سرعان ما تكتشف أن في أعلاه 4 منارات طابوقية وقوسا يسمح للماء بالمرور من تحته، وأنه لا يسمى جسرا، بل قنطرة اشتهرت باسم “القنطرة البيضاء”، وهي ذاتها التي أدرجها المجلس العالمي للمنظمة الدولية للري “آي سي آي دي” (ICID) في لائحة تراث الري خلال المؤتمر المنعقد في أكتوبر/تشرين الأول الجاري بمدينة إديليد جنوبي أستراليا، كونها من القناطر والجسور القديمة.
أثر وتاريخ
على الرغم من تآكل بعض أجزاء القنطرة التي مضى عليها أكثر من 450 عاما، فإنها تبدي مقاومة لكل عوامل التعرية والإهمال الذي أصابها خلال السنوات الماضية، بجانب محاولة الحكومة ترميمها.
يقول الباحث الدكتور عدنان المسعودي إن “هذه القنطرة تقع على نهر السليماني القديم الذي استبدل اسمه بنهر الحسينية حديثا، وتقع شمال شرق مركز مدينة كربلاء بخمسة كيلومترات”.
المسعودي: ترميم القنطرة من جديد حافظ عليها من الاندثار أو السرقة كما حصل مع مواقع كثيرة في العراق (الجزيرة)
أضاف المسعودي أن “القنطرة من مشيدات الدولة العثمانية، ويرتبط تاريخ بنائها بتأسيس نهر الحسينية السليماني، الذي يعود تاريخ تأسيسه إلى السلطان سليمان القانوني الذي زار كربلاء بعد انتصاره على الصفويين عام 1534”.
وعن بناء القنطرة، قال المسعودي إنه “يخضع لطراز العقد المدبب، حيث ترتفع زاوية انعقاده نحو 5 أمتار عن قاع النهر، مما يسمح بمرور المراكب التي كانت تنقل البضائع والزائرين عبر المياه”.
وعن المنارات الأربع التي تميّزها، أضاف المسعودي أنها “تشير إلى المذاهب الرسمية الأربعة التي تعترف بها الدولة العثمانية وهي المذهب الحنفي والمالكي والشافعي والحنبلي”، موضحا أن “هذه المنارات تنتهي برؤوس بصلية مفصّصة بفصوص جصيّة هلالية خضراء اللون”.
وعن ارتكاز هذه المنارات، يقول الباحث ذاته إنها “على 4 ركائز أجريّة متينة تندمج في وحدةٍ هندسية متماثلة مع الجدران الأساسية، التي يبلغ سمكها نحو متر واحد أو يزيد قليلا عند قاعدة المياه، بينما يقلّ سمك الجدران في الأعلى إلى حدود 45 سم، مما يمنح البناء رشاقة عمرانية وتناسقا جماليا أخّادا”.
منارات القنطرة البيضاء تنتهي برؤوس بصلية مفصّصة بفصوص جصيّة هلالية خضراء اللون (الجزيرة)
لكن المسعودي يقول إن القنطرة ليست بناء متفردا أو قديما فحسب، بل” شهدت أحداثا تاريخية عديدة وقعت في العهد العثماني”.
ولفت إلى أهمية إدراج الموقع ضمن لائحة التراث العالمي للري، قائلا إنه “إنجاز كبير في محاولة تدويل هذا التراث الأثري، خصوصا وأن بلاد الرافدين اليوم تمرّ بأسوأ حالاتها السياسية والإدارية”، موضحا أن الواقع العراقي جعل الآثار “هي الحلقة الأضعف. وعملية إعادة ترميمها حافظت عليها من الاندثار أو السرقة كما حصل مع مواقع كثيرة في العراق”.
وصف وقياسات
في وقت يعتقد فيه البعض من أهالي كربلاء أن القنطرة لها أثر ديني بسبب وجود المنارات مما جعلها تحافظ على مكانتها، يرى الباحث المختص في آثار كربلاء ومعالمها مرتضى الأوسي أن هذه القنطرة كانت “لفترة طويلة بوابة كربلاء المائية، إذ كانت السفن المحملة بالبضائع تمر من تحتها بعد دفع أجرة المرور”، ويضيف أنها كانت حلقة للوصول إلى قنطرة أخرى قرب باب بغداد تسمى “أم حديبة”.
وعن سبب تسميتها بالبيضاء، يقول الأوسي إنها “شيّدت من طابوق لونه أبيض لكنه تحول بفعل عوامل التعرية إلى لون الطابوق العادي”، ويذكر الباحث أن القنطرة “عبارة عن جسر من الآجر ببوابة واحدة لا يتعدى عرضها 5 أمتار، وتتكون من عقد مدبب واحد به 4 مآذن أو منارات، اثنتان في كل جانب ملاصقتان للقنطرة”.
ويتابع “تبدأ المئذنة من أسفل البناء على شكل مثمن ذي 8 أضلاع ملاصقة لنهاية القوس، وهي موازية لمدرج القنطرة، ثم تأخذ المئذنة شكلاً أسطوانيا ينتهي بشكل مخروطي مفصص بواقع 13 جزءا محدب الشكل يعطي لأعلى المئذنة شكلا رائعا جميلا خصوصا وقت الغروب”.
الأوسي: القنطرة من مشيدات الدولة العثمانية ويرتبط تاريخ بنائها بتأسيس نهر الحسينية السليماني (الجزيرة)
وحولت المآذن القنطرة إلى ما يشبه المزار، ويقول الأوسي إن “قطرها يبلغ 1.80 متر ومحيطها 3.42 أمتار، وهناك عدد من الدرجات على جانبي القنطرة، فضلا عن وجود جدران ساندة على جانبيها تتميز بضخامتها، إذ إن قياسها من الأسفل أكثر من متر، وينتهي إلى الأعلى بقياس 45 سم، والطول الحالي للقنطرة 46 مترا”.
بياض وسلام
القنطرة لا تعدو كونها جسرا لربط ضفتي النهر الذي يغذي بساتين وأراضي الزراعة في قضاء الحسينية ومدينة كربلاء أيضا.
ويقول منقّب الآثار رئيس لجنة صيانة القنطرة البيضاء حسين ياسر خليل إن “الشكل العام للقنطرة البيضاء يشبه باقي القناطر التي بنيت في الفترة العثمانية”.
ولفت إلى أن “الطول الحالي للقنطرة 46 مترا، وقياساتها تبدأ بالمدرج من جهة الشارع العام ويكون بعرض 11 مترا، ثم يأخذ بالتدرج ليصل إلى 5 أمتار في أعلى نهاية القنطرة، ثم يعود إلى التوسع في الجانب الثاني من القنطرة، وقياسات الجدران الساندة للقنطرة بواقع متر واحد عرضا في أساس الجدران لتتمكن من تحمل ثقل الجدار، ثم تنتهي بقياس 45-50 سم في أعلى الجدار”.
وعن مراحل صيانتها، يقول خليل “جرت على شكل مراحل متعددة من قبل الهيئة العامة للآثار والتراث منذ عام 2006، حيث بدأ العمل بتنظيف المكان من الانهيارات والمزابل والعبث، ومن ثم أعيدت أسسها الأصلية بالمواد السابقة نفسها وهي الفرشي واستخدام مادة الجص الفني”.
ويطرح منقب الآثار سببا آخر لتسميتها بالبيضاء كونها “دلالة واضحة للوصول والسلام إلى مراقد الأئمة في كربلاء وخاصة قبل وجود بساتين النخيل التي تحجب رؤية المنارات حاليا”.
المصدر: aljazeera.net