ما تزال الدراسات والأبحاث لباطن وأعماق الأرض مستمرة لمعرفة ماهية مكنونات هذا العالم وخفايا طبقاته المتعددة، فمن ما يجري من تلك الدراسات والأبحاث جاء في تقرير لفريق بحث دولي بقيادة جامعة “غوته فرانكفورت” بألمانيا تم نشره في مجلة ” نيتشر جيوساينس” أواخر أيلول الماضي أن هناك محيطا مائيا كبيرا في أعماق كوكب الأرض يتوضع بين الوشاحين العلوي والسفلي من طبقات كوكبنا..
بذلك تتأكد النظرية التي تقول بأن دورة مياه كوكب الأرض تشمل أعماقه أيضا.
وبحسب تقرير نُشر في مجلة “ساينتيفيك أميركان” (Scientific American)، يتوقع أن يكون لهذه الدراسة آثار بعيدة المدى على فهمنا لدورة مياه الأرض، وكيف تطورت إلى عالم المحيط الذي نعرفه اليوم على مدى 4.5 مليارات عام الماضية؟
يأتي هذا الاكتشاف بعد أن تم تحليل ماسة نادرة تم استخراجها من منجم في بوتسوانا (جامعة غوته فرانكفورت)
تحولات معدنية
وفقا للبيان الصحفي الصادر من جامعة غوته فرانكفورت، فقد تم اكتشاف هذه المياه الكبيرة التي يمكن أن تبلغ نحو 6 أضعاف كمية المياه الموجودة في جميع محيطات الأرض مجتمعة.
يأتي هذا الاكتشاف بعد أن تم تحليل ماسة نادرة تم استخراجها من منجم بدولة بوتسوانا الأفريقية، ويُعتقد أنها تكونت في الغلاف السفلي لباطن الأرض وعلى عمق 660 كيلومترا تحت سطحها، وتحديدا في منطقة تعرف بالمنطقة الانتقالية “تي زد” [The transition zone (TZ)]، الواقعة على عمق من 410 إلى 660 كيلومترا.
تُعتبر المنطقة الانتقالية هي الطبقة الحدودية التي تفصل بين الوشاح العلوي للأرض والغطاء السفلي، حيث يؤدي الضغط الهائل إلى تحولات في المعادن الموجودة في أعماق الأرض، إذ يتحول الزبرجد المعدني الزيتوني (olive-green mineral) -الذي يشكل حوالي 70% من الوشاح العلوي للأرض- إلى “وادسلايت” (wadsleyite) عند مسافة 520 كيلومترا، ثم يتحوّل بعد ذلك إلى “رينغودايت” (Ringwoodite)، وهو أكثر كثافة وله سمات تشير إلى أنه عنصر مائي بطبيعته، كما أنه يتشكل فقط تحت مستويات عالية من الضغط ودرجات الحرارة في وشاح الأرض، ويمكنه الاحتفاظ بالمياه جيدا.
وبحسب تقرير مجلة ساينتيفيك أميركان، فإن الماس الذي حلّله الفريق العلمي من هذه المنطقة في وشاح الأرض، يحتوي على عنصر الرينغودايت، وهو ما يدل على احتفاظها بكمية من المياه.
الرينغودايت عنصر مائي بطبيعته إذ يتشكل تحت مستويات عالية من الضغط والحرارة (جوزيف سميث – مواقع إلكترونية)
رواسب المحيطات
بحسب بيان جامعة غوته، فإنه يمكن للمعادن الكثيفة التي تتحول في هذه المنطقة من أعماق الأرض أو تندس فيها، وهي وادسلايت ورينغودايت، على عكس الزبرجد الزيتوني، أن تعمل على تخزين كميات كبيرة من الماء، وبالتالي تكون المنطقة الانتقالية قادرة نظريا على امتصاص كمية كبيرة من المياه من أعماق المحيطات، لاسيما وأن معظم سطح الأرض مغطى بالمحيطات.
ويقول البروفيسور فرانك برينكر، من معهد علوم الأرض بجامعة غوته في فرانكفورت، “تحمل المعادن المندسة والمتحولة أيضا رواسب أعماق البحار التي عادت إلى باطن الأرض”.
ويضيف البروفيسور برينكر، “يمكن لهذه الرواسب والمعادن المتحولة الاحتفاظ بكميات كبيرة من الماء وثاني أكسيد الكربون، لكن حتى الآن لم يتضح مقدار ما يدخل المنطقة الانتقالية في شكل المزيد من المعادن المائية والكربونات المستقرة”.
ويتابع برينكر “في هذه الدراسة أوضحنا أن المنطقة الانتقالية ليست إسفنجا جافا، لكنها تحتوي على كميات كبيرة من الماء، وهذا أيضا يقربنا خطوة واحدة من فكرة الأديب الفرنسي جول فيرن، أبرز كتاب الخيال العلمي، الذي تنبأ بوجود محيط مائي داخل الأرض”.
ويستطرد “هذا الخزان الشاسع من المحتمل أن يحتوي على كمية كبيرة من الرواسب والصخور المائية بأحجام غير عادية، وفي ضغوط غير عادية”.
من ناحية أخرى، يقول تقرير جامعة غوته إن العلماء كانوا قد اشتبهوا بالفعل في أن المنطقة الانتقالية للأرض احتوت على الكثير من الماء بعد تحليل ماسة مماثلة في عام 2014، إلا أنه لم يكن حينها من الممكن تحديد التركيب الكيميائي للحجر بدقة، لأنه كان صغيرا جدا.
والجدير بالذكر تحقق نتائج عظيمة للدراسة التي أجراها فريق البحث من جامعة غوته خاصة في تحديد التركيب الكيميائي الدقيق للعناصر الموجودة في المنطقة الانتقالية، والكشف عن عنصر الرينغودايت فيها بنسبة كبيرة.
المصدر: الجزيرة – ترجمات