منوعات

هل تعرف أسوأ الأزمنة والحقبات التي مرّت على البشرية عبر التاريخ؟

لاشك في أن الحياة عبارة عن مغامرة تجري على درب طويل تملؤه اللحظات الحزينة والسعيدة على حد سواء، بالرجوع إلى الوراء لتصفح صفحات التاريخ، يمكننا تأكيد هذا الطرح من خلال الوقوف على أزمنة سلام ورخاء نعمت بها البشرية، وأزمنة أخرى أقل ما يقول عنها أنها لا يعاصرها إلا تعيس الحظ.

في مقالنا هذا قمنا بجمع 15 من أسوء الأزمنة والحقبات ليكون المرء فيها، وذلك وفقا للأحداث التي جرت فيها في ترتيب تنازلي من السيئ نحو الأسوء:

16. سنة 1576 حيث جرت أحداث «هيجان أنتويرب»، حدث دموي ومنفصل سيكون له تأثير على المدى الطويل على كامل التاريخ الأوروبي:

أحداث أنتويرب

أحداث (أنتويرب).

في شهر نوفمبر من سنة 1576، انتفض الجنود الإسبان الذين كانوا متموقعين في بلدة (أنتويرب) البلجيكية. لقد كان هؤلاء الرجال بعيدين عن موطنهم يقاتلون ضد الهولنديين باسم الملك الإسباني، غير أن المشكلة كانت تكمن في أنهم لم يتلقوا أجورهم منذ عدة أشهر.

كان هؤلاء الجنود محبطين، لذا انتفضوا في حالة من الهيجان، ولمدة ثلاثة أيام متواصلة، عاثوا فساداً في هذه المدينة التاريخية، فقتلوا عددا كبيرا من مواطنيها. في مجمل الأحوال، يعتقد المؤرخون أن حوالي 7000 شخص لقوا حتفهم في تلك الأحداث: تم رمي الكثير منهم في القنوات المائية أو سقطوا بحدّ السيف ببساطة، غير أن هذه الحادثة التي عرفت باسم «هيجان أنتويرب» سيكون لها تأثير على نطاق أوسع.

قادت أحداث ذلك اليوم أوروبا نحو أزمة اقتصادية كبيرة، لقد توقفت (أنتويرب) عن كونها قوة اقتصادية عظيمة، مما سمح لـ(أمستردام) بالبروز على الساحة الأوروبية. أكثر من ذلك، أصبح الجنود الإسبان، ومنه الشعب الإسباني كله، ينظر إليهم على أنهم متوحشون لا يعرفون الرحمة.

كانت هذه الأسطورة ”السوداء“ لتدوم لقرون كاملة، مؤثرة بشكل كبير على التاريخ الإسباني ككل، سواء على الصعيد الداخلي أوالخارجي.

وفقا لـ(هارولد كوك)، بروفيسور التاريخ في جامعة (براون)، فإن سنة 1576 كانت بالفعل سنة مريعة ليعيش فيها المرء، ذلك أنها مثلت نقطة بداية ”الرابطة المقدسة“ في فرنسا الجارة لإسبانيا، وبتوحدهما تسببت فرنسا وإسبانيا في دخول القارة الأوروبية كلها في حقبة من الفقر، وانعدام الأمان، وانتشار العنف.

15. سنة 1783، وهلاك ملايين الناس بسبب المجاعة في مناطق واسعة في آسيا، وذلك كله بسبب ثوران بركان على بعد آلاف الكيلومترات:

المجاعة

هلك الملاييين تحت براثن المجاعة في الهند بعد ثوران بركان على بعد آلاف الكيلومترات.

في سنة 1783، ثارت منطقة (لاكي) البركانية في آيسلندا. قذفت البراكين بأطنان من الرماد البركاني وبعض الجزيئات البركانية الأخرى نحو الغلاف الجوي للأرض، خيمت تبعات ذلك على العالم كله، وكان للهند النصيب الأكبر من الضرر.

كانت الهند آنذاك تترنح من شتاء بارد بشكل غير طبيعي، وبسبب ثوران البراكين الآيسلندية، لم تشهد الأقسام الشمالية من الكرة الأرضية صيفاً حقيقيا في سنة 1783. مرت (ألاسكا) على سبيل المثال بأكثر شتاء بارد في تاريخها منذ 400 سنة، لحسن الحظ لم يكن يعيش هناك سوى عدد قليل من الناس، غير أن هذا الأمر لا يمكن قوله على الهند التي كانت تأوي أعدادا كبيرة من السكان، خاصة في مناطقها الشمالية.

تشير التقديرات إلى هلاك ما يقارب 11 مليون شخص في الهند جراء المجاعة بين سنتي 1783 و1784، فيما أصبح يعرف باسم «مجاعة كاليسا»، التي عانت فيها منطقة (ديلهي) من الضرر الأكبر.

ثم جاءت السنة الموالية لتكون أكثر سخونة من المعتاد، فقد كان وجود ذلك الكم الهائل من ثاني أكسيد الكبريت في الغلاف الجوي للأرض يعني أن الأمطار الموسمية الحيوية لم تأت أبدا تلك السنة، كما عنت درجات الحرارة العالية التي عاشتها منطقة شمال الهند جفاف البحيرات والأنهار، مما زاد الطين بلة.

استغرق الأمر سنتين طويلتين حتى عادت المياه لمجاريها، وعاد المناخ الهندي لطبيعته.

14. قد تبدو سنة 1848 كسنة محورية في التاريخ، لكنها سنة مليئة بالعنف والثورات والمجاعة:

ثورات سنة 1848 في أوروبا

أدت الثورات التي جرت في سنة 1848 إلى حالة من انعدام الاستقرار خيمت على كامل القارة الأوروبية. صورة: Wikimedia Commons

خلال فصلي الصيف والخريف من سنة 1848، انتفضت الشعوب الأوروبية وأصبحت تلك السنة تعرف بـ«سنة الثورات»، مع تعالي الأصوات والحركات التي تنادي بالتغيير ضمن عدة بلدان، من أشهرها فرنسا، والولايات التي ستصبح لاحقا ألمانيا، والدنمارك، والنمسا، وهنغاريا.

في المجمل، تظهر السجلات التاريخية أن 50 أمّة مختلفة كانت بطريقة أو بأخرى تعيش حالة من عدم الاستقرار. قُتل مئات الآلاف من الأشخاص وتخضبت شوارع أشهر العواصم التاريخية في أوروبا بدمائهم، غير أنه ما إن كان الأمر يستحق فعلا العناء الذي كُلف في سبيله، يبقى محل جدل تاريخي مازال قائماً.

سقط الحكم الملكي في فرسنا بالتأكيد لمرة أخرى، فنالت الكثير من الطبقات الوسطى في أوروبا تمثيلا أوسع وأفضل لدى حكوماتها، غير أنه في الكثير من الأماكن حيث تشبثت الأنظمة القديمة بالسلطة، وكان كل ما قامت به هو بعض التنازلات البسيطة لا أكثر.

دون ذلك، كان تعالي موجة القومية الاجتياحية ليغلي على مرة عدة عقود لاحقة، وهو الأمر الذي رأى النور وأُطلق له العنان في نهاية المطاف في الحرب العالمية الأولى، فمن بين نتائج ثورات سنة 1848 هو ميلاد الكونفيدرالية الألمانية القوية.

كما مثلت سنة 1848 ذروة المجاعة الإيرلندية التي هلك بسببها مئات الآلاف، وهجر الملايين أوطانهم بدون رجعة.

13. أنهت سنة 2001 مرحلة من السلام النسبي والاستقرار، هذه السنة التي سيخلدها التاريخ، ليس فقط بالنسبة للأمريكيين، بل لشعوب العالم كله:

أحداث 11 سبتمبر

مثل سقوط حائط برلين في سنة 1989 ونهاية الاتحاد السوفييتي نهاية مرحلة من التوتر، وأدى إلى بزوع فجر مرحلة جديدة اتسمت بالسلام والاستقرار، وبسبب هذا توقع بعض المؤرخين ”نهاية التاريخ“، ذلك أن معظم الصراعات الكبرى وتناحر الآيديولوجيات انتهت على ما يبدو.

انهار هذا السلام النسبي المعتبر ومعه حس التفاؤل الذي رافقه في الحادي عشر من سبتمبر 2001، حيث خلّفت الهجمات الإرهابية على برجي مركز التجارة العاملي في نيويورك والبنتاغون في واشنطن آلاف القتلى في كلتا المدينتين، وكان هذا الحدث بمثابة تأثير الفراشة الذي تسبب في اندلاع عدة حروب في منطقة الشرق الأوسط، كان أبرزها حرب أفغانستان إثر غزو الولايات المتحدة لها، ثم غزو العراق.

ما زالت الكثير من الحروب وحالات انعدام الاستقرار قائمة حتى اليوم في بعض مناطق الشرق الأوسط، والتي يمكن إرجاع سببها الأول إلى سنة 2001. كما تم لوم ”الحرب على الإرهاب“، التي شنتها الولايات المتحدة، على قمع الحريات المدنية في عدة بلدان حول العالم.

12. قد تبدو سنة 1919 وكأنها سنة جلبت السلام للعالم، غير أن الملايين لاقوا حتفهم خلالها بسبب الإنفلونزا الإسبانية، وبالتأمل فيها يمكننا الجزم بأنها زرعت بذور الحرب العالمية الثانية:

الإنفلونزا الإسبانية

خلال فترة انتشارها، يقدر أن الانفلونزا الاسبانية تسببت بوفاة 50 حتى 100 مليون شخص.

كان يفترض بسنة 1919 أن تكون سنة نصر وسلام، فبعد كل شيء وضعت الحرب العالمية الأولى، وهي أكثر الصراعات البشرية دموية على مر العصور، أوزارها في شهر نوفمبر من ذات السنة، وكان يفترض كذلك بمعاهدة السلام التي تم التوقيع عليها أن تساهم في إحلال السلام في العالم على الأقل لمدة قرن من الزمن، غير أن معاهدة (فيرساي) كما تعرف قامت بعكس ما توقع منها بالضبط.

لقد مثلت الطريقة التي انتهت بها الحرب صدمة كبيرة للكثيرين في ألمانيا، تماما مثل فكرة كون أمتهم كانت هي الخاسر الوحيد في هذه الحرب، ومنه زرعت هذه الوثيقة بذور الحرب العالمية الثانية، فلم يتوانَ (هتلر) عن استغلال السخط الجماهيري الواسع وسط أبناء أمّته، وغضبهم واستيائهم ورغبتهم في الانتقام.

أضف إلى ذلك، أن في سنة 1919 دخلت روسيا في حرب أهلية دامية، صراع قاد إلى نشأة الاتحاد السوفييتي الشيوعي، كما أدت نهاية الحرب العالمية الأولى إلى تغييرات جذرية في خريطة الشرق الأوسط، وهي التغييرات التي أدت إلى الكثير من المشاكل التي مازالت تشن بسببها الحروب إلى يومنا هذا.

ثم هناك بالطبع الإنفلونزا الإسبانية، التي على الرغم من أنها بلغت أوجها في سنة 1918، فإنها تسببت في هلاك الملايين كذلك في سنة 1919. يُقدَّر أن حوالي 500 ألف أمريكي لاقى حتفه بسبب هذا الوباء خلال سنة 1919 وحدها، وأولئك الذين تمكنوا من النجاة من الوباء، لم يكونوا قادرين على رفع نخب احتفالا بصحتهم، ذلك أنه في تلك السنة بالذات تم إدخال التعديل الثامن عشر في الدستور الأمريكي، الذي منع بيع واستهلاك المشروبات الكحولية.

11. كانت سنة 1520 السنة التي جلب فيها الأوروبيون مرض الجذري معهم إلى القارة الأمريكية، مما تسبب في هلاك الملايين من السكان الأصليين:

معركة (أوتومبا) سنة 1520.

معركة (أوتومبا) سنة 1520.

بالنسبة للغزاة الإسبان، تمثل سنة 1520 سنة نصر وفخر، أما بالنسبة للسكان الأصليين في المكسيك اليوم، فإنها كانت سنة ظلماء بدون شك. في الواقع، يعتقد الكثير من المؤرخين أن هذه السنة بالتحديد كانت أقتم سنة في تاريخ شعوب القارتين الأمريكيتين بدون شك.

بحلول هذه السنة، كان (هيرناس كورتيس) قد وصل إلى القارة الأمريكية منذ عام تقريباً، غير أنه في شهر أبريل من سنة 1520، وصلت مجموعة أخرى من الغزاة الإسبان إلى (فيراكروز) قادمين من جزيرة (هيسبانولا) جالبين معهم وباء الجدري.

هزم (كورتيس) هؤلاء الوافدين الجدد، غير أن واحدا من رجاله التقط العدوى، مما يعني أن الوباء ضرب مباشرة في قلب حضارة الأزتيك.

بين سنتي 1520 و1521، تسبب الجذري في فناء ملايين السكان الأصليين في هذا القسم من القارة الأمريكية، تشير بعض التقديرات إلى أن بين 60 إلى 90 بالمائة من السكان لاقوا حتفهم.

في يومياته، كتب الراهب الإسباني (موتولينيا): ”لأن الهنود لم يكونوا يعرفون كيف يعالجون الوباء… كانوا يموتون في جماعات، مثل بق الفراش. في الكثير من الأماكن حدث أن أسراً كاملة كانت تهلك دون أن ينجو فرد منها، وكان من المستحيل دفن ذلك العدد الهائل من الناس“.

10. قد تكون سنة 1492 سنة مجد بالنسبة للمستكشفين الأوروبيين، لكنها مثلت سنة قاتمة جدا بالنسبة للسكان الأصليين في أمريكا الشمالية.

معاناة الشعوب الأصلية في الأمريكيتين

صورة: Pennsylvania Academy of Fine Arts

تماما مثلما يعرفه معظم طلبة التاريخ، فإن سنة 1492 كانت السنة التي شدّ فيها (كريستوفر كولومبس) الرحال نحو الأمريكيتين لأول مرة. بالطبع لم يكن هو أول أوروبي يعبر المحيط الأطلسي، غير أنه كان له التأثير الأكبر في التاريخ. وفقا لبعض المؤرخين، كانت سنة 1492 سنة كارثية بالنسبة للسكان الأصليين في شمال أمريكا فيما أصبح يعرف اليوم بالولايات المتحدة.

كان (كولومبوس) ورجاله قد جلبوا معهم من أوروبا إلى العالم الجديد أمراض وأوبئة العالم القديم، وقف السكان الأصليون عاجزين أمام هذه الأمراض الجديدة عليهم، وراحوا يسقطون فرائس لها بالملايين.

يعتقد أن سنة 1492 مثلت بداية النهاية بالنسبة للكثير من الشعوب الأصلية في شمال القارة الأمريكية، بين تلك السنة وبداية القرن السادس عشر، هلك قرابة 90 في المائة من الشعوب الأصلية، وضاعت في خضم ذلك الكثير من الحضارات.

كما لو لم يكن هذا سيئا بما فيه الكفاية، هناك في أوروبا كان ممولو حملة (كولومبوس)، وهما الملك والملكة الإسبانيان (فيرديناند) و(إيزابيلا) قد شنا حربا شعواء على الموريين في غرناطة في سنة 1492، التي قاما خلالها بقتل وأسر واستعباد أو ترحيل 500 ألف مسلم من إسبانيا، يقول الكثير من الباحثين أن سنة 1492 كانت بداية ”صراع الحضارات“، التي وضعت نهاية لألفي سنة من التعايش السلمي بين مختلف الأديان في أوروبا.

9. كانت سنة 1933 سيئة بالنسبة للملايين، ابتداء من البطالين الأمريكيين الذين يكافحون في خضم الكساد، إلى معاناة اليهود في ألمانيا ومشاهدتهم لـ(هتلر) وهو ينصَّب ديكتاتورا:

(هيتلر) وهو يعلن الحرب على الولايات المتحدة

(هيتلر) وهو يعلن الحرب على الولايات المتحدة. صورة: German Federal Archives/Wikimedia Commons

كانت سنة 1933 سنة بؤس بالنسبة للكثير من الأشخاص العاديين حول العالم، وبالنظر إلى الماضي من الواضح أن هذه السنة بالذات مثلت نزول الكثير من أمم العالم إلى الحكومات الديكتاتورية الجائرة مما قاد إلى حروب دامية.

بالنسبة للكثير من الأمريكيين، بدأ الأمر بالفقر وانعدام الاستقرار والأمان، فقد وصل الكساد العظيم الذي انطلق من (وول ستريت) منذ أربع سنوات إلى ذروته، فأصبح خلالها حوالي 15 مليون أمريكي عاطلين عن العمل —حوالي 1 من كل 4 بالغين—، وانهارت نصف بنوك البلد.

لم تكن الأمور تسري على نحو جيد كذلك في ألمانيا، في شهر فبراير سنة 1933 تعرض البرلمان الوطني (الرايخ) لحريق مهول، تم إلقاء اللوم في ذلك على رجل يهودي، واستعمل النازيون الحادثة كذريعة ليضيقوا الخناق على اليهود ويحكموا قبضتهم على السلطة. في شهر مارس من تلك السنة، تم تمرير ”قانون تمكين (هيتلر)“، وهو القانون الذي نصّب (هيتلر) في منصب الديكتاتور مدى الحياة.

شهدت سنة 1933 كذلك افتتاح أول محتشد نازي في (داشو)، كما تم فيها حظر الاتحاديات التجارية، وحرق الكتب، والاستيلاء على تجارة وأعمال اليهود، وكذا تأسيس شرطة الـ(غيستابو) السرية سيئة السمعة.

في تلك الأثناء، عمدت اليابان في سنة 1933 إلى الخروج من رابطة الأمم، مما يجعل من سنة 1933 سنة سلك فيها العالم دربا نحو حرب محتومة.

8. كانت سنة 1316 واحدة من أقتم السنوات التي عاشتها أوروبا، إذ انتشرت خلالها مجاعات على نطاق رهيب:

المجاعة في إنجلترا

لابد أن القرن الرابع عشر كان زمنا صعبا لتولد وتعيش فيه، إذا لم تكن محظوظا بما فيه الكفاية لتولد في كنف عائلة ثرية، كان يتحتم عليك تحمل حياة كاملة من عدم الراحة، وانعدام الأمان والاستقرار، والبؤس، وكان ما ميز سنة 1316 هو اشتداد البؤس على الناس خاصة في إنجلترا.

لم يتم في تلك السنة حصاد أية محاصيل زراعية، وهو الأمر الذي تكرر مجددا في سنة 1316، مما جعل المجاعة تنتشر، فمات عدد كبير من الناس جوعاً بينما شحّت السماء بمطرها الذي يجعل المحاصيل تنمو.

حتى أن الملك (إدوارد الثاني) لم يجد خبزا يأكله عند وصله لمدينة (ساينت ألبانس) في تلك الصائفة، وقبل أن تصل الأمور إلى هذا المستوى الخطير، كان الناس يتخذون تدابير يائسة في سبيل البقاء على قيد الحياة: كانت الحيوانات التي تستعمل في الزراعة تذبح وتؤكل من شدة الجوع، كما كانت البذور التي تخزن لزراعتها في المواسم القادمة تستهلك هي الأخرى، وهي التدابير التي كانت خطيرة جدا إذ أنها كانت لتقضي على كامل حظوظ إنجلترا في الزراعة مستقبلا.

أفادت الكثير من المصادر أن بعض الفلاحين تحولوا إلى أكل لحوم البشر من أجل النجاة، كما كانت العائلات تتخلى عن أبنائها حتى تتمكن من البقاء، وهو الواقع المرير الذي ألهم بتأليف رواية (هانسيل وغريتل).

في نهاية المطاف، وبعد سنتين عجاف، عاد الطقس لطبيعته المألوفة في البلد في صيف سنة 1317.

7. كانت سنة 536 أسوء سنة في أسوء قرن في تاريخ البشرية، وذلك كله بسبب الظروف المناخية القاسية، والمجاعات وانتشار الحروب:

لابد أن القرن السادس ميلادي كان زمنا كئيبا ليحيا فيه المرء، وذلك حتى وإن ولد في عائلة ملكية فلن يفيده نسبه المكلي ولا ثروته بشيء. لا يشار إلى هذه الحقبة تاريخيا باسم ”العصور المظلمة“ عبثا وبدون سبب وجيه، ووفقا لإحدى الدراسات في سنة 2018 كانت إحدى السنوات أكثر سوادا من جميع سنوات ذلك القرن، وكانت هذه السنة هي السنة 536، التي خلالها دخلت معظم القارة الأوروبية والشرق الأوسط ومناطق واسعة من آسيا في ظلام دامس.

أظهر بعض الباحثين أن ثورات بركانية كبيرة كانت قد حدثت آنذاك، ربما في آيسلندا أو السلفادور، مما جعل درجات الحرارة تنخفض كثيرا بفعل حجب الرماد البركاني لأشعة الشمس لمدة سنة كاملة. في تلك الأزمنة، من الطبيعي أن يفسر الناس هذه الأجواء المخيفة على أنه عقاب من عند الله، وكان الكثير منهم على غرار ذلك يخشون قرب نهاية العالم.

كما لو أن درجات الحرارة المنخفضة على مدار العام، وانعدام نور الشمس، واستحالة زراعة أي شيء لم تكن كافية، فقد دخلت أقسام كبيرة من العالم القديم في حروب دامية، شهدت هذه الحروب سقوط كلا قسمي الإمبراطورية الرومانية، مما ترك العالم في فوضى عارمة وحالة من انعدام الأمان والاستقرار.

حتى لو تمكنت بطريقة ما من النجاة من جحيم سنة 536، فإن القدر كان يخبئ لك عشرية كاملة من البؤس لتمر عليك، حيث يعتقد الباحثون بحدوث ثورات بركانية أكبر في سنة 540، أضف إلى ذلك تفشي وباء الطاعون الدبلي في سنة 541.

يقول (مايكل مكورميك)، بروفيسور في جامعة (هارفرد): ”لقد كانت هذه السنة بداية واحدة من أسوء الحقبات ليكون المرء حيا فيها، بل كانت أسوء سنة على الإطلاق“.

6. في سنة 1601، دفع ثوران بركاني في البيرو بالملايين في روسيا إلى الهلاك جراء المجاعة:

المجاعة الروسية

قد تكون ”مجاعة البنغال“ أكثر شهرة، غير أن المجاعة التي اجتاحت روسيا ابتداء من سنة 1601 كانت على نفس الدرجة من السوء، وبينما يبقى عدد الضحايا مجهولاً، غير أنه يعتقد بأن حوالي مليوني شخص ماتوا جوعاً، ومعظمهم خلال السنة الأولى للكارثة.

يعني هذا أن واحدا من كل ثلاثة روسيين مات في فترة زمنية لا تتعدى ثلاثة سنوات، كما أدت هذه المجاعة في نفس الوقت إلى حالة من التوتر والاضطراب الاجتماعي والسياسي، بما فيها سقوط (بوريس غودونوف)، الذي كان قد أعلن عن نفسه كقيصر على جميع الروس.

لم تطل المجاعة الروس فقط في سنة 1601، في سنة 2008، اكتشف الباحثون أن تبعات الثوران البركاني الذي حدث في سنة 1601 في البيرو كان لها أثر وخيم على جميع أنحاء العالم: حجب الرماد المنبعث منه أشعة الشمس عن العالم كله، مما ضرب المحاصيل الزراعية في عدة بلدان في الصميم، من بينها فرنسا، وسويسرا، واليابان والصين.

تظهر السجلات التاريخية أن حوالي 127 ألف شخص دفنوا في قبور جماعية في موسكو بين سنتي 1601 و1602، كما تم تداول الكثير من القصص عن أشخاص يقتلون حيواناتهم الأليفة من أجل التغذي عليها واستعمال فرائها لتدفئتهم.

5. كانت سنة 1943 أسوء سنة في الحرب العالمية الثانية، وذلك بسبب آلة القتل الآلمانية:

المحتشدات الألمانية

في الواقع، لم تكن هناك أية سنوات جميلة بين بداية ونهاية الحرب العالمية الثانية، غير أن سنة 1943 تعتبر بدون شك أسوء سنة في تلك الحرب كلها، ليس فقط لأن القتال بلغ ذروته خلالها، بل لأن آلة القتل الألمانية (الهولوكوست) وصلت لذروتها هي الأخرى.

على مر سنوات، كان نظام الحكم النازي يخطط لطريقة يبيد بها اليهود من العالم، وبحلول صيقف سنة 1943 تمكنوا من إتقان نظامهم في القتل المنهجي وجعلوا منه فعالا جدا، وخلال أول نصف من سنة 1943، يقدر أن حوالي 1.2 مليون يهودي تم ترحيلهم من الأراضي المحتلة على يد النازيين إلى محتشدات الموت.

بحلول هذه النقطة من الحرب، كانت قوات الحلفاء على علم بما كان يهود أوروبا يعانون منه، غير أنهم، سواء لعدم توفرهم على القدرة العسكرية، أو وفقا للبعض لافتقارهم للرغبة السياسية، لم يفعلوا شيئا لوقفه.

شهدت سنة 1943 كذلك زيادة بريطانيا لحجم الغذاء الذي كانت تأخذه من مستعمراتها في الهند، مما تسبب في موت حوالي 3 ملايين شخص في مقاطعة البنغال مما أصبح يعرف لاحقا بمجاعة البنغال الشهيرة.

وفي الولايات المتحدة الأمريكية، تصعّد العنف بسبب التمييز العنصري على طول البلاد، على وجه الخصوص بسبب التجنيد القسري للجنود السود دون منحهم حقوقا كاملة كالجنود الآخرين.

4. كانت بداية سنة 1914 مشرقة، مع استمتاع أوروبا بسلام وازدهار غير مسبوقين، لكنها انتهت بمجازر دامية:

الحرب العالمية الأولى

باعتبار التباين الهائل بين بدايتها ونهايتها، يمكننا الجزم بأن سنة 1914 كانت واحدة من أسوء السنوات على الإطلاق. في بداية السنة، كانت أوروبا تنعم بسلام تام، فقد كانت معظم مجتمعاتها تستمتع باستقرار وازدهار غير مسبوقين، وبالنظر إلى تلك الفترة بالذات، من الصعب رؤية أية بوادر تنذر بما كان يخبؤه المستقبل من حروب.

في يونيو سنة 1914، مباشرة قبل اغتيال (فرانز فيرديناند)، الشعلة التي غذت الحرب العالمية الأولى، تمت دعوة القيصر الألماني إلى بريطانيا من أجل معاينة الأسطول البحري البريطاني، وهو الأمر الذي مثل علامة على علاقات جيدة بين البلدين.

غير أنه بوصول سنة 1914 إلى نهايتها، كان مئات الآلاف من الرجال مستلقين قتلى في ساحات المعارك على طول القارة الأوروبية. سرعان ما اندثرت آمال أن تكون هذه الحرب سريعة ومجيدة، ومن خلال ذلك، مثلت سنة 1914 بداية الحروب بمفهومها الحديث، والاستعمال الواسع لتكنولوجيا القتل الحديثة، بما فيها الرشاشات، ومدافع الهاون، والطائرات والغازات السامة، وهو الأمر الذي غير وجه الحروب إلى الأبد.

بالنسبة لبعض المؤرخين المختصين في الحروب البشرية، فإن التكتيكات والطرائق التي استعين بها في حرب فيتنام، والحرب العالمية الثانية، وحرب العراق، وحتى حروب الطائرات بدون طيار في أيامنا هذه، يمكن ربط بدايتها جميعها بسنة 1914.

3. اشتهرت سنة 1816 بكونها ”سنة بدون صيف“، بسبب كل ذلك الرماد البركاني الذي ساد السماء حول العالم، جالبا معه البؤس والمجاعات:

سنة بدون شمس

اشتهرت هذه السنة في سجلات التاريخ بكونها السنة التي خفت فيها ضوء الشمس كثيراً، وبالنسبة للملايين آنذاك، بدا وكأن العالم بأسره على مشارف نهايته. في أوروبا كما في شمال أمريكا، كانت الثلوج تتهاطل في شهر يونيو، وكانت درجات الحرارة تنخفض إلى ما دون عتبة التجمد في شهر يوليو.

بقيت السماء داكنة اللون دائما تقريبا ولم تكن الأرض تنبت بشيء من المحاصيل، مما أدى إلى مجاعات واسعة وانعدام الاستقرار، والسبب في ذلك كان ثوران بركان هائل الحجم في أندونيسيا في أبريل سنة 1816 يعرف باسم (ماونت تامبورا)، الذي قذف بملايين الأطنان من الرماد والسولفور إلى الغلاف الجوي للأرض، مؤثرا بذلك على أحوال الطقس في العالم كله.

بانخفاض درجات الحرارة حول العالم كله بثلاث درجات مئوية، أخذ عدد من الأمراض بالانتشار، أصيب الناس بذعر كبير وبدأ رجال الدين ينذرون بقرب نهاية العالم، فقرر الكثير من الناس حزم أغراضهم والرحيل أملا في تفادي نهاية العالم المحتومة، بالطبع لم يتمكن 12 ألف أندونيسي من فعل ذلك لكونهم هلكوا على الفور إثر ثوران البركان.

في نفس الوقت، حافظ بعض الناس على رباطة جأشهم، ولزموا منازلهم حيث كانوا يصلون أو يأملون في الخلاص، ويقال أن (ماري شيلي) الشهيرة جاءها الإلهام لتأليف روايتها السوداوية الشهيرة (فرانكنشتاين) بفضل هذه السنة ”بدون صيف“.

2. شهدت سنة 1968 آمال الملايين تندثر بسبب حادثي اغتيال شهيرين:

الاحتجاجات ضد التمييز العنصري في أمريكا

بالنسبة للكثيرين ممن عايشوا هذه الحبقة، مثلت سنة 1968 نهاية أمل وتفاؤل جلبته سنوات الستينات معها. في الولايات المتحدة، بلدٌ مازال يترنح من مقتل الرئيس (كينيدي)، كان يُنظر إلى شقيقه (روبيرت) على أنه أفضل بديل للرئيس من أجل متابعة مسيرته نحو نقل الولايات المتحدة نقلة نوعية، غير أن هذا الأخير تعرض للاغتيال هو الآخر في (لوس أنجلوس).

في هذه السنة كذلك، تعرض قائد الحقوق المدنية وأيقونة الملايين (مارتين لوثير كينغ) للاغتيال، الذي دفع مقتله وتزايد الصراعات على نيل الحقوق المدنية، وكذا انتشار البطالة بالعديد من المدن الأمريكية إلى الدخول في حالة من الفوضى والشغب وانعدام الاستقرار.

أضف إلى ذلك، أنه بحلول نهاية السنة تم انتخاب (ريتشارد نيكسون) رئيسا للولايات المتحدة، ثم بدأت الأخبار السيئة تصل من فيتنام بمعدل يومي.

خارج الولايات المتحدة، كانت سنة 1968 سنة ملؤها الآمال الكبيرة التي سرعان ما خابت، ففي أوروبا كانت عدة ثورات شبانية تأمل في إحداث تغيير فعلي في الأوضاع السياسية والاجتماعية هناك، ومن بينها دولة (تشيكوسلوفاكيا) آنذاك التي كانت تقبع تحت سيطرة الاتحاد السوفييتي، والتي استمرت فيها الثورات على طول السنة، غير أنه بحلول نهاية سنة 1968، وضعت قوات الجيش السوفييتي نهاية لثورة شباب (براغ) وقامت بتضييق قبضتها على البلد.

كانت الحرية لتنتظر بضعة عقود إضافية من الزمن حتى تحل على (تشيكوسلوفاكيا). في باريس، ذبلت الثورة الطلابية دون إحداث أي تغيير يستحق الذكر سواء على المجتمع أو على سياسات الدولة، ومنه مثلت سنة 1968 نهاية لحقبة الستينات التي كانت حقبة مفعة بالحيوية في معظم أنحاء العالم.

1. مثلت سنة 1347 ذروة الطاعون الدبلي، خلالها استسلم 60 في المائة من سكان أوروبا لهلاك سريع ومريع:

الطاعون الدبلي

كانت سنة 1347 ذروة تفشي وباء الطاعون الدبلي في أوروبا وأجزاء من آسيا. لمدة شهور، ظل هذا الوباء يفتك بآلاف الأرواح في منطقة البحر الأسود، وفي بداية سنة 1347، تم جلب هذا المرض إلى بقية أنحاء أوروبا عبر السفن التجارية.

وفقا لإحدى الروايات القديمة التي تناولت الموضوع بنوع من الهزلية، فقد ”كان المرء في تلك السنة ليتناول وجبة الغداء مع أفراد عائلته ووجبة العشاء مع أسلافه في السماء“، في وصف للسرعة التي كان وفقا لها هذا الوباء الخطير يحصد الأرواح.

تشير التقديرات إلى أن ضحايا الطاعون الدبلي في تلك الحقبة حوالي 200 مليون ضحية، مما يعني حوالي 60 في المائة من سكان أوروبا زالوا من على وجهها في غضون أشهر معدودة.

غير أن الطاعون لم يخلف أثرا محسوسا فحسب، بل تعدّاه ليكون له أثر نفسي على عقول من عايشوا الفترة، حيث تسبب في فقدان الكثيرين للأمل في الحياة، وسادت الخرافات والدجل وانغمست أوروبا في عصر مظلم ما كان ليندثر حتى بدء عصور التنوير إلى غاية نهاية القرن الثامن عشر.

المصدر: دخلك بتعرف

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى