في العام 1930 ، وفي بيئة شديدة الفقر ، وُلد الطفل ميلود في منطقة الشعبة احدى المناطق القريبة من مدينة الصوير بالمملكة المغربية. في ذلك الوقت، وكونها منطقة بعيدة، كانت الظروف الحياتية شديدة البساطة، وتختلف تماماً عن مغرب اليوم.
لم يكن في الامكان في بيئة بسيطة كهذه ان يتلقى ميلود تعليماً نظامياً جيداً، بسبب المشاكل الاقتصادية وايضا الاحتلاف الفرنسي، ناهيك انه ينحدر من اسرة لا يمكن وصفها ميسورة الحال بأي شكل.
كان الحل الوحيد لتعليم هذا الطفل في بيئة كهذه ، هو أن يتلقى تعليمه في مسجد القرية الصغير.
طفل يرعي الماعز والاغنام
في طفولته، بدأ ميلود حياته العملية في رعي الأغنام في بلدته. وعندما كبر قليلا وشارف المراهقة، لم يكن امام الشاب الصغير الا الذهاب الى اقرب مدينة في المغرب ليستقر بها ويبحث عن فرص عمل جيدة، فانتقل الى مراكش وقضى فيه بعض الوقت، الا انه لم يكلل بالنجاح.
لم يعثر ميلود على وظيفة جيدة في هذه المدينة، فاضطر الى المغادرة مرة اخرى ليحط الرحال به في مدينة القنيطرة.
في القنيطرة، بدأ ميلود عمله بأجر يومي شديد التواضع، حيث عمل كعامل بناء. في الحقيقة ان عمله هذا مع بساطته، الا انه جذب انتباهه بشكل كبير، وشعر بشكل أو بآخر بالشغف الشديد بمجال البناء، وهو الشاب الذي جاء من خلفية زراعية ورعوية كاملة.
رجل الاعمال يستيقظ
مع فهمه لتفاصيل كثيرة في مجال البناء والتشييد، بدأ ميلود ببعض المدخرات السيطة في اطلاق شركة مقاولات صغيرة محدودة للغاية في العام 1948 وهو لم يكمل العشرين من العمر، باتلعاون مع شركاء آخرين صغار استثمروا معه في هذه الشركة.
كانت هذه هي الضربة الاولى التي جعلت الشاب يدخل في عالم البيزنس، لييفهم كل شيء عن عالم العقارات والتشييد، والذي استمر اكثر من 15 عاماً، اكتسب فيها ميلود – الذي سُمي بميلود الشعبي نسبة الى بلدته – كل الخبرات في عالم الاعمال.
في العام 1964، أطلق ميلود مغامرته التجارية الجديدة، وهي تأسيس مصنع صغير للسيراميك والخزف. كانت هذه مرحلة تكميلية لما بدأه لإنشاء شركة البناء الخاصة به، ولتكمّل اعماله في هذا التخصص.
اربعة سنوات اخرى مضت، وبحلول العام 1968، كانت شركته للسيراميك ” سوبر كريمي ” بدأت في التصدير خارج المغرب لبعض الدول العربية والافريقية المجاورة.
النمو في السوق المغربي
مع توسع اعمال ميلود، وبدء ظهوره كرجل اعمال واعد في المغرب وشمال افريقيا، بدأ رجل الاعمال الطموح في التركيز على المساهمة والشراكة والاستحواذ مع بعض الشركات الفرنسية الكبيرة التي كانت تنشط في المغرب وشمال افريقيا في ذلك الوقت ، وتهمين على السوق بشكل كامل تقريباً.
في منتصف الثمانينيات، وبعد رحلة طويلة في المنافسة بين ميلود وشركة دولبو ديماتيت الفرنسية لتجهيزات الري الزراعي ومواد البناء ، استحوذ ميلود على الشركة الفرنسية ، واعتبر نصراً كبيراً لرجل الاعمال المغربي في الاستحواذ على واحدة من كبار الشركات المنافسة له.
لاحقاً، اسس ميلود الشعبي مجموعة ” يينا ” القابضة ، والتي كانت بداية تحول ميلود الشعبي الى رجل اعمال كبير في اسواق مختلفة ، وليس فقط في سوق البناء وكمالياته ومعداته.
امبراطورية الشعبي
مع تأسيس مجموعة يتتا القابضة، بدأ ميلود التحرك بشكل واسع في اسواق مختلفة، فأسس في العام 1992 شركة للتغليف والكارتون ، ثم شركة للاجهزة الكهربائية والكابلات ، ثم اقتنص صفقة لصناعة البتروكيماويات ، وأيضا اطلق سلسلة من المتاجر والمولات التجارية بإسم ( اسواق السلام ).
كما اسست مجموعة يينا القابضة برئاسة ميلود الشعبي سلسلة فنادق فخمة اسمها ” رياض موغادور ” تقدم ارقى الخدمات الفندقية، مشترطاً عدم تقديم الخمور والمشروبات الكحولية فيها، وذلك في العام 1999.
دخول عالم السياسة
بقدوم الألفية الجديدة، وفي العام 2002 كثف ميلود الشعبي نشاطه السياسي بحجز بمقعد في البرلمان المغربي ، ثم فاز به مرة اخرى في العام 2007 ممثلاً عن مدينة الصويرة، واستمر في البرلمان المغربي حتى العام 2014 عندما تنازل عن ادواره السياسية بسبب حالته الصحية.
وفي العام 2016، رحل ميلود الشعبي عن الحياة بعمر يناهز السادسة والثمانين، في رحلة استمرت اكثر من 70 عاماً بدأها كراعي غنم ، ثم عامل بناء ، وانتهت به كواحد من اهم وابرز رجال الاعمال العصاميين في المغرب، بثروة قدرت حين وفاته بأصول تقارب المليار دولار ، ومؤسس لعدد من اقوى الكيانات الاقتصادية التي تحتوي على عشرات العلامات التجارية وآلاف الموظفين.