نجا بأعجوبة من أحداث 11 سبتمبر ثم وُجد مقتولاً …قصة الشخص الذي حير نيويورك
لقي أكثر من ألفي شخص مصرعهم في مدينة نيويورك يوم الـ11 من سبتمبر/أيلول عام 2001، أسماؤهم كثيرة ومكتوبة على النصب الذي شيدته المدينة مكان الأبراج، لكن أحد أشهر هذه الأسماء، هنريك سيوياك، لن تجده على النصب.
لم يمت المهاجر البولندي في هجمات الـ11 من سبتمبر/أيلول 2001، بل قُتِلَ في تلك الليلة بمنطقة بروكلين، وتاهت وفاة سيوياك وسط الفوضى المرعبة التي أعقبت هجمات الـ11 من سبتمبر/أيلول.
وبينما انشغل العالم بصور الدخان الرمادي الكثيف الذي تصاعد وسط مانهاتن، عجزت شرطة نيويورك المنهكة عن الاستجابة بقوة عند إطلاق النار على سيوياك.
ماذا حدث لهنريك سيوياك؟
وُلِدَ هنريك سيوياك في كراكوف ببولندا عام 1955. وكان شغوفاً بالعلم، لكنه فشل في دخول الجامعة. وحصل بدلاً من ذلك على شهادة من مدرسة تقنية ليصير مفتشاً في هيئة السكك الحديدية الوطنية البولندية. وتزوج سيوياك عالمة تُدعى إيوا، لينجبا طفلين.
وفي عام 2000، أُقيل سيوياك من وظيفته كمفتش، ودخل الاقتصاد البولندي حالةً من الفوضى وصلت بمعدلات البطالة إلى 15%، مما منع سيوياك من الحصول على وظيفة، فقرر الانتقال إلى مدينة نيويورك؛ للحصول على ما يكفي من المال لإعالة أسرته.
عانى سيوياك بسبب لغته الإنجليزية الركيكة، لكنه حصل على وظائف في مجال الإنشاءات، وكانت كافيةً ليظل واقفاً على قدميه. ثم انتقل إلى منطقة كوينز، التي كانت شقيقته لوسينا هاجرت إليها قبل 6 سنوات. وفي كل شهر، كان سيوياك يُرسل نصف دخله الشهري (ألف دولار أمريكي) إلى أرض الوطن؛ لتمويل دراسة ابنته الجامعية.
وفي صباح الـ11 من سبتمبر/أيلول، كان سيوياك يعمل بموقع إنشاءات بمانهاتن، وشاهد إحدى الطائرات وهي تضرب البرجين، ولكن لم يرغب في التوقف عن العمل ذلك اليوم؛ أملاً في جني المال الذي تحتاجه عائلته بشدة.
أنهت الهجمات نوبة عمله قبل موعدها، ومع ذلك، وجد سيوياك عملاً مسائياً آخر يقوم فيه بمهام التنظيف.
وقالت زوجته لاحقاً: “طلبت منه أن لا يغادر المنزل في تلك الأمسية؛ تحسباً لأي شيء. إذ كانت الأوضاع خطيرة في نيويورك آنذاك”.
لكن سيوياك ظل عازماً على إنهاء عمله اليومي، فارتدى سترته المموهة المفضلة، على شكل سترة عساكر الجيش، وخرج إلى الشارع. ولم يعُد إلى المنزل بعدها مطلقاً.
جريمة قتل سيوياك في الـ11 من سبتمبر بلا حل
قبل خروجه، سأل هنريك سيوياك مالكةَ شقته عن العنوان، ولكن أثناء مراجعتهما خريطة المدينة، ارتكبت مالكة المنزل خطأ قاتلاً لسيوياك.
إذ أوضح الملازم توم جويس: “أشارت له إلى شارع ألباني على الخريطة”. لكنها اختارت شارع ألباني يبعد نحو خمسة كيلومترات عن شارع ألباني الذي كان يريده سيوياك: “هذا هو الأمر المحزن، أنه كان بعيداً للغاية عن وجهته”.
وفي طريقه إلى الوجهة الخاطئة، خرج سيوياك من محطة مترو أنفاق شارع فولتون في تمام الـ11 مساءً. ولأنه كان بعيداً عن وجهته، استكمل سيوياك رحلته سيراً على الأقدام، وربما لفت بعض الأنظار أنه وصل إلى شارع يسمى ديكاتور.
وتعتقد عائلة سيوياك أن القاتل ربما ظنّ بطريق الخطأ أنه كان يمثل تهديداً بسبب لكنته وسترته المموهة، في ظل الهجوم الإرهابي الذي وقع صبيحة ذلك اليوم.
لكن محقق شرطة نيويورك، مايك برات، ليس واثقاً بذلك، رغم علمه أن سيوياك دخل منطقة خطرة في المدينة: “من سوء حظه أن ذلك المربع السكني كان خطيراً في ذلك الوقت. إذ تفشت فيه المخدرات والعصابات… ولا أعلم ما إذا كان انهيار مركز التجارة العالمي قد أثّر فعلياً على تجارة المخدرات في شارع ألباني”.
وقالت ميشيل برايس، المقيمة منذ فترة طويلة والتي تعيش في شارع ديكاتور منذ عام 1959: “أفضل وقت للمشي بين فولتون وديكاتور هو من الساعة الـ7 صباحاً حتى الساعة الـ11 صباحاً”، في إشارة إلى العصابات التي تحكمه.
وعلى نحوٍ مأساوي، تعتقد الشرطة أن سيوياك “قابَل مجموعةً ما” قبل منتصف الليل بقليل، وربما اعتقدوا بطريق الخطأ أنه يمثل تهديداً. وفي تمام الساعة الـ11:42 مساءً، أُطلِق الرصاص على سيوياك في منطقة الصدر. وخلّف سيوياك وراءه خطاً من الدماء وهو يحاول الحصول على مساعدة بقرع جرس الباب، حسب صحيفة New York Times.
وقال المحقق جورج هارفي: “في عام 2001، لم تكن هناك أجهزة آيفون أو كاميرات مراقبة بالفيديو. وربما كان هناك قليل من الكاميرات، ولكن ليس بنفس درجة انتشارها اليوم في الحي… وحينها، كنا نعتمد فقط على العامة الذين يزودوننا بالمعلومات”.
لكن أحداً لم يفعل. وعجزت شرطة نيويورك، المنهكة بالفعل، عن الاستجابة بشكلٍ كامل وسريع في موقع الجريمة.
لغز مقتل سيوياك ما يزال قائماً
يُصادف الـ11 من سبتمبر/أيلول عام 2021 الذكرى العشرين لمقتل هنريك سيوياك -دون أي أدلة حتى الآن. وفي أعقاب مقتله، لم يتقدم شاهدٌ للإدلاء بمعلومات، ولم تعثر الشرطة على أي تسجيلات للجريمة.
وليس لدى الشرطة سوى جثة المهاجر المقتول في خضم أحداث الـ11 من سبتمبر/أيلول.
ورغم أن السكان المحليين تذكروا لاحقاً رؤية رجلٍ غريب يحمل حقيبةً ويسأل عن الاتجاهات، فإن أياً منهم لم يشهد لحظة مقتله، أو من جرأ على الحديث منهم على الأقل. وسمع البعض أصوات ست أو ثماني رصاصات، لكن هوية القاتل ما تزال لغزاً.
وتعتقد الشرطة أن محاولة سرقة فاشلة ربما كانت السبب في إثارة الواقعة.
إذ قال هارفي: “ربما لم يفهم ما كان يُقال له من الأساس، إن كان القاتل قد قال شيئاً، أو ربما عجز عن التواصل بالكلمات مع سكان المربع السكني”.
وتعرض شرطة نيويورك الآن 10 آلاف دولار مقابل أي معلومات تُفضي إلى القبض على قاتل هنريك سيوياك، إلى جانب ألفي دولار أخرى من جمعية Crime Stoppers الخيرية لمكافحة الجريمة، حسب موقع إذاعة نيويورك WNYC.
أما بالنسبة لأسرة سيوياك، فهي تشعر بأن مأساة الـ11 من سبتمبر/أيلول مسألةٌ شخصية وغير عادلة.
إذ قالت زوجته إيوا: “تخيّلوا حدوث العكس، في حال قُتل أمريكي داخل بولندا. حينها كانت الأمور ستنقلب رأساً على عقب، ولن يعود القتيل إلى الحياة، لكن قاتله سوف يُقبض عليه دون شك”.