طريق جديد وآمن لتوريد القمح.. هكذا تسعى تركيا لإنقاذ العالم من مجاعة وشيكة
بالتزامن مع تصاعد التوترات بين روسيا وأوكرانيا، يعاني كثير من بلدان العالم أزمة حبوب نتيجة عدم تَمكُّن سفن الشحن من مغادرة الموانئ الأوكرانية بسبب الحـ.ـرب الدائرة بين الدولتين منذ 24 فبراير/شباط الماضي.
وفي المقابل فعّلَت أنقرة دبلوماسيتها العابرة للحدود لوضع حدّ لهذه الأزمة التي تُنذر بمجاعة عالمية، الأمر الذي لقي إشادة كبيرة من الأمم المتحدة والقادة في حلف الناتو.
إلى جانب مساهمتها في السلام الإقليمي والعالمي من خلال توسطها لحلّ الأزمة الأوكرانية عبر قنوات الحوار والمفاوضات، تواصل تركيا أداء دورها بحلّ أزمة الغذاء التي تُعَدّ مشكلة إنسانية قد تُلقِي بظلالها على كثير من الدول المستهلكة للحبوب، جرَّاء شُحّ الحبوب القادمة من البلدين المتحاربين، بالأخصّ القمح.
تجدر الإشارة إلى أن روسيا تُعَدّ أكبر مصدّر للقمح في العالم بواقع 38 مليون طن سنوياً، فيما تحلّ أوكرانيا في المرتبة الخامسة بالترتيب العالمي بأكثر من 18 مليون طن سنويّاً.
وتمثّل صادرات البلدين مجتمعةً قرابة 56 مليون طنّ سنوياً من القمح فقط، إضافة إلى الشعير والذرة وباقي أنواع الحبوب.
بوادر مجاعة عالمية
على الرغم من أن التوقعات التي تشير إلى صعود الإنتاج العالمي من القمح هذا العام إلى 778.6 مليون طن، من الرقم القياسي العالمي الأعلى في التاريخ بواقع 774.8 مليون طن في 2021، وفق بيانات منصة “STATISTA” للإحصاءات الاقتصادية، فإن قضية الأمن الغذائي باتت تشكّل مصدر قلق إقليمي على الأقلّ.
إذ تذهب 40% من شحنات الذرة والقمح السنوية لأوكرانيا، إلى أسواق الشرق الأوسط أو إفريقيا.
فيما بلغ مخزون كييف من الحبوب نحو 25 مليون طن، وتواجه البلاد خطر نفاد الطاقة الاستيعابية للمخازن مع قرب موسم الحصاد ودخول محاصيل جديدة، الأمر الذي دفع أوكرانيا قبل أيام إلى تصدير الحبوب عبر نهر الدانوب المارّ بحدودها الجنوبية.
فيما قال مستشار الوالي العسكري لمنطقة أوديسا الأوكرانية يوري ديمكوغلو، إن مواني المدينة وحدها تحوي حالياً 6 ملايين طن من الحبوب بانتظار التصدير.
أيضاً فإنّ أوكرانيا والولايات المتحدة هما المورّدان العالميان شبه الوحيدين للذرة في الوقت الحالي إلى أسواق آسيا وأوروبا، فيما يبعد محصول الأرجنتين بضعة أشهر عن السوق الآسيوية، كذلك حال الذرة القادمة من البرازيل.
هذه المخاوف من حدوث بوادر مجاعة في حال تَعطُّل إمدادات القمح من روسيا وأوكرانيا تأتي فيما سجّلَت أسعار الغذاء العالمية زيادة 30% في 2021، وفق بيانات منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة “فاو”.
تركيا تسعى لإنقاذ العالم
منذ أن بدأت أزمة الحبوب تلقي بظلالها على العالم مهدّدة بمجاعة عالمية، بذلت تركيا أقصى جهودها لإيجاد الحلول العملية والخروج بنتائج إيجابية بخصوص ممر الحبوب المخطط إنشاؤه لنقل الحبوب من المواني الأوكرانية عبر البحر الأسود.
ومطلع الأسبوع الجاري بحث الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في اتصال هاتفي مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين عدداً من القضايا الهامة على الساحة الدولية، في مقدمتها تدشين ممرّ آمن لتصدير الحبوب عبر البحر الأسود.
وجدّد أردوغان الدعوة إلى إنهاء الحـ.ـرب الروسية-الأوكرانية عبر سلام دائم وعادل عن طريق التفاوض، معرباً عن استعداد أنقرة لتقديم كل أشكال المساهمة لإحياء مسار المفاوضات بين موسكو وكييف.
فيما أوضح وزير الدفاع التركي خلوصي أقار الأسبوع الماضي، أن المباحثات التي أجراها الرئيس أردوغان لحلّ “أزمة الغذاء” جرت إيجابيّاً، وأردف: “بهذا الموضوع 4 جهات فاعلة، هي تركيا وروسيا وأوكرانيا والأمم المتحدة، وبُعد أمني في الملاحة البحرية، بسبب الألغام، وأمن المواني، فضلاً عن قضايا أخرى مثل مخاوف البلدان”. وأضاف: “لدى الأمم المتحدة قرارات وإطار وخطة، ونبذل جهودنا لإيجاد طريق عبر تقييم هذه الأمور كافة”.
يُذكر أنه بمبادرة تركية، أُنشئَ “خط أحمر” بين أنقرة وموسكو وكييف لحلّ أزمة خروج سفن الشحن الناقلة للحبوب من مواني الأخيرة.
بوادر انفراجة قريبة
ردّاً على الأسئلة المتعلقة بـ”اللقاء الرباعي” الذي عُقد في إسطنبول الأربعاء، أشار الوزير أقار إلى أنه في المفاوضات مع روسيا وأوكرانيا لحلّ أزمة الحبوب التي تؤثّر في العالم بأسره، أُكّد إجلاء الحبوب والموادّ الغذائية الأخرى الموجودة في المواني الأوكرانية، وأنه سيُنشأ مركز تنسيق في إسطنبول.
وفي اللقاء الذي جمع الوفود العسكرية لوزارات الدفاع التركية والروسية والأوكرانية ووفد الأمم المتحدة، دُرسَت التفاصيل كافة المتعلقة بالنقل الآمن للسفن المحملة عن طريق البحر.
كما اتُّفق على القضايا الفنية الأساسية كإنشاء مركز تنسيق في إسطنبول حيث سيكون ممثلو جميع الأطراف حاضرين، ووُضعَت ضوابط مشتركة عند مخرج الميناء ونقاط الوصول، مما يضمن سلامة الملاحة على طرق النقل.
لذلك فإن الاتفاق على المبادئ الأساسية يعني أن الأزمة تتجه نحو الانفراج، خصوصاً أن الطرفين على استعداد لحلّ هذه المشكلة، إذ سيجتمع الوفدان الأوكراني والروسي مرة أخرى في تركيا الأسبوع المقبل لمراجعة كل التفاصيل وتوقيع خارطة الطريق التي رعتها تركيا لحلّ أزمة الغذاء التي تُعَدّ مشكلة إنسانية، حسبما قال وزير الدفاع خلوصي أقار.
TRT عربي