
لماذا دفنت مايكروسوفت خوادمها في أعماق البحار؟
قصة مشروع “ناتيك” الذي قد يغير شكل الإنترنت إلى الأبد!
عندما تسمع أن شركة بحجم مايكروسوفت قررت أن تنقل خوادمها من اليابسة إلى أعماق المحيط، قد تعتقد أن الأمر مجرد مزحة أو دعاية تسويقية. لكن الحقيقة أن هذه التجربة جرت بالفعل، ونتائجها كانت مذهلة لدرجة أن الخبراء يعتقدون أنها ستعيد تشكيل مستقبل الإنترنت.
ما هي الخوادم ولماذا تهمنا؟
الخوادم هي أجهزة حاسوب عملاقة وسريعة للغاية تخزن كل ما نعرفه تقريبًا عن العالم الرقمي: مواقع، صور، مقاطع فيديو، تطبيقات، بيانات شخصية… إلخ.
أصحاب المواقع والخدمات يستأجرون هذه الخوادم من شركات كبرى مثل مايكروسوفت، التي تقدم خدماتها عبر منصتها الشهيرة Microsoft Azure.
لكن، لماذا تضع مايكروسوفت هذه الخوادم في البحر بدلًا من مبانٍ ضخمة على اليابسة؟
البداية: مشروع “ناتيك”
في عام 2014 أطلقت مايكروسوفت مشروعًا طموحًا أطلقت عليه اسم ناتيك، هدفه اختبار إمكانية تشغيل مراكز بيانات كاملة تحت سطح البحر.
المرحلة الأولى كانت مجرد دراسة حول كيفية عزل الخوادم عن الماء. أما المرحلة الثانية فقد شهدت بناء كبسولات فولاذية ضخمة مليئة بالخوادم، تم تجهيزها لتتحمل الضغط المائي وتُغمر في البحر.
اختارت الشركة بحر الشمال قرب جزر أوركني في اسكتلندا لتجربة المشروع. هناك وضعت كبسولة تحتوي على 864 خادمًا بسعة تخزين تعادل 27.6 بيتابايت، وأحاطتها بغاز النيتروجين بدلًا من الهواء لحمايتها من التآكل.
التجربة تحت الماء
في عام 2018 تم إنزال الكبسولة في مياه بحر الشمال، حيث بقيت غارقة عامين كاملين. وعندما أُعيدت إلى السطح في يوليو 2020، كانت المفاجأة:
الخوادم عملت بكفاءة عالية.
معدل الأعطال انخفض إلى ثمانية أضعاف أقل من الخوادم على اليابسة.
البيئة المعزولة منعت الرطوبة والأكسجين من إتلاف الأجهزة.
هذا النجاح أثبت لمايكروسوفت أن البحر قد يكون المكان الأمثل لمراكز البيانات المستقبلية.
لماذا البحر؟
1. التبريد الطبيعي
مراكز البيانات التقليدية تستهلك كميات هائلة من الطاقة فقط لتبريد الخوادم. أحيانًا تصل تكلفة التبريد إلى نصف التكلفة التشغيلية الكلية!
أما البحر فهو مكيف طبيعي ضخم، فمياهه العميقة باردة وثابتة الحرارة على مدار السنة، ما يوفّر مليارات الدولارات ويزيد الكفاءة.
2. سرعة الإنترنت
44% من سكان العالم يعيشون ضمن 150 كيلومترًا من السواحل. وجود مراكز البيانات تحت الماء بالقرب من هذه المناطق يعني تقليل المسافة بين المستخدم والخادم، وبالتالي سرعة استجابة أعلى للإنترنت.
3. بناء أسرع وأرخص
بناء مركز بيانات على اليابسة قد يستغرق عامين ويحتاج إلى عقارات ضخمة وشروط معقدة.
بينما كبسولات البحر يمكن تصنيعها خلال 90 يومًا فقط ثم شحنها وإنزالها في الموقع المطلوب.
ماذا عن البيئة؟
أثار المشروع تساؤلات حول تأثير هذه الكبسولات على الحياة البحرية. لكن المفاجأة أن الكبسولات تحولت إلى ما يشبه الشعاب المرجانية الاصطناعية، حيث تراكمت عليها كائنات دقيقة وجذبت الأسماك، ما عزز التنوع البيولوجي بدل أن يهدده.
حتى الحرارة التي تصدرها الخوادم لا تشكل خطرًا، فالمحيط الشاسع قادر على امتصاصها بسهولة، كما يحدث بالفعل مع الكابلات البحرية لنقل الإنترنت.
التحديات
رغم المزايا المبهرة، لا يزال هناك عقبات:
الصيانة: لا يمكن إرسال فريق غوص كلما تعطل جهاز، لذا يجب تصميم الخوادم لتعمل 5 سنوات كاملة دون تدخل.
التوسع: رغم أن الكبسولات الحالية صغيرة نسبيًا مقارنة بمراكز البيانات الأرضية (التي قد تضم 50 ألف خادم)، إلا أن مايكروسوفت ترى أن الفكرة قابلة للتطوير مستقبلًا.
من “السحابة” إلى البحر!
نحن معتادون على مصطلح “الحوسبة السحابية”، لكن يبدو أن الاتجاه الجديد هو نحو “الحوسبة البحرية”!
تخيل أن صورك على فيسبوك ورسائلك على واتساب وحتى ألعابك على إكس بوكس قد تكون محفوظة في كبسولة معدنية غارقة في أعماق المحيط!
هل هو مستقبل الإنترنت؟
إذا استمرت مايكروسوفت في مشروعها، فقد نشهد ثورة حقيقية:
إنترنت أسرع.
تكلفة أقل.
استدامة بيئية أفضل.
لكن السؤال الكبير يبقى:
هل ستتبعها باقي الشركات مثل غوغل وأمازون؟
وهل نعيش يومًا في عالم تُدار فيه بياناتنا من أعماق المحيط بدل “السحب” التي اعتدناها؟
شاركنا رأيك: هل تعتقد أن هذه الفكرة هي ثورة عبقرية أم مجرد مغامرة ستنتهي بالفشل؟