في كثير من الأحيان تولد الإرادة والإصرار من رحم المعاناة والقسوة رغبة في تحقيق الذات وتغيير الواقع.
فيكون لدى من عاش ظروف حياتية قاسية في الغالب رد فعل عكسي, لأنه يريد أن يثبت لنفسه ولمجتمعه بأنه يستحق حياة أفضل وبمقدوره أن يصنعها بنفسه وفق طموحه وجهده وعمله.
وبرزت في المجتمعات العالمية أسماء كثيرة برهنت صدق هذه النظرية.. ويحتوي وطننا العربي على الكثير من هذه الشخصيات.
يعتبر (عبدالرحمن الجريسي) مثال حي على هذه الشخصيات في الخليج العربي بشكل عام..
فاسم (عبدالرحمن الجريسي) هو اسم معروف للغاية في المملكة العربية السعودية كواحد من أبرز رجال الاعمال في البلاد ، وباعتباره تقلّد العديد من المناصب الحكومية.
الا أن أهم ما يُلفت النظر له بالنسبة للشيخ عبدالرحمن الجريسي هو رحلته الريادية التي بدأت من صبي بائع لأحد المتاجر في مدينة الرياض، الى واحد من أكبر رجال الاعمال في المملكة بثروة تقدر بعدة مليارات، ومجموعة شركات وكيانات اقتصادية ضخمة.
بدايات صعبة
لم تبدأ حياة عبدالرحمن الجريسي وسط الثراء أو الدعّة، بل على العكس تماماً. وُلد في قرية نجديّة صغيـرة، ليجد نفسه يتيم الأب، ويتربّى عند جده ، ويدرس حتى الصف الخامس الابتدائي فقط ، ليضطـر أن يترك دراسته ويعمـل بنفسه ليجد قوت يومه.
كـان هذا العمل هو مساعد بائع – صبي بائع – في محل صغير لتاجر في الرياض.
كان دوره في العمل أن يعمل كمنظّف للمحل وأيضاً حمّال للبضائع وقهوجي لصاحب المحل وضيوفه من التجّار.
عمل مُرهق شديد على شاب صغير، إلا أنه لم يكن مُتاحاً امامه غير التمسّك به، لأنه لم يكن لديه أي مصدر رزق آخر.
بل أنه لم يكن يتلقى أجراً مقابل هذه الأعمال ، باستثناء أنه يجد مكاناً للنوم فيه ، ومجالاً للأكل والشرب.
بعد 3 سنوات، قرر عبدالرحمن الجريسي أن يترك العمـل في المتجر، فمنحه التاجر أجر الثلاث سنوات وهو 720 ريال. ( أي انه كان يعمل في الشهر مقابل 20 ريال ).
ماذا فعل عبد الرحمن بهذا المال ؟ لا شيء ، قام بإعطائها لأحد الأشخاص كقرض ، إلا أن هذا الشخص لم يستطع أن يردّها ، ما يعني ان الـ 720 ريال – أجر 3 سنوات من عمله – ضاعت هباءً في لمحة عين، وعاد مرة أخرى الى نقطة الصفر !
من العمل للآخرين الى تأسيس كيانات ضخمة
لاحقاً عاد عبد الرحمن مرة أخرى الى نفس التاجر، وعمل معه 8 سنوات أخرى ولكن بنظام مختلف وثق فيه التاجر بشدة، ورفع أجره – مع توسّع أعماله وتجارته – الى أجر خيالي وصل الى 5 آلاف ريال وأوكل إليه إدارة المتجر بشكل كامل.
في النهاية قرر عبد الرحمن ترك العمـل ، والبدء من جديد – ولكن برأسمال كبير يحوزه هذه المرة -.
لاحقاً ، دخل عبد الرحمن في شراكة مع رجل أعمال لتأسيس شركة ” بيت الرياض ” لبيع الأدوات المنزلي والمكتبية ، واستمرت هذه الشراكة 10 سنوات.
عرض بعدها عبد الرحمن على شريكه ان يقوم عبد الرحمن بشراء حصته بالكامل عن طريق قروض ميسّرة ، وهو ماكان بالفعل ، وأصبحت الشركة مملوكة بالكامل للجريسي.
في السنوات التالية، توسّعت بيت الرياض لتشمل مجالات متعددة عبر شراء وكالات عالمية، ودخلت المؤسسة في مجال توريد أجهزة الكمبيوتر والتقنية المختلفة.
ومنها الى الصناعة في مجالات الورق والأجهزة البلاستيكية والبطاقات الذكيـة، لتتحول الى مجموعة الجريسي التي تشمل مؤسسات لخدمات الكمبيوتر وتزويد الانترنت، وعدة مصانع مختلفة في كافة أنحاء المملكة والخليج، ولتتحول الى علامة تجارية إقليمية كبرى.
ومازالت حتى الآن، قصة نجاح رائد الاعمال السعودي عبدالرحمن الجريسي تُدرّس ويُنظر لها دائماً باعتبارها قصة نجاح عصامية لرجل استطاع ان يحقق نجاحات هائلة في عالم الأعمال ، بادئأ حرفياً .. من الصفر!