
تعيش الإنسانية اليوم تحت وطأة مخاوف متزايدة من المستقبل المجهول، بين تهديدات الحروب المدمرة، والكوارث الطبيعية القاسية، والتغيرات المناخية غير المتوقعة التي تقلب الموازين. وفي ظل هذه الظروف الخطيرة، برزت ظاهرة غامضة ومرعبة في آن واحد تُعرف باسم “ملاجئ يوم القيامة”. هذه الملاجئ، التي كان يُنظر إليها في الماضي كفكرة من أفلام الخيال العلمي، أصبحت اليوم واقعاً ملموساً يعكس أعمق هواجس البشر ورغبتهم الجامحة في النجاة مهما كانت التكلفة.
في هذا التقرير، سنأخذكم في رحلة داخل هذا العالم السري المليء بالإثارة والرهبة، حيث نتعرف على كيفية تشييد هذه الملاجئ المحصّنة، ومن هم الأشخاص أو الجهات التي تنفق الملايين لامتلاكها، والأهم من ذلك: ما الذي يدفع البشر إلى الاستثمار في ملاذات تحت الأرض تحاكي سيناريوهات نهاية العالم؟ سننقل لكم آراء الخبراء، ورؤى المستثمرين، وحتى الناجين المحتملين، لنكشف جانباً مظلماً ومثيراً من الواقع الحديث، الذي يعكس مخاوفنا العميقة وآمالنا الباقية في مواجهة المجهول.
– تاريخ بناء ملاجئ يوم القيامة
معظم الدول الغربية لم تكتفِ بمشاهدة الكوارث من بعيد، بل بدأت فعلياً منذ عقود بتجهيز نفسها لليوم المشؤوم.
الولايات المتحدة الأمريكية:
خلال الحرب الباردة، دخلت أمريكا سباقاً مرعباً لبناء ملاجئ نهاية العالم في مواجهة التهديد النووي. ففي عام 1963، ووفقاً لوزارة الدفاع الأمريكية، جرى توزيع براميل مياه بسعة 66 لتراً كجزء من الإمدادات الأساسية داخل هذه الملاجئ. ومن أبرز المشاريع السرية في ذلك الوقت: الملجأ الضخم في جبل شايان، ومشروع الجزيرة اليونانية، إضافةً إلى مقر الحكومة الطارئ في كندا.
كانت الملاجئ تُشيّد بتصاميم محصّنة تحت الأرض وتُميز بعلامات صفراء وسوداء ثلاثية الفصوص، وهي من تصميم المهندس العسكري روبرت دبليو بلاكيلي عام 1961. هذه العلامات أصبحت لاحقاً رمزاً عالمياً يرتبط مباشرة بفكرة النجاة من نهاية العالم.
كيف تُبنى ملاجئ يوم القيامة؟
بناء هذه الملاجئ، التي يُطلق عليها أيضاً “ملاجئ التداعيات النووية”، ليس بالأمر العادي. إنها عملية معقدة تتطلب دقة شديدة واستخدام مواد خاصة تضمن حماية قصوى من الإشعاع القاتل والتهديدات الأخرى.
1 – التدريع الإشعاعي:
القاعدة الذهبية في تصميم أي ملجأ هي الحماية من أشعة جاما. ولتحقيق مستوى أمان مرتفع، يجب تقليل التعرض للإشعاع بمعامل يصل إلى 1000. لذلك تُستخدم مواد سميكة بعناية: مثل 1 سم من الرصاص، أو 6 سم من الخرسانة، أو حتى 9 سم من التربة المعبأة، وكلها قادرة على إضعاف قوة أشعة جاما إلى مستويات آمنة نسبياً.
2 – التصميم المعماري للمأوى:
عادةً ما يُشيَّد الملجأ على شكل خندق عميق تحت الأرض، ويُغطى بسقف مدفون بما لا يقل عن متر واحد من التربة لزيادة الحماية. أما المداخل فتُبنى بزوايا قائمة، لمنع تسرب الإشعاع الذي يسير بخطوط مستقيمة. ولا يقتصر الأمر على الحماية من الإشعاع فقط؛ بل يتم أيضاً تغطية السطح بطبقة بلاستيكية عازلة تجعل الملجأ مقاوماً للماء والعوامل الخارجية، ليصبح أشبه بحصن مدفون في باطن الأرض.
- الأبواب المضادة للانفجار:
يُزود المأوى بأبواب خاصة مصممة لامتصاص الصدمات الناتجة عن الانفجارات والعودة إلى شكلها الأصلي بعد التعرض للضغط.
- التحكم في المناخ:
نظراً لأن الأرض تعمل كعازل حراري، يمكن أن يصبح الملجأ حاراً بمرور الوقت. لذا، يُستخدم إطار عريض مع لوحات متحركة لتبريد الملجأ عن طريق تحريك الهواء البارد إلى الداخل.
- مرشحات الهواء:
على الرغم من أن الغبار المتساقط لا يُعتبر خطيراً بشكل مباشر على الجهاز التنفسي، فإن بعض الملاجئ تُزود بمرشحات NBC (نووي، بيولوجي، كيميائي) لتوفير حماية إضافية.
- مواقع الملاجئ:
يمكن أن تكون الملاجئ العامة الفعالة في الطوابق الوسطى للمباني الشاهقة أو تحت مستوى الأرض في مبانٍ محمية.
- محتويات المأوى:
يجب أن يحتوي الملجأ على إمدادات كافية تشمل مياهاً، وغذاءً، ومواد أولية للبناء والصيانة، وأدوية، ومعدات للتواصل مثل راديو يعمل بالبطارية مع حماية ضد النبض الكهرومغناطيسي.
كل هذه الجوانب تضمن أن الملاجئ تقدم حماية مثالية في حالات الطوارئ القصوى، وتعد جزءاً حيوياً من الاستعداد للكوارث في العديد من البلدان حول العالم.
مشاهير لديهم ملاجئ نهاية العالم
في عالم يتزايد فيه الشعور بعدم اليقين، لا يدخر بعض من أثرياء العالم جهداً أو مالاً في بناء ملاجئ للنجاة من نهاية العالم. هذه الملاجئ ليست مجرد أماكن للاختباء، بل تعد تحفاً معمارية مجهزة بأحدث التقنيات والرفاهيات.
- توم كروز:
الممثل الهوليودي الشهير بأفلامه الجريئة وحياته المليئة بالأحداث، يخطط لتحصين مكانه في تيلورايد، كولورادو، بمخبأ يقدر بـ10 ملايين دولار. في أراضٍ تمتد على مساحة 298 فداناً، يعكس هذا المخبأ الذي يضم نظام تنقية هواء متطوراً وقدرة استيعابية لعشرة أشخاص، تركيز كروز على الأمن والاستعداد لأي طارئ. المخبأ، الذي يعد بالاكتفاء الذاتي لسنوات، هو جزء من ممتلكاته الفاخرة التي تضم مزايا مثل مهبط للطائرات الهليكوبتر وإسطبلات لركوب الخيل.
- كيم كارداشيان:
المعروفة بحياتها العامة المفعمة بالأحداث والحفلات، لا تترك شيئاً للصدفة عندما يتعلق الأمر بأمان عائلتها. بعد تعرضها للسرقة في باريس عام 2016، أصبحت كيم أكثر وعياً بالأمن الشخصي، ما دفعها للنظر في بناء مخبأ في منزلها الذي يقدر بـ60 مليون دولار. التصميم المتوقع للمخبأ يتضمن غرفة تحكم وأنظمة أمان متقدمة لضمان الحماية الكاملة لها ولأسرتها، على الرغم من أن التفاصيل المحددة بما في ذلك التكلفة والمساحة لم تُكشف بالكامل.
مارك زوكربيرغ: ملاذ الملياردير السري رائد التكنولوجيا. ومؤسس فيسبوك، لم يترك شيئاً للصدفة حين خطط لمخبئه الفاخر في هاواي، الذي يُعتبر جزءاً من مجمع ضخم تصل قيمته إلى 100 مليون دولار. يمتد هذا المخبأ تحت الأرض على مساحة تقارب 5000 قدم مربع، ومزوّد بنظام طاقة مستقل بالكامل، إضافة إلى مخزون هائل من الطعام والإمدادات يكفي لفترات طويلة من العزلة.
زوكربيرغ، المعروف بدقته وهوسه بالخصوصية، صمّم هذا المخبأ ليكون أشبه بقلعة حصينة قادرة على الصمود أمام أي أزمة عالمية أو كارثة طبيعية. وبذلك يعكس نموذجاً جديداً من “النجاة الفاخرة”، حيث يلتقي الخوف من المجهول مع أقصى درجات الفخامة والرفاهية.
هذه الملاجئ تكشف لنا جانباً مثيراً من عقلية الأثرياء؛ فهي لا تعبّر فقط عن استعدادهم للمستقبل المجهول، بل تُظهر أيضاً كيف يرون النجاة بأسلوب مترف يجمع بين الأمان والترف في أحلك الظروف •