السؤال الذي حير العالم.. لماذا لا تضيء الشمس الفضاء بينما تضيء الأرض؟
هذا المقال ليس عن أول صور التقطها تليسكوب جيمس ويب، فيقيننا أنك قرأت في الفترة القليلة الماضية ما يكفي عن هذه الصور وعن هذا التليسكوب، وحتمًا قد تابعت ما أثاره المنبهر بهذه الصور وما أثاره المقلل لأهميتها، لذا دعني أسألك سؤالي سريعًا: لماذا لا تضيء الشمس الفضاء بينما تضيء الأرض؟
بدايةً، علينا أن نعي أن الإجابة عن هذا السؤال شغلت العلماء على مدى قرونٍ ماضيةٍ عدة، وظهرت العديد من النظريات التي حاولت تفسير سبب ظلام الفضاء، وثبت خطأ بعضها مع مرور الوقت.
ثانيًا، علينا أن نعرف أن الإجابة عن هذا التساول وثيقة الصلة بالإجابة عن تساؤل آخر يتعلق بلون السماء الذي نراه، وهل السماء زرقاء اللون فعلًا؟ ولماذا نراها باللون الأزرق بالتحديد ولا نراها بلونٍ آخر؟
ثالثًا، هو أننا سنستبعد السبب الذي يرجع لون السماء الأزرق إلى انعكاس لون البحار والمحيطات عليها، فقد كان ذلك الاعتقاد سائدًا من قبل، وثبت عدم صحته لاحقًا، ومن الجدير بالذكر هنا، أن “ليوناردو دافنشي” قد حاول شرح لون السماء الأزرق، ويظهر ذلك بشكلٍ واضح في دفاتر ملاحظاته، وعلى الرغم من أن تفسير”دافنشي” لم يكن كاملًا، إلا أنه كان صحيحًا فيما يتعلق بالأساس العلمي الذي بني عليه، والذي كان قائمًا على فكرة تشتت الضوء.
رابعًا، وبخلاف “دافنشي”، فقد قدم العالم البريطاني “لورد رايلي” أول علاج نظري كامل لما يعرف بـ “التشتت المرن للضوء” أو ما يعرف بظاهرة “تشتت رايلي” التي تفسر لون السماء الأزرق.
إدراكنا للضوء ورؤيتنا له…
لكي نفهم لماذا لا تضيء الشمس الفضاء، ونستوعب تفسير “لورد رايلي”، علينا وضع فكرتين أساسيتين أمامنا، تتعلقان بـ كيفية إدراكنا للضوء ورؤيتنا له..
الفكرة الأولى: هي أن جميع ألوان الضوء المرئي من الشمس، اللون البنفسجي والأزرق والأخضر والأصفر البرتقالي والأحمر تنبعث من الشمس ولكن ليست بكميات متساوية، ونراها باللون الأبيض مجتمعة.
الفكرة الثانية: هي أن أعيننا تكتشف اللون الأخضر بشكل أفضل من الألوان الأخرى، كما تستشعر أعيننا كذلك اللون الأزرق جيدًا.
والآن، فإلى تفسير “رايلي”..
الضوء المرئي القادم إلينا من الشمس وإن بدا أبيضًا ويميل أحيانًا إلى الصفرة، فإنه عبارة عن أكثر من لون، ما بين الأحمر والأزرق والبنفسجي والأخضر والأصفر والبرتقالي، ولكل لونٍ من هذه الألوان خاصية تعرف بما يطلق عليه “الطول الموجي”، وتختلف الأطوال الموجية لكل لون من هذه الألوان ما بين الطول والقصر، أطولها يكون للون الأحمر، وأقصرها للون الأزرق واللون البنفسجي.
ولعل الصورة تكون أوضح لو علمنا أن للضوء الأزرق طولًا موجيًا يبلغ 400 نانومتر، وهو طول موجي قصير مقارنة بباقي الألوان التي يتفوق فيها اللون الأحمر بأكبر طول موجي كما سبق التوضيح، وتظهر نتائج رايلي أن الضوء الأزرق لديه فرصة أكبر 9 مرات في التشتت مقارنة بالضوء الأحمر.
لماذا يتشتت الضوء القادم إلينا من الشمس؟
جزء من الإجابة على سؤال لماذا لا تضيء الشمس الفضاء يكمن في تشتت الضوء، إذ يتشتت الضوء بفعل طبقات الغلاف الجوي للأرض المملوء بالغبار والتراب والغازات وقطرات الماء، التي تعمل كمرايا صغيرة تعكس ضوء الشمس، فعندما ترتطم أشعة الشمس بالجزيئات الصغيرة، فإنها تنتشر وتخلق مختلف الألوان، ولأن اللونين الأزرق والبنفسجي طولهما الموجي هو الأقل من بين الألوان فإنهما يتشتتان عندما ينتقل ضوء الشمس لمسافة طويلة عبر الغلاف الجوي.
ونظرًا لأن الأطوال الموجية للونين الأزرق والبنفسجي قصيرة فذلك يعطيهما قدرة أكبر على التفاعل مع جزيئات الغلاف الجوي وأتربته التي تعيد اللونين بعد أن تمتصهما وتعكسهما في كل اتجاه في السماء، حينها تتلون باللون الأزرق الذي نراه.
الغلاف الجوي إذًا يعمل بما يحتويه من جزيئات وأتربة وقطرات مياه كـ “ناثر” للضوء القادم إلينا من الشمس، وبسبب الغلاف الجوي كذلك، فإننا نرى السماء بألوان غير اللون الأزرق في أوقات الشروق والغروب؛ فعندما تكون الشمس قريبة من الأفق في هذه الأوقات، فإن ضوء الشمس يمر عبر كمية من الغلاف الجوي أكثر سمكًا، وأقل مسافة، يتناثر ويتحول الضوء المتبقي في أوقات الشروق والغروب إلى اللون البرتقالي الذي يكون أكثر نسبيًا وقتها، حيث لا يجد المسافة الكافية لكي يصطدم بجزيئات الغلاف الجوي في هذه الأوقات.
ماذا لو اختفى الغلاف الجوي للأرض يومًا؟
هل معنى ما سبق أنه إذا اختفى يومًا ما –جدلًا– الغلاف الجوي للأرض، سيعم الظلام الأرض؟ الإجابة: نعم! سيعم الظلام الدامس كما هو الحال تمامًا في الفضاء، أو في سماء القمر التي تبدو لنا سوداء هي الأخرى.
وهذا ما يجعل لون السماء وثيق الصلة بظلمة الفضاء كما سبقت الإشارة في بداية المقال، فالفضاء نراه أسود اللون لكونه لا يوجد له غلاف جوي يحتوي على مكونات وجزيئات غلافنا الجوي في الأرض، والأمر مماثل كذلك في سماء القمر الذي لا يحتوي على غلاف جوي، فنراها هي الأخرى سوداء، بل إن ذلك أيضًا يفسر سبب لون السماء على كوكب المريخ الذي يحتوي على غلاف جوي أقل سمكًا 100 مرة من غلاف كوكبنا، إلا أن هذا السمك لا يزال كافيًا لجعل السماء على المريخ تبدو باللون الأزرق الرمادي.
النتيجة التي نخلص إليها مما سبق إذًا هي: إن عدم وجود غلاف جوي في الفضاء يعني عدم وجود ما يعترض مسار الضوء في الفضاء الخارجي، وبالتالي يؤدي ذلك بالنتيجة إلى عدم وجود ما يسبب تشتت الضوء في الفضاء.
لماذا لا تضيء الشمس الفضاء؟ مفارقة أو معضلة أولبرز وتفسيراتها
على الرغم من النتيجة السابقة، فـ “انعدام وجود غلاف جوي” في الفضاء ليس وحده ما يفسر ظلمته، ويمكن اعتبار ذلك أحد الأسباب، فلدينا في الفضاء عدد مهول من النجوم كالشمس يقدر بالملايين، بل وبالمليارات، فمجرتنا درب التبانة –مجرتنا وحدها- تحتوي على 200 مليار نجم كشمسنا، كما أن الكون وعلى أقل تقدير فيه 100 مليار مجرة، ومنطقيًا، فإن هذا العدد غير المتخيل يجعل إنارة الفضاء أمرًا متخيلًا مع كل هذا العدد من النجوم، وهو ما يعرف بـ مفارقة أو “معضلة أولبرز”، والتي اجتهد العلماء في حلها، ويمكن استعراض تفسيراتهم فيما يلي:
الغبار الكوني
الذي يمنع رؤية النجوم، ولكن تم نفي هذا علميًا، لأن وجود الغبار في حيزٍ مُظلمٍ سيزيد من حرارته ليُصبح حاجزًا يمتص ضوء النجوم مُسببًا خفوته، فلماذا لا يؤثر ذلك على الشمس؟
تمدد الكون وكونه “لا متناهيًا”
فالكون في حالة تمدد مستمر، بل ويتمدد بسرعة كبيرة، وبسبب هذا التمدد فإن المجرات والنجوم تبعد بمرور الزمن، ويؤثر ذلك سلبًا على كمية الضوء التي تصلنا منها، والتي تستغرق ملايين السنين الضوئية.
الترتيب العشوائي للنجوم في الفضاء
واختلاف درجات تركيزها في الفضاء، ما بين كونها عالية الكثافة في مناطق، وبين كونها تكاد تكون منعدمة في أماكن أخرى.
قدرة العين البشرية على تمييز أطياف الضوء المختلفة
ما جعلني أتعرض لهذا السبب هو أن تفسير ظلام الفضاء على النحو السابق، قد يتناقض أو يسبب لبسًا ما بسبب صور تليسكوب جيمس ويب التي انتشرت مؤخرًا، والتي قد يمكن بسببها الانتهاء إلى فكرة أن الفضاء ليس مظلمًا تمامًا، فما سبب الضوء الذي شاهدناه في صور تليسكوب جيمس ويب؟
يتعلق ذلك بطبيعة وقدرة أعيننا البشرية، وعلى نوع الأطياف الضوئية التي تقدر العين المجردة على رؤيتها، فكلما تبعد النجوم بفعل تمدد الكون المستمر، وهي في خلال ذلك تستمر في إشعاع الضوء، وبفعل هذا الابتعاد فإن طاقتها تقل تدريجيًا، وعندما تقل الطاقة فإن الضوء يتحول من الطيف المرئي العادي إلى الطيف الأحمر ودرجاته التي لا تستطيع العين المجردة تمييزها، وهذا ما تفعله تلسيكوبات “هابل” و “جيمس ويب” بدرجات متفاوتة لصالح تليسكوب جيمس ويب بكل تأكيد، والذي تعد صوره أكثر وضوحًا ونقاءً من تليسكوب “هابل”، وموضحة لتفاصيل أكثر بالطبع.
وبعد معرفة الإجابة عن تساؤل “لماذا لا تضيء الشمس الفضاء؟” أترككم الآن لأتابع أخبار تليسكوب “جيمس ويب”، وأذكركم أن هذا المقال لم يكن عن الصور التي التقطها.
المصدر: أراجيك