رغم أن اسمها يعني حرفيًا ”أرض الجليد“ ..لماذا تستورد آيسلندا الجليد؟
شاع أن آيسلندا سميت بهذا الاسم من طرف مستعمريها الفايكينغ من أجل منع أعدائهم من الذهاب إليها، لكن هذا على الأرجح خاطئ.
الحقيقة تكمن في أن أول مستعمر نوردي لهذه الجزيرة كان يمر بأوقات عصيبة لدى وصوله إليها، حيث توفيت ابنته ومعظم ماشيته في الطريق، كما أنه وصل إليها في زمن الشتاء ورحل قبل وصول الربيع، وبما أن المنطقة التي قرر بناء مستعمرته فيها كانت تكسوها الثلوج والجليد، بدى له أن تلك كانت طبيعة الجزيرة كلها، لذا قرر تسميتها آيسلندا، أي ”أرض الجليد“.
مما لا يخفى عليك عزيزي القارئ هو أن آيسلندا باردة للغاية ويكسوها الثلج والجليد في الكثير من مناطقها في فصل الشتاء خاصة، لكن في معظمها هي مكان مخضرّ بشكل واسع.
آيسلندا. صورة: grayline
فكرة أن يقوم بلد شمالي وبارد باستيراد الجليد تبقى فكرة تبدو للكثيرين سخيفة، لكن استيراد آيسلندا للجليد له دوافع عقلانية وأسباب مقنعة، مثلما سنشرحه في مقالنا هذا على موقعنا «دخلك بتعرف»، تابع معنا القراءة عزيزي القارئ.
إن نقل الجليد من مكان ما إلى آخر من أجل بيعه ليس بالأمر الجديد، لكن على ما يبدو، ومنذ قرون في الماضي، لم يكن للناس ثلاجات بعد لتخزين هذا الجليد أو الاحتفاظ به.
لمعظم التاريخ البشري، كان الناس يتناولون مشروباتهم دافئة، حيث لم تكن هناك من وسيلة لتبريدها، وبحلول القرن التاسع عشر، بدأ رجل أعمال يدعى (فريدريك تودور) بنقل الجليد من المناطق الباردة مثل (ماين) في شمال الولايات المتحدة وبيعه في أماكن تمتاز بمناخها الحار مثل كوبا.
كانت تلك فكرة لامعة، لكن المشكلة الوحيد هي أن الجليد كان معرضًا للذوبان بطبيعة الحال. كان (فريدريك تودور) يعي هذا الأمر بشكل جيد، لذا قام بعزل شحناته من الجليد بواسطة نشارة الخشب، ومع ما يكفي من الجليد كان على الأقل بعض منه يصل إلى وجهته المحددة في رحلة مسافتها 2500 كيلومتر من مدينة (ماين) إلى كوبا.
فريدريك تودور، ملك الجليد. صورة: rohanjolly
في البادئ، لم يتلق (فريدريك) النجاح الذي كان يأمل فيه، ذلك أن الناس عزفوا عن شراء بضاعته ربما لأنهم اعتادوا على تناول مشروباتهم دافئة، ثم بحيلة ذكية، قرر منحهم الشحنة الأولى بالمجان معتمدا استراتيجية تجار المخدرات لجعلهم يدمنون على الجليد ثم يبدأ ببيعه لهم. وسرعان ما ازدهرت تجارته.
كانت مناطق مثل نيويورك والعاصمة واشنطن تصبح باردة جدا في فصل الشتاء لذا قد لا يرغب سكانها في الجليد، لكن في فصل الصيف، كانوا تواقين إلى الجليد والمشروبات الباردة، لذا كان (فريدريك) دائما في بحث مستمر عن طريقة تخوّله من بيعه في فصل الصيف في هذه المناطق، وكان الحل الوحيد هو تخزين كم هائل من الجليد في مبنى معزول حراريا ثم أن يأمل في أن لا يذوب كله ويدوم ليبلغ فصل الصيف، ومما يثير الدهشة أن الأمر نجح بالفعل.
أصبحت معظم أمريكا الشمالية تعتمد بشكل كبير على الجليد، لذا وجه (فريدريك) أنظاره نحو نقل تجارته للجليد عبر القارات، ذلك أنه كانت هنالك أيضًا مناطق أخرى من العالم مثل الهند –التي صار (فردريك) لاحقًا يرسل لها شحنات ثابتة ومستمرة من الجليد الذي يبيعه– التي أصبحت تقطنها المزيد من العائلات الثرية والنبيلة البريطانية، والتي اعتاد أفرادها على المشروبات الباردة والمناخ البارد بصفة عامة.
بشكل مذهل، كانت تجارته ناجحة ومزدهرة ودقيقة لدرجة أن الجليد الذي كان مصدره (نيو إنغلاند) في الولايات المتحدة الأمريكية يباع في الهند مقابل سعر زهيد جدا: 1.5 دولار للكيلوغرام الواحد. ولم يمض وقت طويل حتى بات جليد (نيو إنغلاند) يباع في لندن، و(ريو دي جانيرو)، و(كايب تاون) في جنوب إفريقيا، وهونغ كونغ، وحتى سيدني في أستراليا.
لكن مع تقدم العصر، صارت الثلاجات متوفرة ورخيصة الثمن متيحة للناس الجليد في كل وقت يشتهونه، لكن هذا لم يحدث قبل أن يصبح (تودور فريدريك) رجلا فاحش الثراء.
اليوم مازالت آيسلندا تستورد الجليد، والسبب ليس لكونها بلداً يحظر استخدام الثلاجات أو ما شابه، بل الأمر كله يتمحور حول الاقتصاد.
مما لا شك فيه أن آيسلندا بلد مكلّف جدًا، وتماما مثل الكثير من المقاطعات الشمالية والمعزولة، فهي تعتمد على الواردات بشكل كبير: مثل النفط، والخشب، والقمح، وبعض المواد الغذائية الأخرى.
فآيسلندا لا تملك القدرة على إنتاج هذه المنتوجات محليًا بسبب موقعها الجغرافي، لكن المثير في الأمر هو أن الشحن إليها يعتبر من الأرخص في العالم، لأن اقتصادها يقوده التصدير بشكل أكبر.
يمثل السمك السواد الأعظم من صادرات آيسلندا، وهو يصدّر إلى الخارج لمعظم أنحاء العالم عبر الطائرات.
إضافة إلى السمك، تصدّر آيسلندا موادا أخرى تعتبر الدولة الرائدة في إنتاجها مثل الألمنيوم، وذلك كله بفضل انخفاض تكلفة الكهرباء فيها، وهو الذي يتم تصديره بواسطة السفن، مما يعني أن الشحن من آيسلندا أمر يكثر عليه الطلب، وهو ما يعني في نفس الوقت أن سفن الشحن تأتي إلى آيسلندا من أجل جلب الواردات منها، لذا لا ضير من أن تأتي محملة ببعض المواد لبيعها هناك، وهو ما يأتي بتكلفة زهيدة جدًا.
في نفس الوقت، يجني المواطن الآيسلندي ما معدله 57.000 دولار سنوياً، وهو ما يعتبر من أكثر المداخيل ارتفاعا في العالم، وهذا يعني أن صناعة الأشياء في آيسلندا في معظم الأحوال هو أمر مكلّف وليس زهيدًا. ومع ذلك، لا تفرض الحكومة الآيسلندية أي رسوم على استيراد الماء والجليد من المنطقة الاقتصادية الأوروبية، ومنه فهي تقوم باستيراده من بلدان أقل تكلفة مثل إسكتلندا، والتكلفة الإضافية الوحيدة التي تضاف على تكلفة الشراء هي تكلفة الشحن، التي بتنا نعرف أنها من الأرخص في العالم.
يجعل هذا الأمر آيسلندا تفضل استيراد الجليد على صناعته، ولهذا تجد محلات البقالة فيها دائما مكدسة بالجليد المستورد من مناطق بعيدة، لأن تكلفة استيراده تأتي أقل بحوالي 40 في المائة من تكلفة صناعته محلياً.
المصدر: دخلك بتعرف