فرضت الصين سيطرتها على معظم الصناعات العالمية منذ عقود، حيث امتدت إلى إنتاج المواد عالية الجودة المستخدمة في صناعة خلايا البطاريات.
كما تقدمت في اتباع أحدث التقنيات وأكثرها تطوراً وتقدماً في صناعة البطاريات.
وأصبح لا بد من الاعتماد على البطاريات صينية الصنع والاستغناء عن الوقود الأحفوري في عملية تصنيع السيارات الكهربائية.
ولهذا السبب، تخطط شركة فورد (Ford) مع شركة البطاريات الصينية العملاقة، سي أيه تي إل (CATL)، التي تعتبر أكبر مصنّع لبطاريات الليثيوم في العالم، لبناء مصنع للبطاريات منذ زمن طويل.
في بداية شهر فبراير/ شباط 2023، أعلنت شركة فورد أن عملية بناء المصنع بدأت في ولاية ميشيغان الأميركية، ولكنها تواجه بعض المشكلات.
إذ إن التعقيدات السياسية قد تعرقل صفقتها مع شركة سي أيه تي إل، ما يثبت أن الأفضلية التي تتمتع بها الصين في قطاع البطاريات ستصبح أكثر تأثيراً في حياتنا اليومية في المستقبل.
لماذا يجب العمل مع شركات تصنيع البطاريات الصينية؟
ولكن لماذا يعتقد المسؤولون في شركة فورد أنه من الضروري العمل مع شركة سي أيه تي إل لصنع بطاريات السيارات الكهربائية في المقام الأول؟
ينص الجواب البسيط على أن الشركات الصينية تمكّنت من صنع بطاريات عالية الجودة بكميات كبيرة وبتكلفة منخفضة.
سيكون تجنّب استخدام البطاريات الصينية غير مجدٍ من الناحية التجارية، كما أن تصنيع بطاريات محلية تنافس البطاريات التي تصنعها شركة سي أيه تي إل من ناحية الحجم والكفاءة سيستغرق وقتاً طويلاً.
سيتخصص مصنع شركة فورد الجديد في تصنيع بطاريات فوسفات الحديد والليثيوم “إل إف بي” (LFP) التي تعتمد على الحديد بدلاً من الكوبالت والنيكل، وهما المعدنان اللذان يستخدمان في النوع الرئيسي الآخر من بطاريات الليثيوم الذي يحمل اسم بطاريات أكاسيد الكوبالت والمنغنيز والنيكل “إن إم سي” (NMC).
مقارنة ببطاريات إن إم سي، والتي تستخدم على نطاق واسع في السيارات الكهربائية الأميركية والأوروبية، تعتبر تكلفة تصنيع بطاريات إل إف بي أقل، كما أنها تتمتع بدورة حياة أطول بالإضافة إلى أنها أكثر أماناً من ناحية احتمالية الاحتراق.
لكن قبل بضع سنوات فقط، كانت بطاريات إل إف بي من التكنولوجيات التي تعتبر غير قابلة للاستخدام ولن تصل إلى مستوى بطاريات إن إم سي من ناحية كثافة الطاقة (أي كمية الطاقة المختزنة في واحدة الحجم)، لكن الشركات الصينية، وخصوصاً شركة سي أيه تي إل، غيّرت هذا الواقع من خلال إجراء الأبحاث العلمية المتقدمة.
يقول كبير محللي الأبحاث في مجال خدمات سلاسل التوريد الخاصة بالسيارات الكهربائية والبطاريات في شركة الأبحاث العالمية، وود ماكنزي (Wood Mackenzie)، ماكس ريد (Max Reid): “يرجع الفضل في ذلك فقط إلى الابتكار العالي المستوى ضمن شركات تصنيع خلايا البطاريات الصينية”.
ويضيف: “جعل ذلك شركات تصنيع السيارات الكهربائية الصينية رائدة في هذا المجال وأصبحت شركات الدرجة الأولى”.
ويقول ريد إنه نتيجة لذلك “تتفوق الصين على الدول الأخرى بأشواط من ناحية القدرة على إنتاج الخلايا، كما أنها تسيطر على معظم عمليات إنتاج بطاريات إل إف بي التي تعتبر حالياً تكنولوجيا واعدة للغاية”.
حتى في مجال تصنيع البطاريات المعتمدة على الكوبالت والنيكل فقط، تعتبر الصين حالياً مسيطرة على القطاع لأنها تتحكم في أغلبية القدرة الإنتاجية التكريرية في العالم.
بما أن الصين تنتج كميات كبيرة من هذه المواد الأولية، فهي ليست قادرة على التحكم في تكاليف إنتاج البطاريات بدرجة جيدة فحسب، بل يمكنها أيضاً احتكار هذه المواد والاستفادة منها لمنافسة أي دولة أخرى تحتاج إليها في الانتقال من استخدام السيارات المعتمدة على الوقود الأحفوري إلى استخدام السيارات الكهربائية.
لطالما اعتُبر هذا الاحتكار أحد أهم الاستراتيجيات التي يمكن أن تطبّقها الصين إذا رغبت بمقاومة محاولات الولايات المتحدة المستمرة لإعاقة تطوير قطاع أشباه الموصلات في البلاد.
تكنولوجيا البطاريات تدخل السياسة الصينية الأميركية
ولكن قبل أن تحتكر الصين هذه المواد، أصبحت تكنولوجيا البطاريات مسيسة أكثر فأكثر في الولايات المتحدة والصين على حد سواء.
توخّت شركة فورد الحذر منذ البداية حتى تزيد فرص نجاح مصنع البطاريات التي تقوم ببنائه حالياً في ولاية ميشيغان.
ضمنت الصفقة التي أبرمتها شركة فورد مع شركة سي أيه تي إل ألا تحصل الأخيرة على أي حصة في المصنع، وألا تتمكن من السيطرة عليه.
بدلاً من ذلك، حصلت شركة فورد على ترخيص لاستخدام تكنولوجيا الشركة الصينية في صنع البطاريات.
يساعد ذلك أيضاً منتجات شركة فورد على التأهل للحصول على أشكال الدعم المنصوص عليها في خطة السياسة الصناعية الطموحة التي وضعتها إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن (Joe Biden)، والمتمثلة في قانون الحد من التضخم.
لكن لا يبدو أن الإجراءات التي اتخذتها شركة فورد كافية لأن العلاقة مع الصين أصبحت من أهم القضايا الخلافية في السياسة الأميركية.
في يناير/ كانون الثاني 2023، انسحب حاكم ولاية فرجينيا الأميركية، التي كانت من الولايات المرشحة لبناء مصنع شركة فورد الجديد فيها، من المسابقة.
واصفاً إياها بأنها “واجهة للحزب الشيوعي الصيني”. بعد أن قررت شركتا فورد وسي أيه تي إل بناء المصنع في ولاية ميشيغان، طالب عضو مجلس الشيوخ الأميركي، ماركو روبيو (Marco Rubio)، المعروف بموقفه المتشدد تجاه الصين، علناً الحكومة الفدرالية ولجنة الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة تحديداً، بمراجعة الصفقة بين الشركتين.
يقول أحد كبار الباحثين في معهد بيترسون للاقتصاد الدولي، وهو مركز أبحاث في واشنطن العاصمة، مارتن تشورزيمبا (Martin Chorzempa)، إن طلب روبيو ليس له أي أساس على الأرجح لأن لجنة الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة تتخصص في حظر بعض الصفقات التجارية التي تتعلق بحصص الملكية أو الحركات المالية العقارية أو تسليم التكنولوجيات.
يقول تشورزيمبا: “لم ألاحظ بعد أي مؤشر يبيّن أن الصفقة بين شركتي فورد وسي أيه تي إل تتضمن استثمار الأخيرة في أسهم شركة أميركية قائمة أو شراءها الأراضي.
لذلك، لا أعتقد أن لجنة الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة تتمتع بأي صلاحية قضائية لحظر هذه الصفقة”.
مع ذلك، لن يكون روبيو الشخص الوحيد ذا النفوذ الذي يسيّس قطاع تكنولوجيا البطاريات.
في 16 فبراير/ شباط 2023، أبلغ موقع بلومبرغ أن الحكومة الصينية نفسها ستراجع الصفقة لأسباب تتعلق بالأمن القومي، وأنها قلقة من أن شركة سي أيه تي إل قد تفرط في مشاركة تكنولوجيات بالغة الأهمية وتهدد الأفضلية التي تتمتع بها الصين في قطاع بطاريات السيارات الكهربائية.
تفضي المحادثات التي أجريتها مع العديد من خبراء السيارات الكهربائية إلى استنتاج واحد مؤكد فيما يتعلق بالضجة الإعلامية حول صفقة شركتَي فورد وسي أيه تي إل؛ على الرغم من أن قطاع البطاريات كان معزولاً عن التوترات الجيوسياسية لفترة طويلة، فازدياد الاهتمام بموضوع تغيير مصادر الطاقة في جميع أنحاء العالم دفع مسائل هذا القطاع إلى دائرة الضوء، كما أن هيمنة الصين على قطاع السيارات الكهربائية تجعلها طرفاً مؤثراً في هذا المجال دون شك.
بالإضافة إلى ذلك، فالعلاقة غير المستقرة بين الولايات المتحدة والصين ستزيد الطين بلة.
قريباً، ستنشب صراعات على البطاريات والمواد التي تُصنع منها شبيهة بالصراعات التي نشبت على أشباه الموصلات.
اللحاق بركب الصين
- أبلغ موقع تيك توك (TikTok) أن عدد مستخدميه النشطين الشهري وصل إلى 125 مليون مستخدم في الدول الأوروبية في الأشهر الستة الماضية، وتخطط شركة بايت دانس (ByteDance) لتخصيص مركزين جديدين للبيانات في المنطقة لتخزين بيانات المستخدمين محلياً. (وكالة رويترز )
- استخدمت الصين “قائمة الكيانات غير الموثوقة” لأول مرة لفرض عقوبات على شركتَي لوكهيد مارتن (Lockheed Martin) ورايثيون (Raytheon) بسبب بيع الأسلحة إلى تايوان، ويعتقد الخبراء أن هذه الخطوة كانت بمثابة رد على القائمة السوداء الأميركية التي أُدرجت فيها 6 كيانات صينية بسبب حادثة منطاد التجسس في يناير/ كانون الثاني 2023. (وكالة سي إن إن)
- على الرغم من أن العدد الرسمي لضحايا الموجة الأخيرة من الإصابات بمرض كوفيد-19 في الصين يبلغ 83,150 وفية، فتقديرات خبراء علم الأوبئة أعلى بكثير؛ إذ تتراوح بين 970 ألفاً و1.6 مليون وفية. (صحيفة نيويورك تايمز)
- هذه الفترة ليست مثالية بالنسبة للصينيين المهتمين بموضوع الميتافيرس؛ إذ أبلغ كل من شركتي بايت دانس وتينسينت (Tencent) عن تسريح عدد من الموظفين الذين عملوا في الفرق المتعلقة بتكنولوجيا الواقع الافتراضي في منتصف شهر فبراير/ شباط 2023. (موقع ييكاي غلوبال)
- تسلّط عودة تطبيق ديدي (DiDi) للنقل حسب الطلب في الصين الضوء على التوازن الحساس بين أهداف الحكومة الصينية المتمثلة في السيطرة على شركات التكنولوجيا العملاقة وتعزيز النمو الاقتصادي. (مجلة وايرد)
- اتهمت شركة آلات الطباعة الحجرية الهولندية أيه إس إم إل (ASML)، موظفاً سابقاً مقيماً في الصين بسرقة معلومات سرية في شهري يناير/ كانون الثاني 2023 وديسمبر/ كانون الأول 2022. (موقع بلومبرغ)
- اختفى المصرفي الصيني الملياردير، باو فان (Bao Fan)، الذي توسط في بعض أكبر عمليات الاستحواذ في قطاع التكنولوجيا الصينية، دون تفسير. (هيئة بي بي سي)
مشكلة ازدياد الطلب على محطات الشحن في الصين
أصبح إنشاء بنية تحتية لمحطات الشحن، التي يمكن أن تلبي الاحتياجات الناجمة عن الازدياد السريع في عدد السيارات الكهربائية في الصين، أكثر صعوبة.
كما ذكرت مجلة تايم ويكلي الصينية، اضطر مالكو السيارات الكهربائية الصينيون الذين يجرون الرحلات البرية للانتظار في محطات الخدمة في الطرق السريعة لساعات كي يتمكنوا من شحن سياراتهم في فترة نهاية السنة القمرية.
تكرر هذا الحدث في صيف عام 2022 عندما عطّلت موجة حر شديدة شبكة التغذية الكهربائية في بعض مناطق الصين.
حالياً، تخدم كل منصة شحن عامة واحدة في الصين (الأجهزة التي توفّر الطاقة الكهربائية لشحن السيارات الكهربائية)، أكثر من 12 شخصاً يملكون السيارات الكهربائية ولا يمكنهم شحن سياراتهم في مكان سكنهم ضمن الأحياء الحضرية المكتظة بالسكان.
دفع غياب البنية التحتية العامة بعض المالكين لتأجير منصات الشحن الخاصة بهم لأنها لا تستخدم 90% من الوقت.
تساعد أرباح تأجير هذه المنصات، والتي يمكن أن تتجاوز 2000 يوان (290 دولاراً) كل عام، على سداد تكاليف تركيبها.
ولكن حتى الآن، لم يدرك معظم مالكي منصات الشحن الخاصة أن مشاركتها ممكنة؛ إذ تشير التقديرات إلى أن 2.1% فقط من المنصات الخاصة تتم مشاركتها مع مالكي السيارات الكهربائية الآخرين.
ملاحظة إضافية
مع إعلان شركة فورد عن خطتها لتصنيع البطاريات مع شركة سي أيه تي إل، أشارت المراسلة في موقع كوارتز (Quartz)، ماري هوي (Mary Hui) إلى تشابه مذهل بين الأحداث الحالية وأحداث تاريخية سابقة؛ حالياً، تساعد هذه الصفقة شركة البطاريات الصينية العملاقة على اختراق السوق الأميركي بينما تشهد العلاقات الأميركية الصينية توتراً بسبب الفضائح المتعلقة بمنطاد تجسس صيني.
وفي عام 2001، ساعدت صفقة أبرمت بين شركة صينية لصناعة السيارات وشركة فورد هذه الأخيرة على اختراق السوق الصيني في حين توترت العلاقة بين البلدين بسبب فضيحة تتعلق بطائرة تجسس أميركية.
هل هذا التشابه محض صدفة؟ لا أعتقد ذلك.
قالت هوي في تغريدة على موقع تويتر: في عام 2001، حصلت شركة فورد على موطئ قدم في السوق الصيني من خلال مشروع استثماري مشترك بنسبة 50% مع شركة تشانغان أوتو (Changan Auto) المملوكة للدولة، “على الرغم من التوترات الدبلوماسية المتزايدة نتيجة إرسال طائرة تجسس أميركية إلى الصين”.
وفي عام 2023، حصلت شركة سي أيه تي إل على موطئ قدم في الولايات المتحدة من خلال ترخيص نوع من التكنولوجيا لشركة فورد بهدف بناء مصنع لبطاريات السيارات الكهربائية، على الرغم من التوترات الدبلوماسية المتزايدة نتيجة إرسال منطاد تجسس صيني للولايات المتحدة.
ومن الجدير ذكره أيضاً، أن الصين لم تكتفِ بقطاع صناعة التكنولوجيا، بل تعدّى إلى جميع مجالات الصناعة.