ما لا تعرفه عن طائرة القيامة.. حصن أمراء الحرب النووية المحلق في السماء تمتلكه هذه الدول
في عصرنا اليوم ومع تطوّر الأسلحة الفتاكة وأسلحة الدمار الشامل وتعدد أساليب الهجوم، تزداد صعوبة مهمة حماية القائد أو الرئيس بالنسبة لكل دولة، وهذا ما دفع دول العالم الكبرى إلى ابتداع فنون للدفاع والحماية، وأبرز ذلك ابتكار طائرة يوم القيامة القادرة على النجاة في أحلك الأزمات.
تهديدات السلاح النووي.. شبح الحرب العالمية يخيم على العالم
مع الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير/شباط من العام الجاري 2022 أعيد فتح بعض الملفات بالغة الحساسية، وجاء طرحها أوراقا للتفاوض، وفي أحيان أخرى للتكشير عن الأنياب، ولا شيء أقسى على أوروبا من أن تُعاد مشاهد الحربين العالميتين اللتين لم يمض عليهما الكثير، والعالم ما زال يحتفظ بذاكرة جيدة لحادثتي القنبلتين النوويتين اللتين أصابتا هيروشيما وناغازاكي اليابانيتين مع نهاية الحرب الثانية، ليتركا وراءهما ذكرى مؤلمة.
واليوم ليس ببعيد عن البارحة، بل يشبه تلك الأيام القليلة التي يتراشق بها كلا الطرفين تهديدات بانتهاك حرمة استخدام السلاح النووي إن اضطرهما الأمر، ومع بداية الصراع الروسي الأوكراني، هددت موسكو باستخدام القوة النووية مرارا وتكرارا، فكان على هامش قمة الناتو المنعقدة في مدريد أن أجرى رئيس الوزراء البريطاني السابق “بوريس جونسون” مقابلة مع محطة الإذاعة البريطانية (BBC)، وذكر بها أنّ الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” هدد على الأقل 35 مرّة باحتمالية اندلاع حرب نووية.1
طائرتا يوم القيامة الأمريكية والروسية لا تحلقان في السماء إلا في مناسبات نادرة
كما تظهر التقارير بأن موسكو قد أعطت أوامر بتهيئة قوات الردع الإستراتيجي التي تشمل صواريخ باليستية عابرة للقارات وغواصات وقاذفات ثقيلة، وهو الثالوث النووي الروسي القادر على افتعال حرب نووية عبر البر والبحر والجو.2
وفي أيّ حربٍ تنشب على الأرض، تكون أكثر الأماكن أمانا في الأعلى بين السحب، ولا سيما تلك الحروب النووية التي يتجاوز تأثيرها أيّ صراع شهده الإنسان على الإطلاق، لذا كانت الأولوية القصوى بناء قاعدة جوية قادرة على توفير الأمان للمسؤولين الإداريين والتنفيذيين في الدولة، فجاءت صناعة طائرة القيامة مزودة بأحدث التقنيات الدفاعية، ومستحدثة بوسائل قادرة على إبقائها في الهواء لأطول فترة ممكنة، دون الاضطرار للهبوط على اليابسة.
وطائرة القيامة على نحو خاص معنية بحماية رأس الهرم لتسيير عمليات إدارة الأزمات، وثمة اليوم حكومتان فقط -كما هو معلن- تملكان هذه الميزة حول العالم، وهما الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، وكلاهما استهلا مسارهما بتطوير خطة استراتيجية، للحصول على واحدة على الأقل خلال الحرب الباردة في القرن الماضي.
“الكرملين الطائر”.. طائرة يوم القيامة تحلق في سماء موسكو
بشكلها المميز والغريب، دخلت طائرة “إليوشن إل-80” (Ilyushin II-80) حيز الخدمة في عام 1992، حاملة بعض الألقاب والتسميات الرنانة مثل “الكرملين الطائر”، والكرملين هو الحصن بالروسية، أو “ماكسدوم” كما هو متعارف عليه بين دول الأعضاء لحلف الناتو.
وفور رؤيتها محلقة في السماء ستلحظ سريعا النتوء المستقيم الغريب الموجود أعلى الطائرة، والذي يشبه زعنفة سمكة القرش البارزة فوق ظهره، وترتبط هذا السمة بتوفير اتصال ذي كفاءة عالية بالأقمار الصناعية مباشرة. بالإضافة إلى قرن استشعار أسفل الطائرة عند المؤخرة يسمح بالتقاط وإرسال الموجات الراديوية ذات التردد المنخفض، وهذا يعزز إمكانية التواصل مع غواصات الصواريخ البالستية.3
أثناء الحرب الروسية على أوكرانيا، شوهدت طائرة القيامة الروسية وحولها سرب من الطائرات المقاتلة
وعلى الرغم من جسم الطائرة الضخم، فإنّها قادرة على التحليق والبقاء في السماء لعدة أيام متواصلة، مع إمكانية تزويدها بالوقود من وقت لآخر في أثناء عملها. كما أنّ الطائرة تخلو تماما من النوافذ باستثناء مقصورة القيادة حيث يوجد قائد الطائرة ومساعده، والسبب يعود إلى حماية المعدات الإلكترونية الحساسة وطاقم العمليات وصناع القرار من الإشعاعات النووية والنبضات الكهرومغناطيسية القادمة من الانفجارات النووية.
وثمّة مولدان كهربائيان بطول 9.5 أمتار داخل غطاء المحرك، يحافظان على إمداد الطائرة بالكهرباء اللازمة وتلبية احتياجات الأجهزة الإلكترونية طيلة مسار الرحلة دون انقطاع.
ومنذ ذلك الحين وحتى اليوم صُنع من هذا الطراز 4 طائرات، ثم أحيلت واحدة منها إلى التقاعد، وكان من المثير رؤية إحداها تحلق في سماء موسكو على مقربة من الجماهير، برفقة طائرتين حربيتين من طراز “ميج-29” في مايو/أيار من هذا العام خلال احتفالات يوم النصر.
كما تهدف روسيا اليوم إلى استبدال طائرة القيامة الحالية بتطوير طائرة “إليوشن إي أل-96” ذات المحركات الأربعة، وستغطي الطائرة الجديدة ضعف المسافة التي تغطيها سابقتها، بالإضافة إلى القدرة على التواصل بشكل فعال مع القوات النووية الاستراتيجية على مدى 6 آلاف كيلومتر، وهو أقل من نصف قطر الأرض بقليل. وستحظى الطائرة الجديدة بنظام دفاعي مطوّر ودرع إضافي ضد أخطار الأشعة النووية والحرارية، ومن المتوقع أن تكون مع حلول عام 2026 جاهزة للخدمة.4
“حارسة الليل”.. طائرة يوم القيامة الأمريكية تدير الكوكب
في الجهة المقابلة من الكوكب، يطلق على طائرة القيامة رسميا في أمريكا “المركز الوطني للعمليات المحمولة جوا”، وهي من طراز “بوينغ إي-4″، وتديرها القوات الجوية الأمريكية، كما تحتفظ بألقاب أخرى مثل “حارسة الليل”، وكانت نتاج برنامج “مركز إدارة الطوارئ الوطنية المحمول جوا” في ستينيات القرن الماضي، ولم تر طائرة القيامة الأمريكية النور إلا في عام 1974.
وبعد نحو 40 عاما ما زالت الطائرة تتمتع بصحة عالية وقدرة فائقة على التحليق، بل إنه في غضون تلك المدة قررت الحكومة الأمريكية استنساخ 3 طائرات أخرى من نفس الطراز لأداء ذات الغرض. ووفقا لما هو مجدول فإنّ واحدة من هذه الطائرات ينبغي أن تكون مستعدة على مدار الساعة طيلة أيام السنة تحسبا لأيّ طارئ، وأن تكون قادرة على التحليق في أيّ لحظة برفقة أصحاب المناصب الحساسة في البلاد مثل الرئيس ونائبه ووزير الدفاع وغيرهم.
كما أنّ الطائرات مزوّدة بأحدث التقنيات الفائقة، وتوفر تقنية الاتصال بالأقمار الصناعية بنطاق ترددي واسع يتراوح بين 14 كيلو هيرتز إلى 8.4 غيغا هيرتز. وهذا النطاق يسمح بالتواصل مع أي نقطة على كوكب الأرض دون التعرض للتشويش، بما في ذلك السفن والطائرات والغواصات والمحطات الأرضية، بنظام اتصال يُعرف بـ”ميلستار” (Milstar)، وفقا لما تشير إليه “القوة الفضائية للولايات المتحدة”.6
وبطبيعة الحال فهذه الطائرات كذلك مخصصة لمجابهة الأشعة الخطيرة الناجمة عن الانفجارات النووية وأيضا النبضات الكهرومغناطيسية، وآلية دفاعها والتقنية المستخدمة تعد سريّة للغاية لا يمكن الاطلاع عليها، لكن يمكن التخمين بأنّ الأسلاك والأجهزة الكهربائية مصفحة بدروع مقاومة للحرارة وللأشعة النووية.
رحلات الرئيس.. حصن متنقل على أهبة الاستعداد
بالنسبة للتقسيم الداخلي لطائرة القيامة الأمريكية، فهي تحتوي على 6 أقسام موزعة على 3 طوابق: قسم عمل القيادة، وقاعة المؤتمرات، وغرفة الإعلان عن البيانات، وقسم عمل فريق العمليات، وقسم الاتصالات، وقسم الاستراحة. وتتسع الطائرة الواحدة لـ112 شخصا يقع اختيارهم وفق القيادة الاستراتيجية الأمريكية. كما يغلب على الطائرة من الداخل النمط السبعيني القديم، وهي آثار حقبة الحرب الباردة.7
وجرت العادة بأن تكون طائرة القيامة الأمريكية على أهبة الاستعداد في قاعدة “أندروز” الجوية في إحدى ضواحي واشنطن؛ حيث يقع البيت الأبيض ومكتب الرئيس، مما يسهل الوصول إليها خلال الأوقات العصيبة. وفي حال سافر الرئيس إلى خارج البلاد، فإن طائرة القيامة ترافقه إلى منطقة قريبة من نقطة وجوده، تحسبا لحدوث أي طارئ.
تعد طائرة يوم القيامة الأشد تحصينا من الداخل ضد أنواع الأسلحة وضد الأشعة النووية على حد سواء
وكلّ ذلك يستهلك تكاليف باهظة تصل إلى 160 ألف دولار في الساعة أثناء عمل الطائرة في الجو، وهو شامل جميع المصاريف من وقود وغيره. فضلا عن سعر الطائرة الواحدة الذي كلّف خزينة الدولة 250 مليون دولار، وعمليات الصيانة والتحديث التي ضمها عقدٌ مدته 5 سنوات وقعته الحكومة مع شركة “بوينغ” في عام 2005 بقيمة 5 مليارات دولار.8
وقد بدأت القوات الجوية الأمريكية مؤخرا العمل على بديل لطائرة “إي-4” ضمن برنامج “مركز العلميات الجوية القادر على النجاة” بميزانية تصل إلى 856 مليون دولار في عام 2025. 9
إنّ تلك الطائرات باهظة الثمن لا يُنظر إليها على أنّها مركب جوّي متنقل فحسب، بل إنها مركز للعمليات ولإدارة البلاد من الأعلى، فعطفا على جميع ما ذُكر من مميزات وسمات، يحلق مع طائرة القيامة سرب من الطائرات الحربية لحمايتها من أي هجوم جوي أو أرضي، فالحكومات المتورطة في حرب نووية تنظر إلى هذه الطائرة على أنّها عصب الحياة وأمل النجاة.
ولا شك بأنّه ما من مستقر للإنسان بعيدا عن الأرض، لكن لجوء الحكومات إلى الأعلى بحثا عن الأمان لا ينبئ إلا بمدى سوء ما آل إليه الإنسان وما اقترفت يداه، فكل ما نأمله دوما بأن لا تسقط البشرية في هذا الوحل المميت.
المصدر: aljazeera.net