أوجد فريق من العلماء مجموعة من حيوانات الماعز والخنازير والأبقار، ونجحوا في استنساخ خصياتها من حيوان ذكر آخر، في محاولة منهم لخلق سلالة جديدة من “آباء يملكون إمكانات خارقة” في مملكة الحيوانات.
ولدت جميع حيوانات المزارع تلك عقيمة، بيد أنها بدأت بإنتاج الحيوانات المنوية بعدما أتاحت أداة لتعديل الجينات لباحثين من بريطانيا والولايات المتحدة أن يحقنوا خلايا قادرة على إنتاج الحيوانات المنوية، مأخوذة من حيوانات مانحة جرى انتقاؤها خصيصاً لهذا الغرض.
يعني ذلك أن تلك الماعز والخنازير والأبقار المعدّلة وراثياً يمكن أن تصلح كـ”آباء بدلاء” منوطة بها مهمة التكاثر – تحمل فقط سمات وراثية مرغوباً فيها لأنها تنجب الذرية “النخبوية” المستقاة من نسل الحيوانات المانحة.
يزعم الباحثون أن هذا التقدم في التعديل الجيني من شأنه أن يسرع عجلة انتشار الخصائص المنشودة في الماشية، ويحسّن إنتاج الغذاء لسكان العالم الآخذين في التزايد.
إضافةً إلى ذلك، من شأن تقدم علمي من هذا النوع أن يمنح مربّي الحيوانات في المناطق النائية إمكانية أفضل للحصول على مواد وراثية مأخوذة من نخبة الحيوانات الموجودة في أجزاء أخرى من العالم. كذلك سيسمح باصطفاء أكثر دقة لحيوانات، من قبيل الماعز، إذ من العسير استخدام التلقيح الصناعي.
جون أوتلي، أحد العلماء الذين شاركوا في هذا الابتكار، وهو عالم في بيولوجيا التناسل في “كلية الطب البيطري” بـ”جامعة ولاية واشنطن” WSU Washington State University قال في هذا الشأن: “باستخدام هذه التكنولوجيا، نحظى بنشر أفضل للسمات المرغوب فيها ونحسّن كفاءة إنتاج الغذاء. من شأن ذلك أن يترك تأثيراً كبيراً في مواجهة غياب الأمن الغذائي في شتى أنحاء العالم. إذا استطعنا التصدي له (انعدام الأمن الغذائي) وراثياً، سيترجم ذلك مياهاً وأعلافاً أقل، ومضادات حيوية قليلة نصرفها على الحيوانات”.
تهدف عملية التعديل الجيني التي استخدمت في الدراسة، المنشورة في مجلة “بروسيدينغز أوف ذا ناشونال أكاديمي أوف ساينسز”Proceedings of the National Academy of Sciences ، إلى إخضاع نوع من الحيوانات لتعديلات في مقدورها أن تظهر بشكل طبيعي، من قبيل العقم.
الدراسة ثمرة ست سنوات من العمل التعاوني بين باحثين من جامعات “ولاية واشنطن” و”ولاية يوتا” و”ماريلاند” في الولايات المتحدة الأميركية، فضلاً عن “معهد روزلين” في “جامعة إدنبرة” الاسكتلندية.
واستخدم العلماء أداة التعديل الجيني “كريسبر- كاس 9” (CRISPR-Cas9) على فئران وخنازير وماعز وأبقار لا تحمل جيناً يسمّى “نانوس 2” (NANOS2) خاص بخصوبة الذكور. بعد ذلك، أنتج السائل المنوي الذي يطلق عليه اسم “الآباء البدلاء”، حاملاً فقط المادة الجينية للحيوانات المانحة المختارة.
في الدراسة، أنجبت الفئران البديلة ذرّية سليمة تحمل جينات الفئران المانحة. ولكن لم يجرّب استيلاد الحيوانات الأكبر حجماً حتى الآن، ويعمل “مختبر البروفيسور أوتلي” على صقل عملية زرع الخلايا الجذعية قبل المضي قدماً في الخطوة التالية.
في نظر البروفسور بروس وايتلو من “معهد روزلين”، تقدم هذه الدراسة إثباتاً قوياً على صحة الفكرة ويقول”يبيّن ذلك للعالم أن هذه التكنولوجيا حقيقية، أن في المستطاع استخدامها. علينا الآن السير في هذا الاتجاه والبحث عن أفضل السبل للاستفادة منها على نحو مثمر، في سبيل الإسهام في إطعام الأعداد المتزايدة من السكان في بلادنا”.
كان العلماء يبحثون عن طريقة يبتكرونها تمكّنهم من تذليل القيود المتصلة بالتناسل الانتقائي (أو ما يعرف أيضاً بالاصطفاء الصناعي) والتلقيح الصناعي، وهما طريقتان تتطلبان أن تكون الحيوانات على مقربة من بعضها بعضاً أو التحكّم الصارم في حركتها. وفي حالات كثيرة تستلزمان الوسيلتين كلتيهما.
تشير الدراسة إلى أن الحيوانات المانحة والبديلة على حد سواء لا تحتاج إلى أن تكون قريبة إلى بعضها بعضاً، إذ يمكن شحن الحيوانات المنوية المجمّدة أو الحيوان البديل نفسه إلى أماكن مختلفة.
قالت إيرينا بوليجيفا، وهي بروفيسورة في “جامعة ولاية يوتا”، إن هذه التقنية تتميّز بإمكانية المساعدة في توفير الغذاء في البلدان النامية، حيث ما زال يتعيّن على مربّي الماشية الاعتماد على الاستيلاد الانتقائي.
أوضحت: “تشكّل الماعز المصدر الأول للبروتين في كثير من البلدان النامية. يمكن أن تسمح هذه التقنية (الجديدة) بنشر أسرع لصفات معينة لدى الماعز، سواء كانت مقاومة الأمراض أو تحمّل درجات حرارة أعلى أو إنتاج لحوم ذات جودة أفضل”.
وفق الباحثين، يمكن أن تفتح تقنية “الآباء البدلاء” أيضاً خياراً جديداً بالنسبة إلى الحفظ الجيني لأنواع الحيوانات المهدّدة بالانقراض، التي تترك أعدادها الآخذة في التناقص مجتمعات الحيوانات معزولة عن بعضها بعضاً، ما يحدّ تالياً من تنوعها الجيني.
استطراداً، ذكر مجلس “نوفيلد” لأخلاقيات علم الأحياءNuffield Council on Bioethics إنع ما زال يدرس بعض القضايا الأخلاقية التي أثارتها تقنيات تعديل الجينات في المواشي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأخبر المدير هيو ويتال “بي بي سي” (هيئة الإذاعة البريطانية)، أن إمكانية وضرورة نشر تعديل الجينوم خارج إطار البحث والمدى الذي يمكن أن يبلغه ذلك، ستستندان إلى مزيد من البحوث والتطوير بما يتماشى مع القيم والمصالح المجتمعية التي لم تُحدّد بوضوح بعد في حالات كثيرة”.
قال العلماء الذين يتولّون البحث الجديد إن ثمة عملاً كثيراً يتعين القيام به خارج المختبر قبل إجراء التعديلات على الحيوانات.
على سبيل المثال، ذكر البروفيسور أوتلي: “حتى لو أنجزت جميع النواحي العلمية، ستتأثر سرعة تنفيذ ذلك في إنتاج الماشية في أي مكان في العالم بقبول المجتمع. عبر التعاون مع صانعي السياسات وعامة الناس، يمكننا المساعدة في توفير المعلومات”.
© The Independent
المصدر: اندبندنت عربية