اكتشف فريق من العلماء من جامعتي شمال أريزونا وجونز هوبكنز الأميركيتين مؤخراً، أن الماء كان موجوداً في السابق، ولكن لفترة وجيزة، في منطقة من المريخ تسمى أرض العرب (Arabia Terra).
تواجد قصير الأمد للمياه في أرض العرب على المريخ
أرض العرب هي منطقة مرتفعة كبيرة تقع في شمال المريخ، وتحديداً في الرباعي العربي (Arabia quadrangle). وتشير طبوغرافيا المنطقة التي نالت منها عوامل الحت تماماً إلى عمرها الكبير.
لذا، يُفترض أن أرض العرب هي واحدة من أقدم التضاريس على الكوكب الأحمر. وتعود تسميتها إلى عالم الفلك الإيطالي جيوفاني شياباريللي، الذي أطلق عليها هذا الاسم عام 1879.
في دراسة نُشرت في شهر أكتوبر الماضي في دورية “جيولوجي” الصادرة عن الجمعية الجيولوجية الأميركية (GSA)، أوضح أعضاء الفريق أنهم توصلوا -من خلال قياس تماسك الرواسب الطبقية في أرض العرب- إلى أنه إذا كانت الظروف السطحية الغنية بالمياه قد توفرت في المنطقة بعد فترة “النواشيان” (Noachian)، فإن هذه الرواسب تشير إلى أنها ربما كانت متقطعة وعابرة.
ونواشيان هي فترة زمنية مبكرة في تاريخ كوكب المريخ تتميز بارتفاع معدلات النيازك والكويكبات ومن المحتمل أنها قد شهدت وجود مياه سطحية سائلة.
تم تمويل الدراسة، التي تحمل عنوان “سجل هش للمياه العابرة على سطح المريخ”، من قبل برنامج تحليل بيانات المريخ التابع لوكالة الفضاء الأميركية ناسا.
وقادها لاري كوبيل، باحث الدكتوراه في علم الفلك وعلوم الكواكب بجامعة شمال أريزونا، تحت إشراف الدكتور كريستوفر إدواردز، وبالإضافة إلى الباحثين أندرو أنيكس وكيفن لويس، وجابرييل كاريلو الطالب بجامعة جونز هوبكنز.
دراسة القصور الذاتي الحراري
يقول كوبيل: “كنا مهتمين على وجه التحديد باستخدام الصخور الموجودة على سطح المريخ لتحسين فهمنا للبيئات التي وجدت في الماضي، في فترة تتراوح بين ثلاثة إلى أربعة مليارات سنة، وما إذا كانت هناك ظروف مناخية مناسبة تجعل من المريخ كوكباً صالحاً للحياة. اهتمامنا كان منصباً حول ما إذا كانت هناك مياه مستقرة، وكم من الوقت يمكن أن تكون قد ظلت هناك، وكيف كانت الظروف الجوية آنذاك، وكم بلغت درجة الحرارة على السطح”.
للتوصل إلى فهم أفضل لما حدث حتى تتكون هذه الطبقات الصخرية، ركز الباحثون على دراسة خاصية تُعرف باسم “القصور الذاتي الحراري”، وهي خاصية تشير إلى قدرة المادة على تخزين الحرارة وتأخير نقلها. فمثلاً تكتسب الرمال الحرارة بسرعة وتفقدها بسرعة، بينما تظل الصخور الصلبة دافئة لفترة طويلة في المساء. لذا، من خلال النظر إلى درجات حرارة سطح المنطقة، تمكنوا من تحديد الخصائص الفيزيائية للصخور.
ويوضح إدواردز أن أحداً “لم يقم بإجراء دراسة متعمقة حول القصور الذاتي الحراري لهذه الرواسب المثيرة للاهتمام والتي تغطي جزءاً كبيراً من سطح المريخ”.
تدفق معاصر للمياه المالحة
كانت معلومات سابقة كشفت عنها ناسا قد توصلت إلى دلائل على وجود ماء سائل يتدفق بشكل متقطع على كوكب المريخ في وقتنا الحاضر. وباستخدام مقياس الطيف الموجود على متن المركبة “مارس ريكونيسانس أوربيتر”، اكتشف الباحثون علامات على وجود معادن رطبة على منحدرات توجد في عدة مواقع على سطح المريخ. ترتسم على هذه المنحدرات خطوط داكنة غامضة تتدفق خلال المواسم الدافئة (عندما تكون درجات الحرارة أعلى من 23 درجة مئوية تحت الصفر) وتنحسر في المواسم الأكثر برودة.
وتتميز هذه المياه على الأرجح بملوحتها الشديدة، حيث تعمل الأملاح المائية على خفض درجة تجمد المحلول الملحي السائل، تماماً كما يتسبب الملح على الطرق هنا على الأرض في ذوبان الجليد والثلج بسرعة أكبر.
وفي مارس من هذا العام، رجح نموذج جديد طوره باحثون في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا (كالتيك) ونُشر في دورية ساينس (Science)، أن نسبة تتراوح بين 30% إلى 99% من كافة مياه المريخ القديمة ما زالت موجودة ضمن قشرة المريخ. وتشير التقديرات الحالية إلى أن المريخ ربما كان يحتوي على ما بين 100 و1,500 متر طبقي مكافئ شامل (m GEL) من الماء على سطحه. وتشير هذه الواحدة إلى طبقة بسماكة 1 متر من الماء تغطي سطح كوكب أملس. وتساوي الكمية 1,000 متر طبقي مكافئ شامل تقريباً نصف كمية مياه المحيط الأطلسي.
تشير هذه الخطوط التي تتدفق إلى أسفل التل على المريخ إلى أنها تشكلت بواسطة المياه المتدفقة المعاصرة. حقوق الصورة: وكالة ناسا/ مختبر الدفع النفاث/ جامعة أريزونا.
أسئلة جديدة
لاستكمال الدراسة، استخدم كوبيل أجهزة استشعار عن بعد موجودة في عدد من الأقمار الصناعية التي تدور في مدارات المريخ. ويوضح الباحث: “تماماً مثلما يفعل الجيولوجيون على الأرض، ننظر إلى الصخور لمحاولة سرد قصص عن البيئات الماضية. ولكن على المريخ، ثمة درجة أكبر قليلاً من المحدودية. لا يمكننا الذهاب إلى نتوء صخري وجمع العينات، لذا فإننا نعتمد إلى حد كبير على بيانات الأقمار الصناعية. ثمة عدد قليل من الأقمار الصناعية التي تدور حول المريخ، ويوجد على كل قمر صناعي مجموعة من الأدوات. وتلعب كل أداة دورها الخاص في مساعدتنا على وصف الصخور الموجودة على السطح”.
ومن خلال سلسلة من الدراسات باستخدام هذه البيانات التي تم جمعها عن بعد، نظر الباحثون في القصور الذاتي الحراري، بالإضافة إلى الأدلة على التآكل وحالة الفوهات ونوعية المعادن الموجودة. واكتشفوا أن هذه الرواسب أقل تماسكاً بكثير مما كان يعتقده الجميع سابقاً، ما يشير إلى إمكانية أن هذا المكان كان يحتوي على الماء لفترة وجيزة فقط.
يقول كوبيل “بالنسبة لبعض الناس يحول هذا الأمر الانتباه بعيداً عن الموضوع، لأننا نعتقد في كثير من الأحيان أن وجود المزيد من الماء لمزيد من الوقت يعني أنه كانت هناك فرصة أكبر لوجود الحياة على المريخ في وقت ما. لكن بالنسبة لنا، الأمر مثير للاهتمام حقاً لأنه يطرح مجموعة كاملة من الأسئلة الجديدة، من قبيل: ما هي الظروف التي من الممكن أنها سمحت بوجود الماء لفترة وجيزة؟ هل يمكن أن تكون هناك أنهار جليدية ذابت بسرعة مع اجتياح فيضانات هائلة؟ وهل يمكن أن يكون هناك نظام للمياه الجوفية تسرب من الأرض لفترة وجيزة فقط لينزل إلى الأسفل مرة أخرى؟”.
المصدر: إم آي تي تكنولوجي ريفيو