ساعات دمشق المنسية.. كادت أن تكون أشهر من بيغ بن البريطانية
على الرغم من أنّ أشهر ساعة في العالم هي ساعة بيغ بن في بريطانيا، إلا أنها ليست أهم ساعة عرفتها البشرية فهناك العديد من الساعات التي صنعها أجدادنا العرب القدماء، إلا أنّها لم تنل نصيبها الكافي من الشهرة لأسباب عديدة.
إحدى أشهر ساعات العرب، هي الساعة الدّقاقة التي قدّمها الخليفة العباسي هارون الرشيد كهدية للملك الفرنسي شارلمان، وأذهلت بدقة صناعتها البلاط الملكي حينها.
ويرى علماء التاريخ العرب أن أهم ساعة تم صنعها في الشرق، كانت الساعة الكبيرة على باب المسجد الأموي، التي لم تأخذ نصيبها من الشهرة ربما لأنّها لم تقترن باسم ملك أوروبي أو خليفة عربي.
تعرضت الساعة الكبيرة على باب المسجد الأموي في دمشق، للتخريب عدة مرات على مر التاريخ، ويقول الدكتور غفران الناشف إن ساعات المسجد الأموي تعتبر براءة اختراع عربية إسلامية.
نجح العرب بالحصول على علم الساعات من اليونانيين القدماء، إلا أنّهم عملوا على تطويرها من خلال الخبرة الميكانيكية التي يمتلكونها بهدف زيادة دقة الساعة.
ويعود اهتمام العرب بالدقة للطقوس الدينية الإسلامية، فقد كانوا بحاجة إلى ساعة دقيقة جدًا ليتعرفوا على مواعيد الصلاة والإفطار والصيام في شهر رمضان المبارك، وهو السبب الرئيس لوضع الساعات قرب المساجد والمدارس عمومًا.
اتخذت الساعات المائية لدى العرب شكلين اثنين الأول صندوق الساعات القابل للنقل، والثاني كان كبير الحجم جدًا لدرجة أنه يحتاج إلى غرفة بعرض نحو 20 مترًا وارتفاع عشرة أمتار وقد كان نقل مثل هذه الساعات أمرًا مستحيلًا.
ووفقًا للتاريخ فإن العرب صنعوا 21 ساعة مائية شهيرة، ثمانية منها تم اختراعها في دمشق، وأشهرها الساعات الأربع التي كانت على أبواب المسجد الأموي في العاصمة السورية دمشق.
تكاليف بناء الساعات كانت كبيرةً جدًا، وبحسب الباحث محمد عيسى صالحية، فإن دمشق دفعت 40 ألف درهم كتكلفة لها.
يصف ابن عساكر تلك الساعات ويقول في كتابه “خطط دمشق”، إن باب الجامع القبلي سمي باب الساعات لوجود ساعات فيه، وكانت تحوي صور عصافير وأفعى وغراب، ويقدر العلماء أن تلك الساعات كانت موجودة سنة 300 للهجرة تقريبًا أي أقدم من ساعة بيغ بن البريطانية الشهيرة.
سنة 312 كتب محمد بن عبد الله عن تلك الساعات ما يشير لاستمرار بقائها، كذلك الحال في كتاب شمس الدين المقدسي سنة 376.
تعرضت ساعة دمشق لأضرار كبيرة جراء الحريق الذي حصل في المسجد الأموي عام 1325 إلا أن المعماريين جددوها بشكل كامل، وهو ما يؤكده وصف الرحالة ابن بطوطة الذي قال بعد زيارته دمشق عام 1326 م في وصف الساعة: “عن يمين الخارج من باب جيرون، وهو باب الساعات، غرفة لها هيئة طاق كبيرة فيها طيقان صغار مفتحة، لها أبواب على عدد ساعات النهار، والأبواب مصبوغ باطنها بالخُضرة وظاهرها بالصُفرة، فإذا ذهبت ساعة من النهار انقلب الباطن الأخضر ظاهرًا والظاهر الأصفر باطنًا”.
ورغم تعرض المسجد الأموي لحريقين آخرين بعد 14 عامًا، إلا أن سكان دمشق كانوا جاهزين دائمًا لإصلاح الساعات.لكن تلك الساعات لم تصمد أمام الخراب الذي حمله القائد المغولي تيمورلنك، خلال غزوه لمدينة دمشق سنة 803 للهجرة، الذي خرّب الكثير من معالم دمشق ومن بينها الساعات التي غابت عن المدينة منذ ذلك الوقت.
ربما لو بقيت ساعات دمشق حتى يومنا هذا لما حظيت ساعة بيغ بن البريطانية بكل هذه الشهرة، وكان العالم ليضبط إيقاعه على وقع صوت ساعات دمشق، التي شاءت الحروب والغزوات أن تدمرها للأبد.
المصدر: أراجيك – Arageek