السعودية ..بكتيريا ُمحبة للحرارة وتتغذى على النفط تبشر بآفاق واسعة في التخلص من التلوث النفطي
أجرى باحثون في جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية بالسعودية تحليلا شاملا للتجمعات البكتيرية في بركان “ديسيبشن آيلاند” النشط في القارة القطبية الجنوبية، كشف عن آفاق واسعة لاستخدام البكتيريا المتطرفة، ومنها البكتيريا المحبة للحرارة، في إزالة التلوث النفطي.
ونشر الباحثون نتائج أبحاثهم في دوريتي “مايكرو أورجانيزمز” (Microorganisms) و”فرونتيرز إن مايكروبيولوجي” (Frontiers in Microbiology).
ما البكتيريا المحبة للحرارة؟
يعرف موقع بايولوجي أونلاين البكتيريا المحبة للحرارة (Thermophiles) بأنها كائنات تكيّفت على الحياة في درجات حرارة مرتفعة تتراوح ما بين 60 و140 درجة مئوية، وهي أحد نماذج البكتيريا المتطرفة (Extremophiles) التي تعيش وتزدهر في البيئات القاسية والمتطرفة التي ترتفع فيها مستويات درجة الحرارة والضغط والملوحة لمعدلات هائلة مهلكة لأي كائنات حية.
هذه البكتيريا المتطرفة التي تنمو وتزدهر في أقسى الظروف، تبشر بإمكانيات ضخمة في العديد من تطبيقات التكنولوجيا الحيوية.
وتكيفت هذه البكتيريا مع هذه الظروف، ونجحت في الحفاظ على نشاطها الأيضي، وأظهرت إمكانيات أيضية وفسيولوجية متنوعة، وغالبا ما تفرز منتجات حيوية مفيدة ومهمة للغاية.
ومن هذه المنتجات الحيوية إنزيمات ومركبات حيوية نشطة تستخدم في مجالات مثل الزراعة وصناعة الأدوية، واستكشاف الفضاء أيضا. ومن تطبيقات هذه البكتيريا أنها توفر وسيلة آمنة عالية الكفاءة لتنظيف التلوث النفطي.
البكتيريا المحبة للحرارة هي المسؤولة عن الألوان البراقة والزاهية في الينابيع الحارة بمحمية يلوستون (مواقع إلكترونية)
رحلة البحث عن بكتيريا تلتهم النفط!
تمتاز براكين القارة القطبية بتدرجات كبيرة في درجات الحرارة، الأمر الذي يتيح اختيار أنواع مختلفة من البكتيريا المتطرفة، ومن هذه البراكين بركان “ديسيبشن آيلاند” (Deception Island)، وهو بركان بحري يحتوي على تدرجات حرارية حادة على مسافات قصيرة تتراوح ما بين 100 درجة وما تحت الصفر، مما جعله مصدرا جذابا لمجموعة متنوعة من المنتجات الحيوية التي تصلح للاستخدام في مجالات التكنولوجيا الحيوية المختلفة.
وقام الباحثون في جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية بعزل البكتيريا المحبة للحرارة من الرواسب من موقعين في البركان بدرجات حرارة تتراوح بين 50 و100 درجة مئوية، لتقييم القدرة المحتملة لهذه البكتيريا على تحليل الهيدروكربونات البترولية، وإنتاج المواد الحيوية في درجات حرارة مرتفعة.
لم يكن ذلك بالأمر السهل لصعوبة تقليد ظروف البيئات القاسية في المختبر لزراعة هذه السلالات البكتيرية، كما كانت الكتلة الحيوية الخلوية لهذه البكتيريا التي تعيش في البيئات القاسية صغيرة للغاية، الأمر الذي جعل استخراج الحمض النووي أمرا شديد الصعوبة.
ونجح الباحثون في جمع ما يكفي من الحمض النووي عالي الجودة لإجراء التحليل الجيني، حيث حدد الفريق الجينات المتعلقة بتثبيت الجينوم في ظل تقلبات درجات الحرارة، وبروتينات الصدمة الحرارية والبرودة، وإصلاح الحمض النووي ضد الأشعة فوق البنفسجية ومقاومة الظروف القلوية، والجينات الخاصة بالنشا وتدهور السليلوز.
وحلل الباحثون جميع السلالات لتمييز السلالات القادرة على إنتاج المواد الخافضة للتوتر السطحي وتحليل النفط، وذلك باستزراع 126 سلالة بكتيرية محبة للحرارة، حيث نمت 76 سلالة منها بشكل جيد في المزارع البكتيرية التي احتوت على النفط الخام كمصدر وحيد للكربون.
وأظهرت 30 سلالة قدرة عالية على تحليل الزيت؛ ومن بين 50 سلالة تم اختبارها لإنتاج المواد الحيوية، حققت 13 سلالة أداءً متميزًا وأنتجت مواد خافضة للتوتر السطحي للنفط، وأبدت 4 منها قدرة كبيرة على تحليل النفط الخام.
تمتاز براكين القارة القطبية بتدرجات كبيرة في درجات الحرارة تتيح اختيار أنواع مختلفة من البكتيريا المتطرفة (غيتي)
كيف تُستخدم البكتيريا في مواجهة التلوث النفطي؟
النفط من أكثر الملوثات تعقيدًا على الأرض، وتعتمد كفاءة وفعالية التحليل الميكروبي على عدة عوامل من المتغيرات البيئية المحلية مثل درجة الحرارة ودرجة الحموضة إلى نسبة وكمية وتركيب النفط الموجود.
وبحسب البيان الصحفي للدراسة المنشور على موقع “فيز دوت أورغ” (Phys.org) في الثالث من أكتوبر/تشرين الأول الجاري، فقد شرحت جونيا شولتز، باحثة ما بعد الدكتوراه في مركز أبحاث البحر الأحمر التابع لجامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية، سر قدرة هذه البكتيريا على تحليل النفط، وقالت “تستخدم هذه البكتيريا النفط مصدرا للكربون والمغذيات والطاقة، حيث تفرز أولاً المواد الخافضة للتوتر السطحي لكسر التوتر السطحي للنفط، قبل امتصاص البترول المستحلب في خلاياها التي تحلل النفط من خلال النشاط الإنزيمي، وتوفر هذه البكتيريا وسيلة ممتازة ليس فقط لإزالة التلوث النفطي بل للعديد من التطبيقات”.
وأضافت “يمكننا الفهم الكامل للسلالات البكتيرية في السعودية وقدرتها الأيضية من تصميم مناهج مستقبلية لمعالجة التلوث النفطي ليس فقط في القارة القطبية الجنوبية، ولكن في جميع أنحاء العالم. الإمكانيات التي توفرها البكتيريا القاسية هائلة، وتحفزنا على استكشاف ودراسة البيئات القاسية في المملكة العربية السعودية للحصول على منتجات حيوية جديدة تستخدم في العديد من التطبيقات المتنوعة”.
المصدر: aljazeera.net