للماء أشكال مختلفة ودليلنا على ذلك أن شكل الماء السائل يختلف عن شكل الماء المتجمد فتتخذ المياه تحت درجة التجمد أشكال مذهلة كما ندف الثلج.
ومن هذا المنطلق قام باحثون من جامعة برمنغهام في المملكة المتحدة وجامعة سابينزا دي روما في إيطاليا بتفحص سلوك الجزيئات في الماء السائل المضغوط المعرض إلى ظروف تسبب تبلوره عادةً.
بناءً على طريقة جديدة لنمذجة سلوك الماء بوصفه سائلًا معلقًا، تعرف الباحثون على سمات أساسية لحالتين مختلفتين للسائل، إحداهما (معقدة طبوغرافيًّا)، مرتبطة على هيئة عقدة بسيطة، والأخرى مرتبطة بتشكيلة أقل كثافة من حلقات أبسط.
يقول الكيميائي في جامعة برمنغهام، دوايبايان تشاكرابارتي: «يقدم هذا النموذج الغروي للمياه رؤيةً واضحةً في البنية الجزيئية لها، ويمكّننا من كشف أسرار المياه المتعلقة بفكرة السائلين».
أشارت النظريات التي وُضعت في تسعينيات القرن الماضي إلى أنواع التفاعلات الجزيئية التي قد تجري حين يتعرض الماء إلى التبريد الفائق – يُبرَّد إلى درجات حرارة أدنى من درجة التجمد التقليدية دون أن يتصلب.
استمر الباحثون لسنوات في التمادي بحدود تبريد الماء دون أن يتحول إلى الحالة الصلبة، وتمكنوا أخيرًا من المحافظة عليه في هيئة سائل فوضوي عند حرارة تبلغ 263– درجة مئوية لبرهة من الزمن دون أن يتحول إلى جليد.
رغم مقدار التقدم الذي أُحرز في عرض هذه الحالات في المختبر، فإن الباحثين يحاولون معرفة كيف تبدو السوائل فائقة التبريد بدقة عند تخليصها من الحرارة.
من الواضح أنه عند نقاط حرجة، تتفوق التجاذبات القطبية المتنافسة بين جزيئات الماء، على الضوضاء الثرموديناميكية للجسيمات المهتزة. دون حرية الاندفاع إلى شكل متبلور، تحتاج الجزيئات إلى إيجاد هيئات ملائمة أخرى.
بوجود عدد كبير من العوامل المؤثرة، يحاول الباحثون عادةً تبسيط ما يمكن تبسيطه والتركيز على المتغيرات الهامة، لوجود عدد كبير من العوامل المؤثرة، وفي هذه الحالة يساعد النظر إلى «تكتلات» المياه على أنها جسيمات أكبر منحلة في السائل، على فهم الانتقالات من منظومة إلى أخرى على نحو أفضل.
أشارت النماذج الحاسوبية المعتمدة على هذا المنظور إلى وجود تغير غير ملحوظ بين جسيمات المياه المتنافرة، والشكل المكون من جسيمات تستقر أقرب إلى بعضها في هيئة أكثف.
على نحو مثير للاهتمام، بدا شكل -أو طبوغرافيا- التفاعلات الجزيئية في هذا المشهد المائي مختلفًا تمامًا، إذ كانت الجزيئات تتشابك في شبكات معقدة عندما تتجمع، أو في أشكال أبسط بكثير عندما تتباعد.
يقول فرانشيسكو سكيورتينو، عالم فيزياء المادة المكثفة في جامعة سابينزا دي روما: «اقترحنا في هذا العمل للمرة الأولى رؤيةً لتحول طور سائل إلى سائل آخر اعتمادًا على أفكار التداخل الشبكي».
«أنا واثق من أن هذا العمل سيلهم النمذجة النظرية الجديدة، المبنية على أساس مفاهيم طبوغرافية».
هذا المجال الغريب من شبكات الجسيمات المتداخلة مهيأ للاستكشاف، مع أنه ليس مختلفًا بالكامل عن السلاسل الطويلة من الجزيئات المرتبطة بروابط تساهمية، هذا النوع من العُقَد مؤقت، يبدل الأجزاء مع تغير بيئة السائل.
يجب أن تكون طبيعة المياه السائلة الموجودة في البيئات عالية الضغط ومنخفضة الحرارة، مختلفةً عن أي سائل يتدفق على سطح كوكبنا، بالنظر إلى تفاعلاتها المتداخلة.
قد تمنحنا معرفة المزيد عن السلوك الطبوغرافي للمياه وغيرها من السوائل تحت هذه الظروف، رؤيةً لنشاط المواد في البيئات القاسية أو التي يصعب الوصول إليها، مثل أعماق الكواكب البعيدة.
«سيكون الأمر جميلًا إذا استطعنا النظر إلى داخل السائل ومراقبة تراقص جزيئات المياه، وطريقة اهتزازها، وكيفية تبادلها الشركاء، معيدةً هيكلة شبكة الروابط الهيدروجينية». هذا ماقاله سكيورتينو
نهايةً يبدو أن الإنسان في اكتشافات ودراسات دائمة ولاندري ربما يتحقق قول سكيورتينو: «قد يجعل تحقيق النموذج الغروي الذي نقترحه للمياه هذا الحلم حقيقةً».
نُشر هذا البحث في مجلة Nature physics.
المصدر: أنا أصدق العلم