إن التطورات الاقتصادية الحاصلة خلال الفترة الحالية والناتجة عن الاضطرابات السياسية والعسكرية حول العالم تجعل حركة الأسواق والمؤشرات المالية في منحنيات بيانية مليئة بالتخبط والتذبذب..
مما ينعكس بصورة مباشرة على قرارات المستثمرين وأصحاب رؤوس الأموال، وحتى الطبقة المتوسطة ممن تمتلك شيئا من المدخرات فهم يقعون ضحية الحيرة والتردد في البحث عن الطريقة الأسلم للحفاظ على قيمة مدخراتهم الشرائية وحمايتها من التضخم.
أزمة اقتصادية عالمية
خفض صندوق النقد الدولي، الثلاثاء، توقعاته للنمو العالمي لعام 2023 وسط ضغوط متداخلة من الحرب في أوكرانيا وارتفاع أسعار الطاقة والغذاء والتضخم وارتفاع أسعار الفائدة بشكل حاد، محذرا من أن الأوضاع قد تتفاقم بشكل كبير العام المقبل.
ومن المرجح أن ينكمش ثلث الاقتصاد العالمي بحلول العام المقبل، وفقا للصندوق.
وخفض الصندوق في تقريره توقعاته للناتج المحلي الإجمالي العالمي في 2023 إلى 2,3 بالمئة، أي أقل ب 0,2 نقطة مئوية مقارنة بتوقعاته في يوليو.
وأبقى على توقعاته لنمو الاقتصاد العالمي عند 3,2 بالمئة خلال 2022، مؤكدا أن مشهد النمو العالمي هو “الأضعف” منذ 2011، باستثناء ما كان عليه خلال الأزمة المالية العالمية وأسوأ فترات الجائحة.
وحض الصندوق، المصارف المركزية على “التحرك بحزم لإعادة التضخم إلى معدله المستهدف”، وذلك في تقرير للهيئة يسلّط الضوء على أوضاع ضبابية على صعيد الاستقرار المالي.
وبهدف مواجهة التضخم الذي يسجل أعلى مستوياته منذ مطلع ثمانينات القرن الماضي والذي يُخشى أن يصبح “راسخا”، على المصارف المركزية أن تواصل رفع أسعار الفائدة، وفق ما جاء في التقرير المنشور الثلاثاء.
وتركت الأزمات العالمية المتتالية 54 دولة، تضم أكثر من نصف أفقر سكان العالم، في حاجة ماسة لتخفيف الديون، حسبما أعلنت الأمم المتحة.
وحذر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي من أن عشرات الدول النامية تواجه أزمة ديون تتفاقم بسرعة، وانضم بذلك إلى مجموعة من المؤسسات والجمعيات الخيرية التي حذرت من أن أزمة ديون خطيرة تتمكن الآن من أفقر مناطق العالم.
ماذا نفعل؟
جاءت تلك التحذيرات وسط مخاوف من زيادة الركود العالمي، ما يطرح التساؤلات حول كيفية تعامل الأفراد مع تلك التداعيات الاقتصادية خلال الفترة المقبلة.
يتحدث الخبير الاقتصادي، عبدالنبي عبدالمطلب، لموقع “الحرة”، عن معضلة اقتصادية تتعلق بضمان “مصلحة الأفراد وعدم الإضرار بالاقتصادات الوطنية للدول”، في ظل تداعيات الحرب في أوكرانيا ومن قبلها جائحة كورونا، ما أثر على “جميع اقتصادات العالم”، وأدى لرفع نسب التضخم بشكل غير مسبوق.
ويؤكد الخبير الاقتصادي، مدحت نافع، لموقع “الحرة”، أن “في حالات المخاطر العالية وعدم اليقين يلجأ الأفراد إلى زيادة الطلب على أصول بعينها” لتجنب خسارة أموالهم.
ويرى المحلل الاقتصادي، إدريس العيساوي، في حديثه لموقع “الحرة”، أن الاقتصاد العالمي يمر بـ”أحلك مرحلة يمكن تصورها”، ما يتطلب “البعد عن المجازفة بخسارة المدخرات المالية”.
ونتيجة ذلك يشير المحلل الاقتصادي، عبدالله الخاطر، في حديثه لموقع “الحرة”، إلى منظورين للتعامل مع الأزمة الاقتصادية، يتعلق الأول “بعدم الاستثمار والاحتفاظ بالسيولة النقدية”، ويرجح الثاني “الاستثمار قليل المخاطر”.
الاستثمار أم الاحتفاظ بسيولة؟
يحذر عبدالمطلب، من “الاحتفاظ بالسيولة المالية” دون وضعها في “وعاء استثماري”، مرجعا ذلك إلى “تراجع وتآكل” القيمة المالية للنقود في ظل “ارتفاع نسب التضخم”.
وفي حال رغبة الأفراد في “الاحتفاظ بسيولة مالية”، فعليهم وضعها في “شهادات بنكية بعائد ثابت”، لتجنب تقلص قيمتها وجنى أرباح في الوقت ذاته، وفق المحلل.
من جهته يشير نافع إلى أهمية “استثمار الأموال في وعاء ادخاري منخفض المخاطر” للتقليل من تآكل قيمة الأموال بفعل التضخم.
على جانب آخر، ينصح العيساوي بالاحتفاظ بالسيولة المالية، للابتعاد عن “مخاطر إضرابات الأسواق”.
ويرى العيساوي أن “الاحتفاظ بالسيولة المالية” يبعد الأفراد عن المجازفة ويحميهم من مخاطر فقدان أموالهم في ظل الاضطرابات التي تعصف بالأسواق العالمية.
ويتفق مع الطرح السابق، الخاطر، مؤكدا أن الاحتفاظ بالنقد هو الخيار الأفضل في الفترة القادمة، لكنه يؤكد في الوقت ذاته إمكانية اتجاه الأفراد إلى “الاستثمار في أوعية آمنة”.
أين تستثمر أموالك؟
يشير الخاطر إلى إمكانية الاستثمار في “سندات الشركات” التي تقدم “فوائد جذابة”، لكن يجب الاستثمار فيها من خلال “محافظ وصناديق” لتوزيع وخفض المخاطر.
ويرى أن الاتجاه الأفضل للاستثمار يكون في “سندات الشركات” و”السندات السيادية” وكذلك “شراء العقارات”، ناصحا بـ”تنويع وتوزيع الاستثمارات” لتجنب التعرض لتقلبات السوق.
ويرى العيساوي، أن في حال إقدام الأفراد على الاستثمار فأن “شراء الأراضي والعقارات” هو الحل الأمثل.
ويقول إن “شراء الأرض والعقار استثمار مضمون” لكنه لا يوفر سيولة مالية وقتية في حال حاجة الأفراد إلى “دعم نقدي سريع”.
ويؤكد عبدالمطلب أن الاستثمار في العقار مناسب وأمن، لمن لديه “فائض مالي ولا يحتاج لسيولة سريعة”.
وتكمن المعضلة في الاستثمار العقاري في “عدم القدرة على تحويله إلى سيولة عند الحاجة إلى الأموال بشكل سريع”، وفقا لحديث عبدالنبي.
ويشير نافع إلى معضلة جديدة تتعلق بالاستثمار في العقارات لأنها قد “تتعرض لفقاعة”، ما يزيد عدد العقارات المغلقة ويصعب إمكانية تصريف المعروض من خلال الايجار أو البيع.
ولذلك يرى نافع أن الاستثمار الآمن الحالي هو الذهب، الذي يرتفع سعره وله قيمة استخدامية، ويعد من الأصول التي تتضمن “قيمة مختزنة كبيرة”، على حد تعبيره.
لكن عبد المطلب يؤكد أن “الذهب لم يصبح ملاذا آمن”، مشيرا إلى “فقدانه قيمته خلال فترة قصيرة وتذبذب أسعاره خلال الأيام الماضية”.
وشهدت أسعار الذهب تذبذبا خلال الأيام الماضية، حيث تراجعت بشكل طفيف، الثلاثاء، متأثرة بمكاسب الدولار.
وتراجعت أسعار الذهب في المعاملات الفورية 0.1 بالمئة إلى 1665.89 دولار للأوقية (الأونصة)، بحلول الساعة 0612 بتوقيت جرينتش، بعد أن لامست أدنى مستوى منذ الثالث من أكتوبر.
وخلال يوم واحد، ارتفعت أسعار الذهب في المعاملات الفورية، الأربعاء، بنسبة 0.2 بالمئة إلى 1668.40 دولار للأوقية (الأونصة)، بحلول الساعة 0908 بتوقيت غرينتش، بعد انخفاضها لخمس جلسات متتالية.
ما الملاذ الآمن؟
يؤكد عبدالمطلب، أن الدولار العملة الأولى عالميا حاليا، وقد يكون الملاذ الأفضل لـ”استثمارات الأفراد”.
لكن “الاحتفاظ بالدولار”، سيحرم “الاقتصادات العالمية من التدفقات الدولارية” ويرفع تكاليف التمويل وهذا سيؤدي لانهيار اقتصادي، وفقا لحديث عبدالنبي.
ولحل تلك المعضلة ينصح عبدالنبي بالاستثمار في “الشهادات ذات العائد الدولاري”، لأن ذلك يشكل مزيجا استثماريا “يحافظ على أموال الافراد ويمكن البنوك المركزية في الوقت ذاته من الاحتفاظ برصيد من العملات الأجنبية”.
فأي سبيل برأيكم سيكون الخيار الأفضل لتحقيق السلامة الفعلية لمدخراتكم وحمايتها من اثار الازمة الاقتصادية العالمية الحالية
المصدر: الحرة