من الذي التقط صورة أول رجل يهبط على سطح القمر ومن صوره وهو يغادر!
في سنة 1961، أراد الرئيس الأمريكي آنذاك (جون كينيدي) أن يرسل بعثة بشرية إلى القمر، وكانت الولايات المتحدة في ذلك الوقت قد بدأت لتوها محاولات وتجارب إرسال البشر إلى الفضاء.
هل كانت وكالة (ناسا) جاهزة لإرسال الإنسان إلى سطح القمر؟ كان الرئيس الأمريكي والوكالة يعلمان جيدا بأنهما يستطيعان القيام بذلك، وهنا ولدت مهمة (أبولو 11)، أول مهمة لإرسال الإنسان إلى سطح القمر.
انطلقت رحلة (أبولو 11) نحو هدفها وهو الهبوط على سطح القمر في السادس عشر من شهر يوليو سنة 1969 بقيادة القبطان (نيل أرمسترونغ) ومساعديه كل من الربان (إدوين بوز ألدرين) و(مايكل كولينز).
بعد أربعة أيام، هبط (أرمسترونغ) و(ألدرين) على سطح القمر على متن ”المركبة القمرية“ (لونار موديل) التي كانت تلقب بالـ(إيغل) أو ”النسر“، بينما بقي (كولينز) في ”مركبة القيادة“ في مدار القمر حيث أجرى بعض التجارب وجمع بعض الصور من أجل أبحاث لاحقة.
اللافتة التي تركها رواد الفضاء على سطح القمر، والتي حملت العبارة التالية: ”هنا خطى رجال من كوكب الأرض أول خطواتهم على سطح القمر في شهر يوليو سنة 1969 ميلادي، لقد أتينا من أجل السلام بالنيابة عن جميع البشر“.
في الواحد والعشرين من شهر يوليو سنة 1969، أصبح (نيل أرمسترونغ) أول رجل يمشي على سطح القمر، وكان هو ومساعده (ألدرين) قد تجولا هناك لمدة ثلاث ساعات تقريبا، يجمعون فيها عينات عن تربة وصخور القمر وكذا يلتقطون العديد من الصور، وكانت هذه الأخيرة هي ما أثار -ولا يزال يثير- جدلا واسعا بين جميع سكان الأرض تقريبا، خصوصا عشاق نظريات المؤامرة، حيث لا ينفكون يرددون التساؤل التالي: ”إذا كان (أرمسترونغ) هو أول من مشى على سطح القمر، فمن التقط له صورته وهو يفعل ذلك؟“
قد ترغب في أن تجيب على هذا السؤال بأن مساعده (ألدرين) هو من التقط له الصورة وهو أمر بديهي، وهي إجابة صحيحة تماما، لكن ”من التقط تلك الصور التي يظهر فيها (أرمسترونغ) يخطو أولى خطواته خارجا من المركبة القمرية على سطح القمر يليه فيها مساعده (ألدرين) يا ترى؟“
إنه سؤال محير أليس كذلك؟ خصوصا عندما تعلم بأنهما كانا إثنين لا ثالث لهما، فمن عساه يلتقط لهما صورة تجمعها؟
في الواقع، كان (نيل أرمسترونغ) أول رجل يهبط على سطح القمر فعلا، لكنه لم يكن أول غرض من صنع البشر يهبط على القمر، تابع معنا عزيزي القارئ قراءة هذا المقال لفهم أكثر حول الموضوع.
إذا كان (نيل أرمسترونغ) هو أول رجل يهبط على سطح القمر، من قام بتصويره وهو يغادر المركبة يا ترى؟
عندما تشاهد الصور الأولى لهبوط الإنسان على القمر، تكتشف أنه لم تكن هناك أية آلات كاميرا على سطح القمر قبل نزول المركبة القمرية الـEagle، وكانت معظم القنوات آنذاك، وخاصة قناة (أن بي سي) NBC قد حضّرت شرائط أنيمي تبرز لحظات هبوط المركبة على القمر مع بث صوتي حقيقي من طرف وكالة (ناسا) مباشرة من المركبة، وقد كان (نيل أرمسترونغ) و(ألدرين بوز) يتحدثان في البث الصوتي، بالإضافة إلى بعض الردود التي كان مصدرها التقنيون في محطة مراقبة وسير المهمة في (هيوستن).
كانت مركبة Eagle مجهزة بكاميرات داخلية عدساتها متجهة نحو الأسفل موضوعة هناك بتلك الوضعية من أجل تصوير وتسجيل لحظات الهبوط الأولى، وكذا تمكين الربان من رؤية السطح الذي يهبط عليه وتقييم طبيعته وما إذا كانت توجد به صخور كبيرة أو تضاريس قد تعيق علمية الهبوط أو تخلّ بها، وبينما كانت المركبة تقترب من سطح القمر، تسببت المحركات النفاثة خاصتها في إثارة الغبار تحتها، مما جعل من المستحيل على (نيل) رؤية السطح بوضوح على موقع الهبوط الأصلي الذي اختير مسبقا، وقبل ثواني من الهبوط الفعلي، قرر (نيل) نقل المركبة إلى منطقة على بعد مسافة قريبة من الوقع الأصلي حيث لم يكن هناك الكثير من الغبار على السطح، وبعد أربعين ثانية على زمن الهبوط المبرمج مسبقا، نجح في جعل المركبة تهبط على السطح بأمان.
ومنه لم يكن متاحا تصوير الهبوط الفعلي من على سطح القمر ذلك أنه لم تكن هناك كاميرات من قبل، وكان الهبوط الحقيقي للمركبة قد سجل من طرف الكاميرات المركّبة على متن المركبة نفسها التي سبق وذكرناها.
بعد انتهاء عملية هبوط المركبة القمرية بسلام على سطح القمر، كانت هناك كاميرا أخرى على متن المركبة، التي كانت معدة لتصوير أولى خطوات الإنسان على سطح القمر.
كانت هذه المركبة مجهزة بشريط، وعندما سحب (أرمسترونغ) هذا الشريط -قبل خروجه من المركبة- تفعلت آلية إطلاق أُطلقت على إثرها الكاميرا خارج المركبة على مسافة قصيرة عنها وعدساتها متجهة صوب سلالمها من أجل تصوير رواد الفضاء وهم يغادرون المركبة، مثلما هو موضح في الصورة.
نيل أرمسترونغ لدى نزوله من مركبة (لونار موديل): هذه صورة التقطت بواسطة الكاميرا التلفزيونية ذات التصوير البطيئ، والدقة المنخفضة المركّبة على متن المركبة القمرية (لونار موديل) Lunar Model باختصار LM التي أطلقها (نيل أرمسترونغ) قبل نزوله عبر سلالم المركبة من خلال سحب شريط.
تظهر هذه الصورة آلية إطلاق الكاميرا، التي بعد إطلاقها كانت مقلوبة رأسا على عقب، وكانت عدستها في مواجهة سلالم المركبة القمرية.
آلة الكاميرا التلفزيونية التي ركّبت على متن مركبة أول رحلة للإنسان إلى القمر.
بالنسبة لمعايير زمننا الحاضر، تعتبر هذه الكاميرا سيئة للغاية، لكن في أيامها آنذاك كانت تعتبر من عجائب الإنجازات التكنولوجية، حيث كان حجمها أصغر من حجم الكاميرات التلفزيونية التجارية التي كان يسوق لها آنذاك، وكانت كل الصور التي كنت قد رأيتها عزيزي القارئ حول الهبوط على سطح القمر قد التقطت من طرف هذه الكاميرا، التي كانت تبث بصيغ غير معيارية.
تحتم بث هذه الصور عبر العديد من الصيغ والأحجام المختلفة حول العالم، ومنه كانت كل الصور التي رأيتها حول الهبوط على سطح القمر محسنة ومعاد تصويرها من على شاشات عالية الدقة كانت تحوز عليها وكالة (ناسا) لنفس الغرض، وكانت العملية كلها بسيطة ولكن مكلفة للغاية، ولم تكن هناك أية طريقة أخرى سواها للقيام بها آنذاك.
(ألدرين بوز) يغادر المركبة: في هذه الصورة يظهر (بوز ألدرين) -الرجل الثاني الذي غادر مركبة (لونار موديل)- التقطها له رائد الفضاء (نيل أرمسترونغ) وهو أول رجل يغادر المركبة باستعمال كاميرا ذات سبعين ميليمترا من نوع (هاسلبلاد) ذات فيلم متوسط الصيغة، التي تعتبر إلى يومنا هذا واحدة من أفضل آلات الكاميرا التي صنعت على الإطلاق، مجهزة بشريط فيلم (كوداكروم) المصنوع من مادة دقيقة بشكل خاص، والمثبت على شريط (مايلار) رفيع جدا، مما سمح لهذه الكاميرا بتسجيل ضعف ما كانت تستطيع الكاميرات التجارية تخزينه من الصور.
تم تعديل هذه الكاميرات بطريقة ليصبح بالإمكان تثبيتها على صدر بزات رواد الفضاء.
تم تصميم كاميرات التصوير التلفزيونية على القمر من طرف شركة (ويستينهاوس) في (بالتيمور) بالولايات المتحدة، ولم تكن لديها أية معدات لتخزين وتسجيل ما تصوره، لذا تمت برمجتها على بث كل ما تلتقطه من صور مباشرة إلى مستقبلات على مستوى الأرض في محطة (هونيسوكل كريك) في (كانبيرا) بأستراليا، التي كانت جزءا من شبكة (ناسا) للأبحاث الفضائية حول الأرض.
تشتهر محطة (هونيسوكل كريك) أكثر بكونها لعبت دور المستقبل الذي تلقى وأعاد بث للعالم أول صور تاريخية لرائد الفضاء (نيل أرمتسرونغ) وهو يخطو أولى خطوات البشرية على سطح القمر في الواحد والعشرين من شهر يوليو سنة 1969.
من (كانبيرا) أعيد بث وإرسال تلك الإشارات إلى محطة التحكم ومراقبة سير المهمة في (هيوستن) بالولايات المتحدة الأمريكية، حيث كان يتم تسجيل كل تفصيل حول المهمة من طرف خبراء ومختصين في غرفة التحكم.
(بوز ألدرين) في الصورة مع انعكاس لـ(نيل أرمسترونغ) على واجهة خوذته الذي كان قد التقط له هذه الصورة.
حدث بعض الجدل منذ سنوات قليلة في الماضي حول بعض شرائط الفيديو المفقودة للهبوط على القمر، ووجد فريق تحقيق أن الشرائط الأصلية المسجلة قد تم محوها وأعيد استعمالها في سنوات لاحقة من طرف بعض التقنيين فيما يعتبر إجراء اعتياديا معمولا به من طرف وكالة (ناسا).
ولو أنه عثر على على الشرائط الأصلية بصيغ الـ(أس أس تي في) SSTV، قد يكون من الممكن إنشاء صيغ أحدث عنها ذات نوعية عالية، مما قد يفضي إلى صور أفضل من تلك التي رأيناها أول مرة.
اكتشف الباحثون أن الشرائط الأصلية التي احتوت على إشارات أبولو 11 الخام بصيغة (أس أس تي في) تم محوها وأعيد استعمالها من طرف وكالة ناسا في أوائل ثمانينات القرن الماضي، ووفقا لوكالة ناسا نفسها كان هذا هو الإجراء المعمول به، خاصة أنهم كانوا آنذاك يواجهون نقصا كبيرا في شرائط تسجيل البيانات.
أطلقت وكالة (ناسا) شريط الفيديو الفعلي على الهواء مباشرة للقنوات التلفزيونية لتبثه حول العالم، مما لا شك فيه أن كل شركة وقناة تلفزيونية عرضت هذا البث تحتفظ الآن بنسخة عنه، كما أنه يشاع أن 80 بالمائة من سكان العالم آنذاك شاهدوا اللقطات الأولى لنزول الإنسان على سطح القمر.
المصدر: دخلك بتعرف